العدد 38 - الأحد 13 أكتوبر 2002م الموافق 06 شعبان 1423هـ

الاب والنفط... ودوافع شخصية

الصحافة الفرنسية تسأل عن الحرب الاميركية على العراق

إيمان شقير comments [at] alwasatnews.com

.

ركزت الصحافة الفرنسية وللأسبوع الثاني على التوالي مقالاتها وتحليلاتها على استبيان أسباب إصرار الرئيس الأميركي جورج بوش على مواجهة العراق بالقوة في الوقت الذي أبدت فيه بغداد مرونة في الموقف بقبولها عودة المحققين الدوليين، وفي حين تتردد الدول الحليفة كما الصديقة لأميركا، باستثناء بريطانيا، في إعطاء إدارة بوش الضوء الأخضر لاطلاق حملته. فبالإضافة إلى مبرر إسقاط نظام صدام ونزع سلاحه هناك عامل النفط وعوامل أخرى شخصية، في رأي الإعلام الفرنسي.

لوموند: أحقاد بوش

تسأل «لوموند»، في تقرير لمراسلها من واشنطن في عدد 8 اكتوبر/ تشرين الأول: ما الذي يجعل بوش يصر بشدة على الدخول في حرب ضد العراق؟ وهل من وراء الأسباب المعلنة (نزع سلاح صدام حسين، ومنعه من امتلاك قنبلة نووية) دوافع أخرى اكثر ذات علاقة بماضي الرئيس؟

وتقول لوموند إن الانتقام هو الدافع الأول. فجورج بوش لم ينس محاولة الاغتيال التي تعرض لها والده في 13 أبريل/ نيسان 1993. حين كشفت الشرطة الكويتية عن سيارة مفخخة كانت تنتظر وصول بوش الأب وزوجته وابنه نيل ولورا (زوجة الرئيس بوش) في العاصمة الكويتية. وقد اثبتت تحقيقات الـ «اف بي أي» أن صدام حسين شخصيا هو الذي أمر بمحاولة الاغتيال.

تضيف لوموند: انه، وعلى رغم نفي أوساط الرئيس بوش لأن يكون لهذا الحادث أي علاقة بقرار الرئيس إعلان الحرب على العراق، فإن بوش أشار بنفسه مرتين إليها. المرة الأولى أمام الأمم المتحدة في 12 سبتمبر/ أيلول حين قال «إن من بين جرائم صدام محاولته اغتيال رئيس اميركي سابق».

والمرة الثانية في بوسطن حين أعلن أمام احتفال لدعم الجمهوريين في حديثه عن صدام حسين «انه شخص حاول قتل أبي». فهذه اللغة الشخصية جدا التي استخدمها الرئيس الاميركي، جعلت السؤال يطرح عن دور عامل الرغبة في الانتقام في قرار الرئيس الأميركي محاربة عراق صدام، وفقا لقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة تكساس بروس بوكانان، الذي يراقب بوش الابن منذ سنوات. سيما وأنها لن تكون المرة الأولى التي ينتقم فيها بوش لأبيه، فهو طرد من تكساس الحاكمة «أن ريتشارد» التي شتمت الرئيس السابق عبر اللعب بالكلام حين قالت «مسكين جورج. لقد ولد بقدم (بدلا من ملعقة) ذهبية في فمه». (في إشارة إلى اصل ثراء الرئيس وحماقاته الكلامية)، ثم عمل على غسل هزيمة الأب في انتخابات 1992 بمحاربته بقسوة بعد 8 سنوات للرجل الذي اختاره كلينتون خليفة له، أي أل جور.

يضاف إلى ذلك، تتابع «لوموند»، لم ينس بوش الابن وصف صحيفة «نيوزويك» لوالده حين ترشح لانتخابات 1987 «بأنه رجل من غير رائحة ولا طعم». وكيف أن الأب اعتقد بعد حرب الخليج الأولى انه تخلص من هذا الوصف غير أن صقور الجمهوريين استعادوه مجددا حين عبروا علنا عن احتقارهم للرئيس الأب «الرجل الذي لم ينه مهمته». ويكون بوش الابن قد أراد هؤلاء حوله الآن لأنه يعرف انه بإنهائه الحرب ضد العراق التي بدأها والده يحرره من انتقاداتهم له».

وطبعا، تضيف «لوموند»، هناك النفط. إنها مسألة «بترول» اكثر ما هي مسألة دم. فجورج بوش ونائبه ديك تشيني هما رجلا نفط قبل كل شيء وهدفهما إيجاد مناطق توسع للشركات النفطية الاميركية. وحين اطلق بوش الأب «عاصفة الصحراء» قبل 12 سنة لطرد صدام حسين، لم يخف دور عامل النفط الرئيسي في العملية بينما يقسم البيت الأبيض اليوم أن الضرورات الأمنية وحدها هي الدافع للحرب. لكن الجميع يعرف أن الشركات المتعطشة إلى حقول نفط جديدة والتي موّلت حرب الأب تموّل حرب الابن اليوم.

ومن الدوافع الأخرى للحرب ضد العراق في رأي «لوموند»، عامل شعور بوش بأنه مكلف بمهمة «إلهية». ففي كلامه عن «محور الشر» في نهاية يناير/ كانون الثاني 2002، قال: «أدركنا فجأة أن القرن الحالي سيكون قرنا حاسما لتاريخ الحرية. وانه قد تم استدعاؤنا واختيارنا للقيام بدور استثنائي في الحوادث الإنسانية». أي أن بوش، وبكل وضوح أعلن انه يحمل رسالة إلهية. وفي الولايات المتحدة، تضيف «لوموند»، لا يمكن لأي خبير بالسياسية التعاطي مع مثل هذا الخطاب باستخفاف. ويقول بروس بوكانان: «إن الرئيس يقوم بما تمليه عليه قناعته كحامل رسالة. فهو يؤمن بالقدر وبأن يد الله هي التي تقود الإنسان. وهو مقتنع تماما بأنه ينجز مهمة سامية جدا بتخليصه العالم من رجال أمثال صدام حسين أو أسامة بن لادن».

وعامل أخير، في رأي مراسل «لوموند» في واشنطن، يدخل في تبرير الحرب على العراق هو الحسابات السياسية الصغيرة، فقد كان يمكن لبوش أن يعلن الحرب ضد العراق بعد انتخابات 5 نوفمبر/ تشرين الثاني التي يتم فيها التجديد لمجلسي الشيوخ والبرلمان، إلا انه أراد الحرب قبل ذلك حين بدأت تبرز موضوعات محرجة للجمهوريين. فقد استطاع بوش بإعلانه الحرب حجب الجدل عن اسباب هبوط البورصة وركود الاقتصاد وفضائح الشركات. وجعل الأنظار كلها تتجه نحو العراق.

الاكسبرس: مسألة قيادة

«من يحبني فليتبعني». تلك هي العقيدة الاستراتيجية الاميركية الجديدة في رأي المعلق السياسي لمجلة «الاكسبرس» برنارد غيتا. وتلك هي السياسة الاميركية الجديدة التي ينطلق بها بوش مبررا إصراره على الحرب ضد العراق. إذ لا يمضي يوم لا بل ساعة من دون أن يكرر بوش أو أعوانه انهم لن يكتفوا بنزع سلاح صدام بل يريدون تغيير النظام ولو بالقوة.

ويسأل المعلق السياسي للاكسبرس: لماذا من المهم جدا برأي أميركا أن يتم إسقاط صدام حسين بالقوة ولو تم نزع سلاحه؟ ويجيب بالقول: «السبب أن اعتداءات 11 سبتمبر غيرت من نظرة هذه الإدارة إلى العالم بشكل تام. فبعد أن كان بوش وأعوانه يرغبون في تجنب تورط الولايات المتحدة بأي نزاع خارجي أو الدخول حتى في حروب وقائية، ليس حبا في عدم التدخل بل حبا في الانعزال والأحادية في امتلاك القيادة والقوة التكنولوجية والنووية والاسلحة المضادة للصواريخ. وهي لذلك أنكرت اتفاقات نزع التسلح مع الاتحاد السوفياتي سابقا وقاطعت اللقاءات المتعددة الأطراف والأمن الجماعي. ولم يكن هدفها «نشر الحرية عبر العالم» كما ادعت عقيدتها الاستراتيجية بعد ذلك، بل هي أرادت من احاديتها أن تعيش متجددة دوما تحت ظل قوتها العظمى تاركة الآخرين يتدبرون أمورهم.

أضاف غيتا: بعد أن كانت أميركا غارقة مسرورة في حال من الأنانية والأحادية، اكتشفت بعد اعتداءات 11 سبتمبر شدة حال العداء التي تثيرها في العالم العربي والاسلامي بل اكتشفت قدرة غيرها على الجمع بين التطرف والتكنولوجيا وهو تهديد جديد لا تردعه المدرعات ومضادات الصواريخ. فقررت انه يجب إعطاء الدرس للجميع عبر العراق وتغيير التوازنات الداخلية في الشرق الاوسط و«دمقرطة العالم العربي» بحسب ادعاء مستشارة الأمن القومي غونداليزا رايس وجعل العراق الواجهة العربية لنموذج الولايات المتحدة، أي برلين غربية أخرى. وهذا، في رأي غيتا، يعكس تجدد الرغبة الاميركية في قيادة العالم من دون النظر إلى عواقبها.

هذه الرغبة لا ترى سوى أميركا ولا تلحظ أي وجود للعراق، ولا حتى لأي دولة أخرى، ولو من دول الوحدة الأوروبية، تأتي إلى البيت الأبيض لتقول له ماذا يفعل وما لا يفعل. «من يحبني يتبعني» هذه هي العقيدة الجديدة للولايات المتحدة ورسالتها التي تقلق أوروبا والتوازن العالمي.

وفي «الاكسبرس» ملف يفند مبررات عسكرية جغرافية استراتيجية، اقتصادية، إنسانية وسياسية كثيرة على الجبهتين الاميركية والعراقية. منها ما يبرر ضرب العراق ومنها ما يوصي بالعكس بتجنب مثل هذه المخاطرة العسكرية

العدد 38 - الأحد 13 أكتوبر 2002م الموافق 06 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً