مثلما حدث في السنوات الأخيرة، فرضت كرة القدم الإسبانية هيمنتها على الساحة الأوروبية في العام 2016 من خلال الفوز بلقبي دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي، ولكن الاستثمارات الجديدة التي ضختها الأندية الإنجليزية لتدعيم صفوف فرقها تطرح الآن وبقوة سؤالا عن مدى استمرار هذه الهيمنة الإسبانية.
وأنهى ريال مدريد الإسباني العام 2016 بإحراز لقب بطولة كأس العالم للأندية بعدما عزز رقمه القياسي في عدد مرات الفوز بلقب دوري الأبطال الأوروبي من خلال فوزه بلقب المسابقة في الموسم الماضي ليكون الحادي عشر له في تاريخ البطولة.
وكرر الريال ما فعله قبل عامين وتغلب في النهائي على جاره أتلتيكو مدريد مثلما فعل في نهائي المسابقة بموسم 2013-2014.
وخلال المواسم الثلاثة الماضية، لم يكسر احتكار الفرق الإسبانية للمباراة النهائية بدوري الأبطال سوى فريق يوفنتوس الإيطالي لكنه خسر على ملعبه في تورينو أمام برشلونة الإسباني في نهائي المسابقة بموسم 2014-2015.
وفي الوقت نفسه، أحرز أشبيلية الإسباني لقب الدوري الأوروبي للموسم الثالث على التوالي.
وأصبح اللقب في الموسم الماضي هو الخامس للفرق الإسبانية في آخر سبعة مواسم بالمسابقة إذ توج أتلتيكو مدريد باللقبين الآخرين.
وواصلت الكرة الإسبانية هيمنتها على الساحة الأوروبية أيضا في النصف الثاني من العام 2016 إذ اجتاز ممثلوها الأربعة (ريال مدريد وأتلتيكو مدريد وبرشلونة وأشبيلية) دور المجموعات في دوري أبطال أوروبا وتقدموا لدور الستة عشر كما اجتاز أتلتيك بلباو وفياريال وسلتافيغو دور المجموعات في الدوري الأوروبي إلى دور الـ32 للمسابقة.
وتتماشى هذه الهيمنة للأندية الإسبانية مع التفوق التام للاعبي الدوري الإسباني إذ احتكر لاعبو الليغا المراكز الستة الأولى في استفتاء مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية الرياضية لجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم للعام 2016 وكانت هذه المراكز على الترتيب من نصيب البرتغالي كريستيانو رونالدو (ريال مدريد) والأرجنتيني ليونيل ميسي (برشلونة) والفرنسي أنطوان غريزمان (أتلتيكو مدريد) والأوروغوياني لويس سواريز (برشلونة) والبرازيلي نيمار دا سيلفا (برشلونة) والويلزي غاريث بيل (ريال مدريد).
ولا يقتصر الأمر على هذا بل كان 27 من 30 لاعبا صعدوا لمنصة التتويج (احتلوا المراكز الثلاثة الأولى) في الاستفتاء على الجائزة نفسها خلال السنوات العشرة الماضية من اللاعبين في الدوري الإسباني وذلك مقابل لاعبين فقط من الدوري الألماني (بوندسليغا) وهما مانويل نوير والفرنسي فرانك ريبيري ولاعب واحد من الدوري الإنجليزي هو الإسباني فيرناندو توريس عندما كان لاعبا في ليفربول الإنجليزي. ولكن الزمن تغير إذ تنامت قوة الدوري الإنجليزي على رغم تذبذب مستوى الأندية الإنجليزية في البطولات الأوروبية. وما زال الدوري الإنجليزي البطولة المحلية الأكثر جاذبية في العالم أو هكذا تشير نسبة الحضور الجماهيري على الأقل.
وحظي الدوري الإنجليزي بعقد خيالي لحقوق البث التلفزيوني لتسبح أندية المسابقة في بحر من الذهب.
ويبلغ إجمالي حجم ميزانيات أندية الدوري الإنجليزي أربعة مليارات يورو وهو ضعف نظيرها في أندية الدوري الإسباني.
ولذا، أصبح الصراع غير متكافئ ولم يعد كثير من اللاعبين قادرين على مقاومة سحر الجنيهات الاسترليني.
وقال رئيس رابطة الدوري الإسباني للمحترفين خافيير تيباس: "الهدف هو أن نستطيع خلال السنوات الأربع المقبلة اجتياز مفترق الطرق والاقتراب من أندية الدوري الإنجليزي لأن عدم تقليص الفارق في العائدات يعني قدرة الأندية الإنجليزية على اجتذاب وخطف المواهب واللاعبين المتميزين في السنوات المقبلة. نريد أن نكون أفضل دوري في العالم".
وقلصت الأندية الإسبانية استثماراتها في سوق التعاقدات خلال السنوات القليلة الماضية بل إن الريال تراجع هذا العام عن سياسته المعهودة في التعاقد مع النجوم العمالقة "جالاكتيكوس".
وسلك الريال طريقا أكثر اعتدالا ودعم صفوفه بلاعبين هما ألفارو مورال وماركو أسينسيو.
وأنفق برشلونة مبالغ أكبر كثيرا وصلت لنحو 124 مليون يورو ولكن ذلك كان لضم لاعبين وصفوا بأنهم لاعبين بدلاء إلى حد كبير وهم صامويل أومتيتي وأندري غوميز ولكاس ديني وباكو ألكاسير ودينيس سواريز وياسبر سيليسين.
ووجهت لهؤلاء اللاعبين الكثير من الانتقادات في بداية الموسم كما لم يرتق أي منهم حتى الآن لدرجة النجومية.
وكان الجهد الأكبر للأندية الإسبانية هو للحفاظ على لاعبيها من خلال توقيع عقود جديدة مغرية معهم بهدف حمايتهم من إغراءات الأندية الإنجليزية التي تستطيع الآن تقديم رواتب فلكية للاعبيها.
وعلى سبيل المثال، سارع الريال بتحسين عقود كريستيانو رونالدو وغاريث بيل وتوني كروس ولوكا مودريتش ولوكاس فاسكيز وآخرين.
وفعل برشلونة الشيء نفسه مع نيمار ولويس سواريز كما يستعد لتحسين عقد ليونيل ميسي.
كما سار أتلتيكو مدريد على الدرب نفس مع أبرز نجمين بالفريق وهما الفرنسي أنطوان غريزمان والبلجيكي يانيك كاراسكو لكونهما أكثر نجومه جاذبية في سوق انتقالات اللاعبين.
والواضح أن الدوري الإنجليزي يعرف سر النجاح ولكنه لا يعلم إلى أي مدى سيحافظ على هذا النجاح.
ولذا، لجأ رؤساء الأندية الإسبانية في السنوات الأخيرة إلى برامج طموحة لتنمية أنديتهم وزيادة عائداتها من أجل تقليص، أو على الأقل الحد من تفاقم، الفجوة مع الدوري الإنجليزي الذي يحظى بأكبر متابعة من المشجعين في أنحاء العالم كافة.
وقال تيباس: "الهدف هو تدعيم ما تم إنجازه في السنوات الأخيرة وزيادة الحضور الجماهيري في الاستادات وتكوين ثقافة للشفافية والمسئولية الاجتماعية وتحقيق تواجد أكبر على الساحتين الدولية والعالمية".
الانهيار قادم
قد تكون هذه السنة هي الأخيرة لحضور الكرة الإسبانية بهذا الزخم ، العام القادم ربما تعود سطوة الكرة الإنجليزية مجددًا كما كان في منتصف السبعينات إلى منتصف الثمانينات ، وأيضًا من ٢٠٠٥ إلى ٢٠١٢ حيث كان الحضور دائم للأندية الإنجليزية في الأدوار النهائية لمسابقة دوري الأبطال سواء بالوصول للمباراة النهائية أو قبل النهائي ، والحضور في هذه المسابقات والفوز بها ليس دليل قوة فريق ما ، لأن الفوز بها يتطلب أسلوب خاص لم تتوفر عليه الأندية الإنجليزية في السنوات الأخيرة خصوصًا بعد ابتعاد اليونايتد عن الواجهة.