العدد 38 - الأحد 13 أكتوبر 2002م الموافق 06 شعبان 1423هـ

نخبة الجزائر... والانتخابات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

احتل حزب «جبهة التحرير الوطني» الجزائري المركز الأول في الانتخابات البلدية التي عقدت في الأسبوع الجاري. وفاز الحزب بغالبية المقاعد وسيطر على 668 من 1541 بلدية. وكان الحزب نفسه بعد عمليات التجديد والتحديث التي قام بها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة فاز ايضا في الانتخابات البرلمانية التي عقدت في مايو/أيار الماضي. وبهذه النتيجة يكون الحزب الحاكم اكد مجددا احتكاره للسلطة بعد فترة وجيزة قَبِلَ فيها مبدأ المشاركة المحدودة من قبل التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان يملك الغالبية في البلديات وتراجع في الدورة الأخيرة إلى المرتبة الثانية بفارق كبير بينه وبين الاول.

اخيرا دخلت قلوب قادة الحزب الحاكم الطمأنينة بعد فترة مخاوف كاد حزب جبهة التحرير ان يغيب فيها عن شاشة السياسة الجزائرية، مخليا الساحة للقوى الاسلامية وتحديدا «الجبهة الاسلامية للانقاذ».

تلك الجبهة كانت المنافس غير المنتظر قبل اكثر من عشر سنوات. آنذاك اكتسحت الجبهة الاسلامية الانتخابات البلدية وفازت في أكثر من 800 دائرة. وحين جرت الانتخابات البرلمانية اكتسحت غالبية المقاعد في الدورة الأولى، وكان يتوقع لها ان تفوز بغالبية ما تبقى من مقاعد في الدورة الثانية.

إلا ان قادة حزب التحرير انقلبوا على رئيسهم، ثم انقلبوا على البرلمان والبلديات واعتقلوا او طاردوا كل الفائزين. بعدها انتقلوا إلى هيئات المجتمع ومنظماته المدنية والأهلية وشنوا معركة طويلة دامت حوالي عشر سنوات قضوا خلالها على كل مخالف وعاقبوا كل من لم يصوت لهم... وحصل في الجزائر (بلد المليون شهيد) كل ما هو غير متوقع. فطغت اخبار المجازر على كل الاخبار وباتت الجزائر ساحة مستباحة ومفتوحة على نبأ واحد: مذبحة جديدة ترتكب هنا وهناك في الاحياء الشعبية والمناطق الفقيرة وبعض القرى والمدن.

بعد الانتقام قرر الحزب الحاكم العودة إلى اللعبة الانتخابية مختبرا حظه ونسبة القوى وكمية المؤيدين بشرط ألا يشارك او ينافس كل فريق فاز في الانتخابات السابقة. الفائز لا يجوز له، برأي النخبة العسكرية الحاكمة، المشاركة. الانتخابات برأي تلك النخبة هي فقط للقوى الفاشلة التي انهزمت في الدورة السابقة.

ارتاح الحزب الحاكم لشروطه ولم يخالفه اي طرف جزائري له وزنه وقيمته في المجتمع، والسبب بسيط للغاية وهو ان ذلك الطرف هو بحكم الغائب، واذا وجد فهو قيد الاعتقال او في طريقه للاعتقال.

مع ذلك عبرت قيادة حزب جبهة التحرير عن سعادتها بالفوز. فهي جربت حظها اخيرا وفازت لوحدها، ومن دون منافس يذكر. فالمنافس غير موجود، أما الفئات الموجودة التي يحق لها المشاركة فقررت المقاطعة... وهنا ايضا مشكلة اخرى ومن نوع جديد. لم يغضب الحزب الحاكم من المقاطعة. فهذا القرار سهّل عليه مهمة اعادة احتكار السلطة من دون وجود حتى الطرف المشارك في تقرير مصير البلد.

وبسبب غياب الفريق الاول، ومقاطعة الفريق الثاني، انفرد حزب جبهة التحرير بالسلطة وخاض معركة وهمية ضد خصوم شبه وهميين لا وزن لهم في الشارع ولا دور سياسيا يقومون به.

الفريق الثالث الذي خاض المعركة هو مجموعة مشرذمة من القوى محكومة بسلسلة اعتبارات قانونية واجتماعية وتنظيمية ولا تملك قاعدة شعبية. هذا الفريق الثالث يملك سلسلة اعتراضات على ما حدث في الجزائر ولائحة من المطالب لا تغني الناس ولا تفقر حارس السلطة. فوجوده او عدم وجوده لا يعني الكثير على رغم ان قادة الفريق الثالث هم من العقلاء واصحاب رأي وعندهم وجهة نظر نقدية للسياسات المتبادلة بين رجال الدولة ورجال المعارضة.

إلا ان السياسة لا تقاس دائما بالرأي ولا بالملاحظات النقدية وانما بوجود مشروع متكامل تحمله فئات اجتماعية مستعدة للتضحية في سبيله او عندها القابلية للاستمرار والدفاع عنه وتطبيقه في حال وجدت الفرصة المناسبة للتعبير عنه. وغير ذلك تصبح المعارضة مجرد كلمات عابرة في نقد موقف عابر، وفي مجموعها لا تشكل الكلمات حركة سياسية متكاملة في مشروعها وكتلها الاجتماعية.

إذا فاز حزب جبهة التحرير. فاز على نفسه وحصل من دون منافس شرعي ومشروع على الغالبية. فالمقاطعة وصلت في بعض المناطق إلى 90 في المئة وتراجعت النسبة وتفاوتت في مناطق اخرى، الا انها لم تصل في اسوأ حالاتها إلى أقل من 50 في المئة. مع ذلك فاز الحزب الحاكم وابتهج بالنتيجة التي اعتبرها بعض خبراء السياسة: باهرة. انبهر حزب جبهة التحرير بفوزه فهو اعاد تأكيد احتكاره للسلطة للسنوات الأربع المقبلة بعد احتكار لها دام اكثر من 40 سنة... منذ الاستقلال عن فرنسا. فالحزب استقل بالدولة والآن يريد الاستقلال بالمجتمع منفردا ومن دون شريك: عاشت الجزائر

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 38 - الأحد 13 أكتوبر 2002م الموافق 06 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً