أقام مجلس المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري خلال الأسبوع الماضي، بمناسبة الذكرى العاشرة على رحيله، جلسة حوارية لاستذكار مناقب الفقيد الراحل، وما لعبه من أدوار وطنية وجهادية كواحد من أبرز الشخصيات العامة الدينية والسياسية المؤثرة في مجرى تاريخنا البحريني الحديث، وفي المداخلة المقتضبة التي تقدمت بها، حرصت على توضيح نقطتين أراهما على درجة من الأهمية، وأعيد تالياً ذكرهما مع مزيد من التوضيح:
النقطة الأولى: إن ثمة شخصيات إسلامية عامة مؤثرة في تاريخنا العربي الحديث، حظيت باعتراف وتقدير مختلف التيارات السياسية والفكرية فضلاً عن شهادات المؤرخين الأجانب الموضوعية، ولاسيما خلال المرحلة الاستعمارية التي مرت بها أقطارنا العربية، والأسماء الكبيرة في هذا الصدد أحسبها معروفة، نذكر منها: عبدالقادر الجزائري، وعبدالحميد بن باديس، وعبدالرحمن الكواكبي، ومحمد عبده، وعبدالكريم الخطابي، وعمر المختار وغيرهم. فهذه الشخصيات الإسلامية ما كانت لتتبوأ مكاناتها القيادية الدينية والوطنية في صفوف شعوبها، لولا الظروف الموضوعية التاريخية التي حتمتها الحاجة المُلحة للإجماع الوطني على مقاومة المستعمِر، ولو قيّض لأي منهم أن يدرك أو يعيش زماننا الراهن لربما اختلف الإجماع بشأن أدوارهم الوطنية والقيادية لما تتصف به مرحلتنا العربية الراهنة من تعقيدات وملابسات جمة، تُخيم على أجوائها الاستقطابات الطائفية الحادة، فيتعذّر الإجماع بشأن أولويات الأدوار الوطنية المفترضة أن تتصدر المهام الآنية قبل غيرها، والتي تتوافق مع المصالح الحقيقية لشعوبهم بمختلف مكوناتها الاجتماعية. بهذا المعنى فإن تاريخنا العربي الذي نعايشه قد يظلم مؤقتاً الأدوار الوطنية والإسلامية الوحدوية التي لعبتها شخصيات دينية، على رغم ندرتها في أقطارنا العربية، تحت تأثير تلك الأجواء ذاتها، ولعل شخصية الشيخ الجمري واحدةً منها، لكن المؤكد سيُقيض لتلك الشخصيات مستقبلاً قراءات وشهادات موضوعية مُنصفة تُدون في أجواء هادئة بانقشاع الغمة.
النقطة الثانية: لأن تطورت الأدوار التي لعبها الفقيد الراحل الجمري خلال مسيرته الجهادية والوطنية، بحيث تحظى شخصيته بإجماع وطني عام عبّرت عنها اللقاءات التي جرت في سني حياته الأخيرة قبل المرض، مع مختلف الرموز والشخصيات الإسلامية والوطنية من مكونات نسيجنا الاجتماعي، فإن فوز رموز أي تيار بهذا العدد أو ذاك في الانتخابات التشريعية خلال أي مرحلة تاريخية تشهد ضمور وصعود تيار آخر، إنما يُعبّر عن حقيقة موضوعية قلما التفت إليها مثقفونا ومفكرونا السياسيون العرب على اختلاف انتماءاتهم السياسية والمنادون بالتعددية لفظاً والمكابرة بنفي وجودها واقعاً كحقيقة موضوعية قائمة في المجتمع، وقد وجدنا تعبيرها في فوز الجمري وبعض زملائه من نفس تياره في انتخابات 1973، وعلى رغم المد الوطني واليساري العارم مطلع سبعينات القرن الماضي، ما يفرض احترام إرادة على الأقل شريحة من ناخبي شعبنا في هذا الصدد. وفي المقابل، وجدنا ومازلنا نجد منذ بدايات صعود التيارالإسلامي في مطلع ثمانينات القرن الماضي إلى وقتنا الحاضر، فوز عدد بهذا القدر أو ذاك من الرموز الوطنية والليبرالية، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد، نذكر منها ما أفرزته نتائج أول انتخابات تشريعية بعد استئناف الحياة البرلمانية في بلادنا مطلع العقد الماضي، وما أفرزته الانتخابات النيابية الكويتية غير مرة بعد تحرير الكويت، والانتخابات النيابية العراقية التي جرت بعد اسقاط نظام صدام حسين، وغيرها من الانتخابات الأخرى في مصر وتونس والمغرب والأردن. وكل هذه الاستثناءات والاختراقات خلال صعود تيار ما في مقابل تراجع تيار آخر خلال أي مرحلة من تاريخنا العربي، إنما يؤكد بسطوع تام استحالة انفراد تيار فكري أو سياسي أو ديني بالمشهد السياسي برمته وهيمنته عليه وحده، كما يحلو له أو نفي وجود الآخر وإقصائه إن في الممارسة الفكرية او في الممارسة السياسية العملية رغِب المرء في ذلك أم كره.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 5225 - الإثنين 26 ديسمبر 2016م الموافق 26 ربيع الاول 1438هـ
صحيح من المستحيل أن ينفرد تيار بالسلطة وسيكون مصير تيار كهذا إما السقوط المدوي في النهاية أو يأخذ البلد إلى الهاوية مهما أخذ من الوقت لذلك علينا محاربة أفكار الهيمنة والتسلط تحت أي عنوان ديني أو سياسي أو أياً كان ورحم الله الشيخ الجمري
رحم الله شيخنا الجمري المجاهد رحل عن هذه الدنيا الدنيه وارتاح من همها وغمها .. احسنت اخي الاستاذ
لقد ابدعت وانصفت فى هدا المقال استاذ رضي السماك المؤقر شكرا لكم. المرحوم سماحة الشيخ عبدالامير الجمري رحمه الله وفى فسيح جنانه قامه كبيرة من قامات جزر البحارنه