يبدو لافتاً في الأسابيع القليلة الماضية تصاعد الدعوة إلى مشروع مصالحة في خطاب عالم الدين السيدعبدالله الغريفي، الذي ما فتئ يطرح مقترحات واقعية قد تنقل البلاد -في حال الأخذ بها- إلى الضفة الصحيحة، يبرز الغريفي كشخصية هي الأبرز والأقدر على ممارسة دور إيجابي ما في إنهاء حالة الاحتقان المذهبي، والدفع بمصالحة وطنية وإنهاء تداعيات أزمة 2011 التي توشك إفرازاتها الأمنية أن تختفي ميدانياً، لكنها على الصعيد الحقوقي والاجتماعي والاقتصادي تتضخم ككرة الثلج بمضي الشهور والأعوام مخلفةً نتائج وخيمة على مستوى الداخل، لا يمكن التكهن بشرورها المستقبلية على البلد، لاسيما وأننا جزء من وضع إقليمي مضطرب تعمّه الفوضى السياسية وتحيط به التحديات والأزمات الأمنية الصعبة.
وتتصاعد قيمة خطاب السيدالغريفي استناداً لثلاثة عوامل أساسية: أولها حاجة البلاد الماسة إلى خطاب وطني جديد ومعتدل يحظى بالقبول والاحترام والالتفاف الشعبي، وثانياً: لمكانته الدينية والاجتماعية وتاريخه الوطني، وثالثاً أخيراً: حالة الفراغ السياسي والديني الذي يتسم بها المشهد الحالي.
في غضون ذلك لم يتوقف السيدالغريفي عن إرسال الرسائل الصريحة إلى السلطة بشأن الرغبة والقدرة والاستعداد لاستئناف حوار وطني قد يُنهي الأزمة السياسية والأمنية الخانقة في البلاد ويعالج الملفات العالقة تمهيداً لمصالحة تاريخية تعيد للبلاد عافيتها وسلامها الدائم.
وبات من شبه المؤكد أن تصدّي السيد الغريفي لهذا الدور لم يأت إلا بتفويض وتأييد الشخصيات الوازنة بجمعية الوفاق التي جمّدت نشاطها على الأرض بعد قرار الحل، وهذا ما يُفسر غياب قيادات التيار الوفاقي من ممارسة أي دور سياسي حالياً أو الإدلاء بأي تصريحات لوسائل الإعلام المحلية والدولية إلا في حالات محدودة.
فيما يتعلق بملامح خطاب المرحلة، يؤكد الغريفي على ضرورة تجاوز الشعارات والارتفاع بها إلى مستوى المشروع. يقول في كلمة له: «لا نريد لخطاب المحبة، والتسامح أن يكون خطاباً استهلاكياً، أو مجرد آمالٍ، وأمنياتٍ، وطموحات. مطلوب أن يتحول هذا الخطاب مشروعاً حقيقياً».
ويؤكد «يجب أن يمارس الصادقون المخلصون من حملة هذا الخطاب، علماء دينٍ كانوا، أو رجال سياسةٍ، أو أصحاب أقلام وإعلامٍ، أو مواقع حقوقيةٍ، وتربويةٍ، واجتماعيةٍ، واقتصادية أن يمارس هؤلاء أدوارهم في إنتاج «ثقافة المحبة، والتسامح، فحينما يكون هناك «توحد سني» في مقابل «توحد شيعي»، أو يكون العكس. وحينما يكون «توحد سياسي» محارباً لـ «توحد سياسي آخر»، هذا أمر يشكل خطراً كبيراً على الأوطان، وعلى وحدتها، وعلى أمنها، وعلى مصالحها. (15 ديسمبر/ كانون الأول 2016)
وهو دائم التحذير من مغبة الانزلاق في مستنقع العبث بالأمن وتوفير الأسباب المهيّجة للشارع، وهذا ما اتضح في دعوته قبيل موسم عاشوراء الماضي إلى عدم مذهبة موسم عاشوراء، ونقل حالة التوتر الأمني إلى هذا الموسم، وقال: «المسألة في حاجة إلى رؤية رشيدة بصيرة جداً، وقرار يملك درجةً عالية من الحكمة، ولا يجوز أنْ تبقى المسألة خاضعة لمزاجات الشارع، وانفعالاته». (من حديث له 29 سبتمبر/ أيلول 2016)
ويعتقد الغريفي «إن الإصلاح هو خيار الأوطان، وإنه لا يوجد وطن يرضى بالاستبداد، فالإصلاح ضرورة لابد منها، وهو خيار الأوطان، وإرادة الشعوب، وشعار الأنظمة الصالحة... هناك معوقات أمام تحقيق الإصلاح، ونحن بحاجة إلى إزالتها والتوافق على خرائط طريق لتحقيق الإصلاح الذي يحفظ الوطن». (من حديث له في 22 سبتمبر/ أيلول2016).
ولد السيدالغريفي العام 1944 في حي النعيم، وقرأ مقدمات الفقه واللغة العربية على السيدعلوي الغريفي، ثم هاجر إلى النجف الأشرف عام 1965 لطلب العلم، والتحق بكلية الفقه وتخرج منها عام 1970، وحضر بحوث الخارج في الفقه والأصول على السيدمحمد باقر الصدر (اغتيل 1980) في سبعينات القرن الماضي لمدة 3 سنوات، ويعد من أبرز مقرري بحث أستاذه السيدالخوئي (ت 1992) في الأصول.
رجع إلى البحرين العام 1970 للتدريس بالمدارس الرسمية مع زميله الشيخ عيسى أحمد قاسم (77 عاماً)، فدرّس بمدرسة الخميس، ثم عاد إلى النجف وتزيّا بزي علماء الدين عام 1971، وبنصيحة من أستاذه السيدالصدر رجع إلى البلاد للمشاركة في نشاطات البرلمان البحريني وترشح فعلا للمجلس الوطني وحصل على 275 صوتا بفارق ضئيل يفصله عن المترشح الفائز بـ 288 صوتا. وفي عام 1974 هاجر إلى مدينة قم المقدسة وقضى شطراً من حياته في التحصيل والتدريس، ثم هاجر إلى دولة الإمارات العربية وأقام في أبوظبي، قبل أن يتم اختياره نائباً لرئيس الأوقاف الجعفرية في دبي.
وفي 1988 أُبعد عن البحرين، واتجه إلى سورية واستقرّ بالعاصمة دمشق التي زاول فيها العمل الاجتماعي والثقافي، وانشغل بالتأليف والتدريس ونهض بدور اجتماعي فاعل. عاد الغريفي إلى مسقط رأسه البحرين بعد طرح ميثاق العمل الوطني في العام 2001 وأخذ يمارس دوره الديني والاجتماعي في المجتمع، وله موقع الكتروني نشط على شبكة الانترنت زاره حتى كتابة هذه السطور: (1570187) مليون وخمسمئة وسبعون ألف ومئة وسبعة وثمانون متصفحا.
إلى ذلك، يكتسب خطاب الغريفي أهمية مضاعفة والبلد يمرّ بتحديات عصيبة أحوج ما تكون فيها إلى وحدة الكلمة وسلامة الجبهة الداخلية، والحرص على الأمن الاجتماعي والتشبث بالوحدة الوطنية، وعملياً، تأجيل طرح الملفات السياسية الساخنة والحرجة التي كانت سبباً مباشراً في اشتعال الأزمة وانزلاق الحركة المطلبية في مستنقعات التطرف السياسي الذي أدّى إلى نتائج كارثية ليس فقط على صعيد العلاقة بين القوى السياسية الفاعلة في المعارضة، بل على نسيج الوحدة الوطنية، والمآلات التي انتهى إليها المشهد السياسي في الداخل بعد حلّ جمعية الوفاق الوطني الإسلامية (17 يوليو/ تموز2016) واعتقال أمينها العام الشيخ علي سلمان في 28 ديسمبر/ كانون الأول2014، وإغلاق جمعية التوعية الإسلامية، وبروز قضية إسقاط جنسية الشيخ عيسى قاسم (20 يونيو/ حزيران 2016) القضية التي طغت على كل القضايا بما يملكه الرجل من مكانة وثقل شعبي ووطني وإقليمي.
نتطلع إلى طي تلك الصفحة المؤلمة التي عشناها خلال السنوات الست الماضية، ونسأل الله أن يعم خطاب المصالحة ومنطق العقل والخير والسلام بلادنا، وأن يسود الوفاق الوطني والمجتمعي وتعود البحرين كما كانت لؤلؤة عربية ودرّة التاج الخليجي.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 5225 - الإثنين 26 ديسمبر 2016م الموافق 26 ربيع الاول 1438هـ
هذا الكلام ياسيدنا ستجرفه رياح التجبر والاستعلاء والقمع ليذهب بعيدا من دون اي جدوة فكل خطبه من خطبك دعوت بها للحوار فهل يوجد احد من الطرف الآخر استجاب لدعواتك ؟!
كسر الحاجز بلقاء شيوخ الدين وبالذات المشتغلين في السياسة
أي خطاب يحمل مطالب الشعب وهمومه فهو خطاب غير مرحّب به لدى الطرف الآخر مهما كان مهذّبا
شكرا لك استاذ وسام ..
وأخيرا انبرى احد الصحفيين المتميزين ليتناول خطاب من خطب رموز الوطنية الخيرة ... لا كما يفعل بعض الكتاب الطائفيين الذين يكتبون كل يوم عن خطب خطباء السوء والفتنة..!
شكرا لحسن الظن ياصديقي..سررت بكلماتك
والله تعبنا وحنه ندور وظيفه محنه محصلين والقهر حتى ٢٧٠ بعد محنه محصلين
أهم من الخطابات التقاء شيوخ الدين ببعضهم البعض وإزالة أي احتقان طائفي
ولكن اسمحوا لنا بعدها كله يتبادر في الذهن سؤال ، هل يستجيب الطرف المقابل هذا الطرح ؟ لو ان هذا الغرس في ارض سبخة ؟؟ وهل هذه اول وآخر مبادرة طرحت ماذا كان الرد ؟؟
وهناك الكثير من الآراء مثلما طرح الدكتور علي فخرو للمصالحة وو ....
هذا مجرد تسأل واختلاف الرأي لا يفسد في الود .... .
صحيح وأنا أسأل نفس الأسئلة
يا أخ وسام هناك كثير من المتمصلحين لايريدون سماع اي كلمة حق يردبها باطل
اشاطرك الرأي جزئيا فيما تقول.. وعلى العقلاء ان يفكروا ببدائل لقطع الطريق امام المستنفعين مع استمرار الازمة