رغم رحيل من سكنوا هذا الحي من البلدة القديمة بمنطقة العلا السعودية إلى بيوت أكثر حداثة، فإن الطين -مادة هذه الأرض- بقي متماسكا ومستودعا لذاكرة بلدة صمدت لأكثر من سبعة قرون، كما توثق طريقة البناء فيها حكاية الإنسان وعلاقته بالمكان، حسبما قالت قناة "الجزيرة".
وبين أحضان الجبال غفت أطلال البلدة القديمة في العلا (شمال غربي السعودية) على إرث من التاريخ، ببيوتها الطينية وقلعتها الحصينة التي يعود عمرها إلى القرن السادس قبل الميلاد عندما انسابت إليها الحياة كمياه العيون والنخيل التي تكثر فيها.
وقال حامد الشويكان من الجمعية السعودية للمحافظة على التراث بالعلا، إن وفرة المياه والموقع الحصين للمدينة جعل عددا من القبائل تسكنها مثل بني عذرة، كما أنتجت العديد من الشعراء ومنهم الشاعر جميل بن معمر (جميل بثينة).
وأشار الشويكان إلى أن قلعة موسى بن نصير يعتقد أنها تعود للقائد الإسلامي أثناء عودته من الأندلس حيث توفي ودفن في العلا.
وفضلا عن قلعتها الحصينة وأبوابها الأربعة عشر، تقول بعض المصادر التاريخية إن بها مسجدا صلى فيه الرسول عليه الصلاة والسلام وهو في طريقه إلى غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، وحدد قبلته بالعظام فسمي بمسجد العظام.
وتوثق طريقة البناء في العلا حكاية الإنسان وعلاقته بالمكان منذ أن اتخذ من الجبال بيوتا، وحتى استخدامه الطين مقاوما للظروف المناخية في البناء، مرورا بابتكاره أساليب ذكية في الزراعة والري، حيث ضمت أكثر من ثمانين عينا أهمها عين تدعل التي ذكرت في كتب ما قبل التاريخ.
وعلى رغم رحيل من سكنوا هذا الحي إلى بيوت أكثر حداثة فإن الطين -مادة هذه الأرض- بقي متماسكا ومستودعا لذاكرة بلدة صمدت لأكثر من سبعة قرون، ويقول مرزوق البلوي -أحد أهالي مدينة العلا- إن من مزايا الطين أنه يحافظ على البرودة ويحافظ على الدفء، كما أنه يخلط أحيانا بالحجر وأحيانا يحمى بالنار، وذلك سر تحمله للظروف المختلفة.
ومنذ سبعين عاما توقفت الحياة في البلدة، لكن أهاليها تقدموا بمبادرات رسمية وأهلية لترميم مساكن أجدادهم وإعادة الحياة إليها باعتبارها مرجعا حضاريا لإرث المدينة وتاريخها العتيق.