في الحياة مجموعة محطات، بعضها يتعثّر لديه القلب فيصير أوهن وأكثر ضعفاً. بعضها الآخر يحمل إلى القلوب شعلةً من النور والحب والسعادة لا يخفت عبيرها مدى العمر.
حين نقف عند محطات الحياة بشيء من الذاكرة الزاخرة بالمحبة، نجد أننا على مواعيد مع وجوه كثيرة، مع أرواح استطاعت أن تحفر لها مكاناً وتنحت لحضورها نصباً فولاذياً لا تتبدّد ملامحه مهما مر عليه الزمن، ومهما قست الظروف من حوله.
محطات كثيرة يتواصل خلالها كلٌّ منا مع آخرين. والتواصل كما يقول «أوشو» في كتاب «أسرار الحياة» هو: اكتشاف حقيقة الآخرين. هو تخطّي الحدود التي رسمها الآخرون حولهم، وهذا يعني أنه مطلوب منك السماح للآخرين بالتعرف إلى حقيقتك، وتجاوز الحدود التي رسمتها من حولك. التواصل هو طريق السير باتجاهين وليس باتجاه واحد... ولا شك أنك ستسمح للآخرين بالتعرف إلى حقيقتك حين تكون تحوي كنوزاً في داخلك. حين لا تكون خائفاً من الانكشاف أمامهم، حين تكون مستعداً لاستضافتهم في داخلك. وحين تكون مستعداً لمشاركته الرقص تحت أشعة الشمس أو القمر أو حتى المطر.
هكذا فإن التواصل البنّاء لا يكتمل إلا بالانكشاف الحقيقي للآخرين، واكتشاف الكنوز الماثلة بدواخلهم. وما أجمل أن تعرف أحدهم كما هو، من غير رتوش أو هالة كاذبة تصوّره كاملاً حتى تصدم حين تغيب هذه الهالة وينكشف القناع.
في الحياة محطات كثيرة وتواصل متشعب مع كثير من البشر. بعض هذا التواصل يبقى مجرد محطة مؤقتة، وبعضه يبقى. ما ينتهي، ينتهي بانتهاء الحدث وانتهاء اللحظة أو سقوط القناع. أما التواصل الباقي فهو ذلك الذي يبقى ما بقي الحب، ما بقي التفاهم، ما بقيت المودة. يبقى لأن من نتواصل معهم أصبحوا قطعةً من القلب إن لم يكونوا نبضه، وصاروا عنواناً للسعادة ومعنى لوجودنا.
وفي محطات أخرى، يسقط بعض البشر من الذاكرة كما يسقط الهم عن الكتف. يذهبون لحال سبيلهم ويتركوننا ننعم بالبعد عنهم لسبب ما. بعضهم يغيب فتغيب معه ابتسامتنا التي ربطناها بهم. وأبسط الغياب هو ذاك الذي يحدث لأننا أردناه كما أرادوه.
الأهم بين كل ذلك أن لا نسقط نحن من زمننا، أن لا نذوي كلما غاب عنا أحد، أو كلما ابتعد عنا من ظنناه يوماً أقرب إلينا من حبل الوريد. أن لا نعيش في زمن غير زماننا بحبسنا داخل ذاكرة هشة لا نخرج منها حتى بعد أن رحل كل أبطالها من أشخاص وأشياء وبطوات. إذ لا أصعب من أن تسقط في ذاكرتك سجيناً، فتسقط من وقتك ومن حياتك ولفيف الجمع من حولك. يقول إميل سيوران: «الآخرون يسقطون في الزمن، أما أنا فقد سقطت من الزمن».
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 5224 - الأحد 25 ديسمبر 2016م الموافق 25 ربيع الاول 1438هـ