العدد 36 - الجمعة 11 أكتوبر 2002م الموافق 04 شعبان 1423هـ

تعدد الأعراق هل يلغي الهوية البحرينية؟

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

تابعنا باهتمام بالغ تطور المجتمع البحريني وظاهرة تزايد عدد السكان وتنوع أعراقه، هذه الظاهرة ربما تغير التركيبة السكانية الحالية أو تغير وجه البحرين الحضاري. في الحقيقة ان مستقبل الهوية البحرينية كمستقبل الهوية العربية في بلدان دول الخليج العربية سيتغير حتما بتغير التركيبة الديمغرافية في ظل عالم تسوده مؤثرات العولمة الثقافية، فتلك المؤثرات تؤسس لنمط جديد من الحياة الثقافية بين سكان هذه المنطقة من العالم ومن بينها البحرين.

ليس هناك مجال للشك ان المرحومين الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل آل سعود زرعا الشعور الوطني والقومي لدى الانسان العربي والمسلم العربي والتحرر والاستقلالية لدى الفرد العربي، كذلك فعلت الاحزاب القومية والاسلامية التي قادت نضال الامتين العربية والاسلامية ضد الاستعمار والاحتلال الاجنبي للبلدان العربية والاسلامية، في حقبة من الزمن عاصرتها الامتان العربية والاسلامية بظروف تختلف تماما عن ظروف عصرنا الحالي، هذا الزمن هو عصر التفوق السريع والمذهل للتكنولوجيا والتدفق الكوني للانظمة المعلوماتية واختراق الحواجز والحدود. لذلك اعتبرها بعض المفكرين من العالم الثالث والعرب الثائرين على ظلم العولمة، والمتأثرين بأدبيات الثورة والخطاب القومي والأممي، حقبة الاستعمار الجديد المتمثل في العولمة باشكالها كافة. ليس هذا فحسب بل انهم يدعون الى مقاومة الاستعمار الجديد أو ما يعرف بالنظام العالمي الجديد تحت قيادة أميركا بشتى الصور. ولا يخفى على أحد ان انتشار المجاعة والفقر والبطالة في العالم، هي مشكلات يعاني منها العالم الثالث نتيجة للممارسات الخاطئة والظالمة للنظام العولمي الجديد الذي تقوده أميركا.

من الطبيعي ان تحدث العولمة بعدا جديدا في فضاء السيطرة الاقتصادية على السوق وعلى الهوية الوطنية لكل امة بما فيها الامة البحرينية والعربية، كما ان تغيير البنية التحتية والسكانية في مملكة البحرين بالذات، أحد اهم اسبابها تمسك البحرين بثوابت تحرير التجارة العالمية وفتح الاسواق، وبعد ان وجدت البلدان الصناعية الكبرى ضآلتها في توظيف رؤوس أموالها في البلدان النامية التي تملك كثافة سكانية هائلة، بتشغيل مخزون تلك البلدان من القوى العاملة الرخيصة لمصلحتها، حتى تستطيع كل منها التفوق على منافستها في السوق الحرة. إلا ان الوضع يختلف تماما في البحرين وبعض بلدان الخليج عن تلك البلدان، لأنها شرعت في استيراد اعداد هائلة من العمال للعمل في المصانع خصوصا مصانع الألبسة الملتزمة بنظام الكوتية من دون حسيب او رقيب.

هذه الاعداد الهائلة من العمال المستوردين سيكون لها شأن كبير في احداث ازمة اقتصادية واجتماعية خانقة، لا يمكن التنبوء بنتائجها إذا لم تتدارك السلطات المعنية خطر استفحالها. البلدان الصناعية الكبرى قامت بتوظيف رؤوس اموالها واستثماراتها في بلدان جنوب شرق آسيا، وافريقيا، وأميركا اللاتينية بما في ذلك البلدان العربية الفقيرة، للاستفادة ومن الكثافة السكانية لديها وللتغلب على مشكلة البطالة، إلا ان الحال في البحرين تسبب من بين امور اخرى مضاعفة مشكلة البطالة.

إذا العامل الرئيسي لظهور العولمة كان اقتصاديا بحتا، بهدف السيطرة على السوق العالمي والتنافس حسب مرجعيات منظمة التجارة العالمية، وتطورت هذه اللعبة العالمية بشكل ملحوظ بعد ان شاركت في نموها دول نامية كثيرة من جنوب شرق آسيا واميركا اللاتينية، بالاضافة الى اليابان، التي استطاعت شراء اكبر الشركات العالمية المندمجة (الكارتيل) في اوروبا واميركا خصوصا في مجال صناعة السيارات والنفط والعقارات. والأمر نفسه ينطبق على المنافسة الاميركية الاوروبية، وكلنا نعلم قدرة المصارف الالمانية، على دمج المؤسسات المصرفية الكبرى في اوروبا وأميركا، كذلك الحال بالنسبة لصناعة النفط والطيران ووسائل الاعلام.

الواقع ان لكل بلد بعده الاقتصادي والثقافي وخصوصياته الوطنية، فنحن في البحرين كبقية دول الخليج الأخرى، لا ننكر ترويجنا للبحرين كجنة للمستثمرين، وترحيبنا برؤوس الاموال والمستثمرين الاجانب. والنتيجة ان اكثر المستثمرين في المشروعات الكبرى التي تساهم بفعالية في تنمية اقتصادياتنا الوطنية، هي الشركات الآسيوية الكبرى، كذلك الحال في دول الإنتاح الاقتصادي المعروفة الاخرى كسنغافورة وهونج كونغ وماليزيا والهند وكوريا وإندونيسيا لأن الغرض معروف وهو ايجاد فرص عمل جديدة. فهل العولمة الاقتصادية في هذه الحال تهيمن على اقتصاديات هذه الدول على رغم الدور الاساسي في هذه العملية لا تلعبه اميركا كما يقال؟ الواقع ان البلدان المنفتحة اقتصاديا عملت على تحديث قوانينها الوطنية، وقامت بتطوير انظمتها المحلية وتدريب كوادرها الوطنية ومواردها البشرية لتكون مؤهلة للمنافسة على استقطاب المستثمرين العالميين كما فعلت البحرين. دول كبيرة كمصر والصين، تبنت هذا الاتجاه لتحقيق مساحة من النمو الاقتصادي لتحقيق تطلعاتها السياسية بلعب دور اكبر في السياسة الدولية، وبذلك تكون قد فهمت اللعبة الدولية وملأت الفراغ في قصور اقتصادياتها وسياساتها العالمية، هذا بالطبع يؤهلها إلى تقديم الحجج لإقناع أصحاب القرار بأهليتها للانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وبذلك تكون جزءا من النظام التجاري العالمي الجديد، الذي يؤمن بحرية التجارة وفتح الأسواق. ولحسن الحظ ان البحرين وعت ذلك الدرس وكانت من أوائل جميع الدول باختلاف انظمتها السياسية.

تغيير الاعراق

الجدل الدائر بين الاوساط الثقافية والمفكرين البحرينيين هو: هل التغير في الاعراق يشكل خطرا على التركيبة السكانية البحرينية، حتى ولو كانت تلك الاعراق تشارك بشكل فعّال في تنمية وتنشيط الاقتصاد البحريني؟ الجواب نعم، إن الهوية والثقافة البحرينية والتقاليد والمثل والقيم والموروث الشعبي البحريني في خطر، بسبب تأثره بالموروث الشعبي للأعراق الأخرى من ناحية، وبسبب استفراد وسائل الاعلام الغربية بالذات بالشارع البحريني والخليجي من ناحية أخرى، مما تؤثر على الشباب البحريني المنبهر بالقيم الحضارية والمفاهيم الاجتماعية الغربية، والامر نفسه ينطبق على المفاهيم السائدة بين الاعراق الاخرى التي تسكن البحرين، إذا ما هو الحل؟ معظم المفكرين متفقون على ان الحل يكمن في انصهار الاعراق الاخرى في المجتمع البحريني ويجب بهذا الصدد تغيير مناهج التعليم البحرينية في ذلك الاتجاه.

إن القصور يكمن في وسائل الاعلام البحرينية والخليجية والعربية، خصوصا القنوات الفضائية العربية، وغالبية الجمهور العربي يعتقد ان القنوات الفضائية العربية موجودة بشكل مكثف في الفضاء الخارجي لخدمة أغراض واتجاهات معينة وليس لخدمة الفرد العربي، والدليل على ذلك ان قنوات اجنبية مثل: سي ان ان، و بي بي سي وغيرهما، تخدم الاغراض الغربية بل انها بسب شفافيتها تؤثر على المشاهد العربي. المشاهد العربي يعتقد ان الخلل يكمن في المادة الاعلامية التي تقدمها القنوات العربية، ويطالب بوضع استراتيجية إعلامية عربية موحدة، تهدف الى خدمة العقل العربي وتنمية وتطوير قدراته، وليس لتخديره، لمواكبة عصر المعلوماتية الحالي الذي يغزو العالم الآن.

الواقع ان طمس المجتمع المتعدد الاعراق للهوية الوطنية لم ينجح في بلد كسنغافورة، بسبب سيطرة الحكومة الوطنية على الوضع عن طريق اصدار قوانين رادعة تحافظ على الهوية الوطنية للسنغافوريين على رغم تعدد اعراق مجتمعهم. وبذلك استطاعت المحافظة على الموروث الشعبي السنغافوري والهوية الوطنية والتنوع الثقافي للسكان على اختلاف أعراقهم، وتنمية الشعور الوطني والوطنية والانتماء للوطن اهم عامل للحصول على الجنسية في اوروبا، وهذا ما دفع بلدانا كبرى كألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا واسبانيا، للإشتراط على المقيمين في أراضيها، الاندماج في مجتمعاتها والتمسك بوطنيتها، وولاء المقيمين للوطن شرط أساسي للحصول على الجنسية، أي بمعنى آخر نسيان هويتهم القومية والتخلي عن ثقافتهم وموروثهم الشعبي. والسؤال: هل نستطيع نحن في البحرين الحفاظ على هويتنا البحرينية، حتى تستطيع اجيالنا توارث ثقافتنا وتقاليدنا وموروثنا الشعبي؟سؤال يحتاج إلى إجابة

العدد 36 - الجمعة 11 أكتوبر 2002م الموافق 04 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً