العدد 5223 - السبت 24 ديسمبر 2016م الموافق 24 ربيع الاول 1438هـ

فرحات: أزمات الأمة العربية تحتاج لحرب شاملة ومباشرة حتى تحل

مازلنا نعيش ترددات 2011 ومقبلون على وضع أفضل لكننا سندفع ثمناً كبيراً له...

فرحات متحدثاً إلى «الوسط» - تصوير عقيل الفردان
فرحات متحدثاً إلى «الوسط» - تصوير عقيل الفردان

قال الأستاذ المشارك في علم الاجتماع في فلسطين محمد نعيم فرحات إن «القراءة الموضوعية للمنطقة العربية تقول إن الحرب المباشرة الشاملة باتت ضرورة لحل الملفات».

وأضاف في حوار مع «الوسط»، أن «الآن لا توجد مساعٍ لحلول دون مستوى الحرب، المنطقة فيها عدة معارك، طبيعة الملفات القائمة لا تستبعد فرصة الحرب، كأنما الحرب تتشكل كضرورة للوصول إلى نهايات لما نعيشه اليوم».

وتابع «اللحظة المفصلية التي يقف عليها العرب حالياً ستكون أكثر وضوحاً خلال المرحلة المقبلة، وهنا ستلعب القوى الوازنة دورها في تحديد الخيارات والمسارات المقبلة، داخل الدراما التي عشناها في العام ، حيث سوف يولد أو يتشكل وضع جديد لإمكانية إيجابية وإن كانت بأثمان كبيرة، وعلى المعنيين في أوطاننا العربية أن يكونوا مستعدين لأن يدفعوها».

ووصف فرحات ما تعيشه اليوم الأمة العربية، بأنه «أعلى أزمة مركبة يمكن أن نتحدث عنها على مدار الألف عام الأخيرة، أزمة قيم ورؤى، وأزمة مشاريع وتباينات وخلافات، وأزمة غياب أي فاعلية قيادية في مواجهة أي مستوى من التحديات، وهي أزمة فشل بالمعنى الكبير للكلمة».

وتابع «نحن مازلنا فيما أرى نعيش ترددات متعددة المستويات لما جرى في العام 2011، لكل حالة في بلداننا العربية، في بعض البلدان جرى استنهاض القوى من انحرافات عميقة، في بلدان أخرى مازلت المواجهة متواصلة وهي تتعدى حقوق الإنسان إلى مستويات ملتبسة في أرق الأوصاف».

وفيما يأتي نص الحديث معه:

لنبدأ أولاً، بتشخيصك للواقع العربي والإسلامي اليوم، بعد كل التشظيات التي أصابته. كيف ترى هذا الواقع بلا رتوش؟

- ما نعيشه اليوم هو أعلى أزمة مركبة يمكن أن نتحدث عنها على مدار الألف عام الأخيرة، أزمة قيم ورؤى، وأزمة مشاريع وتباينات وخلافات، وأزمة غياب أي فاعلية قيادية في مواجهة أي مستوى من التحديات، وهي أزمة فشل بالمعنى الكبير للكلمة.

اليوم نحن نقف على مفترق طرق هو الأكثر خطورة في تاريخنا المعاصر على الأقل، وهي أزمة لها أصل وفصل، ولها أخت وأبنت، ونحتاج لقراءتها لقراءة السياسيات، لدينا وضع مركب ومركز وجودي خطر.

كل كلامك لا ينبئ عن تفاؤل لا قريب المدى ولا بعيد، برأيك ما العوامل الداخلية والخارجية التي أفرزت هذا الواقع؟

- العامل الأهم في هذا الموضوع هو دور النخب الحاكمة، الحكومات وسياساتها، والعامل الثاني هو عامل يرتبط بمجتمعاتنا المحلية بسبب غياب اليقظة لدى الأمة في حماية قضاياها، ما يؤدي إلى خلق أزمة داخلية عميقة فيها، أزمة يشارك فيها الخاصة والعامة، لذلك يجب إنزال الشعب من طاولة المقدس إلى طاولة النقاش، وهناك العوامل الخارجية حيث لدى الغرب سوء فهم مقدس تجاه قضايانا.

تتحدث دائماً في كتابتك عن أن الغرب يملك سوء فهم مقدس موروث تجاه العرب والمسلمين. ولكن ألا يمكننا أن نغير هذا الفهم السيئ عنا؟

- من الصعب أن يتغير الآن، ولكن يمكن أن يتغير في يوم من الأيام، ولكن مادامت القوى الحاكمة في المنطقة، فمن الصعب تغيير هذا الفهم عنا، لا يوجد طرف أو أمة في العالم بنت تصورات في العالم الإسلامي على هذا الموروث، إلا الغرب لأن مرده نفسي وسياسي.

لا يمكن نفهم وجود إسرائيل بمعزل عن هذا الفهم المقدس الغربي لنا، إضافة إلى طبيعة المتغيرات الحاصلة في العالم، وضعف قدرة التكيف الإيجابي العربي مع هذه المتغيرات، عندما ترى إسهامنا في صفوف التقدم التقني في العالم، عندما ترى الموازنات التي يتم صرفها في غير مكانها، عندما ترى كيفية إدارتنا للملفات والقضايا، والذهاب إلى الطريق إلى الأكثر صعوبة، تعرف أننا لا نسير في طريق تغيير سوء الفهم الذي أخذه الغرب عنا، ولا يبدو أننا راغبون بذلك أصلاً.

لكن، أليس ما جرى في «الربيع العربي»، كان محاولة إنقاذ لهذه الأمة من الصور النمطية التي أخذت عنا، لتحرير الإرادة العربية؟

- العرب يحبون إطلاق التسميات على الأمور حتى لو كانت على عكسها تماماً في الحقيقة، واقع المجتمعات العربية يتضمن رواسب أزمات متعددة، وكان هذا الأمر يتطلب فاعلين اجتماعيين يدعون إلى خلق توازنات تؤدي إلى مواجهة أفضل للتحديات، لا يمكن أن نقول من جانب آخر أن ما جرى في تلك الأحداث هو مؤامرة، هناك قضايا مختلفة يجب أن نميز فيها بين فعل شعبي برئ، وبين عمليات التوظيف الخبيثة التي تمت لهذا الفعل، تلك العمليات الخبيثة شاركت فيها أطراف عديدة، أساسها الغرب صاحب السوء المقدس وإسرائيل، والمحليين من أصحاب النوايا البائسة، وما نتج عنه كان حرف براءة الفعل الشعبي.

هل تعتقد أن ما جرى في «الربيع العربي»، وإن كنت لا تحبذ التسمية، قد انتهى، أم أننا مازلنا نعيش تداعيات تلك الأحداث وسنظل نعيش تبعاتها فترة طويلة؟

- نحن مازلنا فيما أرى نعيش ترددات متعددة المستويات لما جرى لكل حالة في بلداننا العربية، في بعض البلدان جرى استنهاض القوى من انحرافات عميقة، في بلدان أخرى مازلت المواجهة متواصلة وهي تتعدى حقوق الإنسان إلى مستويات ملتبسة في أرق الأوصاف، أعتقد أن أفضل وصف أراه إلى العام 2011، هو عام النوايا الملتبسة التي كشف بعضها، ومازال كثير منها خافياً.

هل هناك دروس يمكن للعرب أن يستلهموها فيما جرى في العام 2011؟ وهل هناك ثمة تفاؤل يمكن أن يخالج هذه الشعوب لتحقيق صحوات شعبية جديدة ناجحة مستقبلاً؟

- في قراءة الواقع السياسي، لا ينفع أن نتحدث بأننا متفائلين ومتشائمين، نحن أمام تاريخ، والتاريخ هو حصيلة لعمل البنى والسياقات، المستشرق الفرنسي جاك بيرك قال إن العرب غادروا التاريخ منذ ألف عام، نحن إذن نقف أمام حصيلة تمتد إلى 1000 عام مضت، ولا يمكن القول إن الوعي العربي مجرد من إمكانية استخلاص عبر ودروس.

من جهة أخرى، اللحظة المفصلية التي يقف عليها العرب حالياً ستكون أكثر وضوحاً خلال المرحلة المقبلة، وهنا ستلعب القوى الوازنة دورها في تحديد الخيارات والمسارات، داخل الدراما التي عشناها في العام 2011 سوف يولد أو يتشكل وضع جديد لإمكانية ايجابية وان كانت بأثمان كبيرة، وعلى المعنيين في أوطاننا العربية أن يكونوا مستعدين لأن يدفعوها.

تعتقد أن المنطقة يجب تخوض حرباً مباشرة وشاملة من أجل أن يتم حل ملفاتها العالقة. ماذا تقصد بذلك، ألا يكفي ما تعيشه المنطقة من حروب متعددة؟

- القراءة الموضوعية للمنطقة تقول إن الحرب المباشرة الشاملة باتت ضرورة لحل الملفات، كمثال يمكن النظر إليه، فالآن لا توجد مساعٍ لحلول دون مستوى الحرب، المنطقة فيها عدة معارك، طبيعة الملفات القائمة لا تستبعد فرصة الحرب، كأنما الحرب تتشكل كضرورة للوصول إلى نهايات لما نعيشه اليوم، ولو كانت المقاربات عقلانية لما وصلنا إلى اللحظة الراهنة.

هل نحن نعيش اليوم الحالة الأسوأ، هل تعتقد ذلك فعلاً؟

- الواقع الذي يعيشه أي مجتمع هو نتاج عمل منظومة استراتيجيات، هناك تصور عميق أنه إذا لم يكن انزلاق في منظومة موحدة، فإن البديل خطير.

هناك سياق يجب أن نسأله حول طبيعة المواقف التي يتخذها مختلف الأطراف، هناك تشوش في منظومة العواطف والأفكار، وهناك لا مبالاة واستقالة، عندك أوضاع درامية غير مسبوقة بحيث أصبح المشهد الدموي أو مشهد الانقسامات مشهداً يومياً اعتيادياً وهذا يشير إلى أن عنصر اللا مبالاة بات هو الأعلى، وذاك يشير إلى خراب عاطفي وروحي عميق في الوعي العربي.

نحن لدينا خلل في الوعي وفي الروح، وفي الإدراك العميق إزاء مختلف القضايا ، ومشاكل في التحقق من محيطنا، وأن تكون هناك بيئة مناسبة لإجراء هذا التحقق، دولنا لا تمتلك الوعي المناسب، فأنت تتلقى أركان الأزمة المعقدة، ولكننا غير قادرين على استيعابها حتى.

برأيك من هو المستفيد الأول مما تعيشه الأمة العربية الآن من احتراب ونزاعات طائفية وإقليمية؟

- المستفيد الأول مما نحن فيه هو البؤس، ولكن إسرائيل مستفيدة أيضاً، لأنها تعمل على نظرية 1 في المليون أن العرب يمكن أن ينهضوا يوماً ما، لذلك فهي تعمل كل ما يخطر ببالنا وما لا يخطر من أجل إبقائنا في كبوتنا ونزاعاتنا الداخلية، هناك تيار داخل الغرب يستفيد، ولكن مجتمعاتنا هي البائسة من حيث العواقب التي تترتب على سياسات المنطقة، في كل وضع هناك مفترسون كثر يستفيدون من ضعفنا.

هل تعتقد أن الإرادة العربية انتهت، وأنه لا يمكن أن تنهض هذه الإرادة يوماً ما؟

- الواقع يفترض تشكل وعي يتعامل مع طبيعة المرحلة، إنسانيتنا تفرض علينا أن يتشكل هذا الوعي، وإذا لم يحصل هذا التشكل، فيجب أن تسأل عن مواقع الخلل، عندما تتعرض الجماعات إلى مخاطر كبيرة دائماً تستخرج من وعيها أفضل ما فيها، أما إذا لم نتسخرج هذا الأفضل فهذا يعني أننا ذاهبون لمزيد من الخسائر، إذا لم يتشكل ذلك فلن يكون مستقبل لهذه الأمة.

هناك شيء يجب أن يتبدل في الكيمياء للطبقة الحاكمة، الكيمياء السابقة كانت سبباً لما نحن فيه، ولا يمكن أن نستخلص العبر والطرق بدون تبدل هذه الكيمياء لدى الطبقات الحاكمة.

هل نحن ذاهبون لوضع عربي أكثر سوءاً في المرحلة المقبلة؟

هناك مثل شائع يقول «أكثر من القرد ما سخط ربي»، بمعنى أنه لا يوجد وضع أسوأ مما نعيشه اليوم، ولكن الواقع التصحيحي لا يرتبط الأمر بعقود قادمة، نحن مقبلون على مواجهات بناءة، ووضع المعنيين وجهاً لوجه مع متطلبات التغيير، ليس هناك مجال لبقاء الأمور على ما هي عليه، من أجل الدفاع عن البقاء الأولي، الذي يتطلب التشكل من أجل الفعل، يأخذ الواقع بعين الاعتبار، والتكيف الخلاق، وإلا سوف نواجه مأساة أكبر.

الشعوب ليست صاحبة حقوق وعلى أحد ما أن يحققها لها ، بل عليها أن تضر بخصومها سواء أكانت فقراً أو فساداً، لا يوجد أحد يمكن أن يحقق للشعوب ما تريد دون أن تقوم هي بذلك، حتى السماء تقف مع كائن يقف مع نفسه.

أخيراً، ما هو المخرج برأيك مما نعيشه في هذا الواقع العربي الصعب؟

- لابد من إعادة بناء الوعي بصورة مناسبة وسليمة، وعي إرادة بناءة وخلاقة، يفهم آليات العمل في الحق العام بصورة إيجابية، من أجل الوصول إلى صيغة توازن تمثل رأس جسر لوضع يتراكم نستطيع من خلاله إيجاد الحلول الإيجابية لمنظومة القنوط واليأس، ومنظومة الرهانات التي تتعلق بأجيال، ممزوجة بعبقرية الفعل والزمن، أما الرهان على الآخر فلا شك أنه سيجعل أزماتنا تستمر إلى ما لا نهاية.

العدد 5223 - السبت 24 ديسمبر 2016م الموافق 24 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:15 ص

      مفكر لا يفكر

      طبعا بعض من يدعون انهم مفكرين، يحاولون ان يضرحوا افكار رديكالية غير مألوفة ومن بعدها يضعون الاسباب والمسببات. متناسين ان الواقع مختلف جدا عن ما يطرحونه. وهؤلاء المفكرن الغير متفكرين هم احد اسباب انهيار وتقسيم الوطن العربي منذ عقود.

    • زائر 2 | 4:23 ص

      انت اخي المثقف انت تدرك شنو صار من خراب ودمار حتى تبي تحارب جاليس تحت المكيف تبي تحارب بالملعقه والسوك و وجبة الجمبري .. الشعوب ملت من الدمار تريد امن و امان

    • زائر 1 | 2:09 ص

      حرب شامله؟اكثر من هل دم تبي

اقرأ ايضاً