العدد 36 - الجمعة 11 أكتوبر 2002م الموافق 04 شعبان 1423هـ

روسيا : من أكتوبر إلى أكتوبر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في أكتوبر /تشرين الأول 1917 قامت الثورة البلشفية في روسيا وقلبت موازين القوى السياسية في العالم.

وفي اكتوبر الجاري 2002 يقوم الكرملين بإجراء تعداد سكاني لدولة منهارة سياسيا بعد ورود أنباء عن وجود تناقض هائل في معدل الولادات. فروسيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي يتناقص عدد سكانها بينما سكان العالم في تزايد مستمر. حتى الدول التي تعيش على اقتصاد الكفاف تشهد نموا في ولاداتها وهو أمر يطرح السؤال عن الرابط بين اكتوبرالأول واكتوبر الثاني.

الرابط بين « الاكتوبرين» هو حظ روسيا العاثر مع حكومات اتصفت دائما بالعقلية الانقلابية. اكتوبر الأول شكل بداية انقلاب على دولة قيصرية نقلت الدولة من استبداد الفرد الى استبداد الحزب.

وأكتوبر الثاني كان بداية انقلاب على دولة شيوعية نقلت الدولة من استبداد «الأمين العام» أو «الرفيق الأول» إلى استبداد «المافيا».

وفي كل تلك المراحل الانقلابية كان الشعب هو الضحية. فالروس طوال القرن الماضي تحولوا الى حقل تجارب لنظريات عامة حاول دائما قادة الكرملين اعادة انتاجها وفق خصوصية التاريخ وانتهت تكرارا إلى نتائج كارثية دفع ثمنها الناس الأبرياء.

أفسحت العقلية الانقلابية في التجارب الروسية الطريق لصعود النخب وتسلقها عن طريق التسلل أو النفاق. واستخدمت النخبة السلطة دائما لتجربة نظرياتها السياسية في الناس.

وبما ان النخبة الروسية ليست متفقة موضوعيا على قراءة موحدة للواقع فقد انقسمت تاريخيا الى شرائح متخاصمة تحارب بعضها بعضا في الدولة والمجتمع.

حتى الحزب الحاكم الذي بدأ فترته الاولى تحت شعار النيابة عن الشعب لفترة مؤقتة تحول الى جهاز بيروقراطي مترهل يحكم الشعب بالقوة نيابة عنه ومن دون العودة إليه.

حتى الدولة التي كانت النظرية تقول انها اقوى ادوات السلطة البرجوازية وانها السلاح المنظم الذي تستخدمه الطبقة الحاكمة «المالكة» لقمع الطبقة المحكومة التي لا تملك شيئا... حتى هذه الدولة تحولت في التجربة الى دولة قامعة تملك كل الصلاحيات السياسية وتشرف على كل قطاعات الانتاج. فالدولة الاشتراكية تحولت الى دولة (اقطاعية) اقتطعها الحزب لمصلحته وبات الناس مجرد كتل تابعة إلى الأجهزة على انواعها من بوليسية الى انتاجية. تحول الناس في ظل استبداد الحزب وسيطرة الدولة الكلية الى كتل هلامية تعتمد على الهيئات البيروقراطية في كل شيء.

فالدولة تقوم بكل الوظائف بالنيابة عن الناس، والناس ما عليهم سوى القبول بالضمانات وفق تراتب الحاجات.

وبعد مرور اكثر من 70 سنة على هذه الحال رحلت الأجيال الأولى التي ضحت من أجل بناء دولة اشتراكية وجاءت الأجيال التي لا تعرف الكثير عن السياسة والاقتصاد باستثناء تلك النخبة الحاكمة في الدولة والحزب التي اختزلت الحياة السياسية واحتكرت العلاقات الخارجية.

وحين اعلن ميخائيل غورباتشوف (الأمين العام للحزب) عن مشروع المكاشفة والمصارحة لإصلاح الدولة، وانه يريد الانفتاح وتطوير التجربة وإعادة تجديدها في فترة 500 يوم ظهرت الامراض والأعراض، وتفككت الدولة والحزب، وانكشفت روسيا اقتصاديا على رغم انها القوة العسكرية الأولى في العالم.

استخدم غورباتشوف الاسلوب الفوقي (الستاليني) في إحداث التحول. فهو اتخذ القرار النظري انقلابيا وطبقّه عمليا على الناس بتأييد من الغرب الذي وجد في تلك السياسة مجرد حركة طفولية لا مستقبل لها. وهكذا تحول المجتمع مرة اخرى الى حقل تجريبي باسم «الحرية» و«الانفتاح».

فالمجتمع الذي عاش 70 سنة معتمدا على الدولة في تأمين قوته وتلبية حاجاته وضماناته ضاعت مجددا هويته عندما غابت الدولة متخلية عن مهماتها ووظائفها ومطالبة اياه ان يعتمد على نفسه. وكيف يعتمد المجتمع على نفسه وهو لم يتدرب بعد على أخذ مسئولياته (هيئات ومنظمات أهلية ومدنية) على عاتقه. وكان الانهيار الشامل ليس فقط على مستوى السياسة والاقتصاد، وانما على صعيد الولادات والتناقص السكاني.

من اكتوبر الى اكتوبر قامت دولة مستبدة واضمحلت لتأخذ دورها مافيات اقتصادية كانت هي نفسها قيادات الحزب.

من أكتوبر إلى أكتوبر، والنتيجة واحدة: «موت الإنسان الروسي،وتآكل المجتمع»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 36 - الجمعة 11 أكتوبر 2002م الموافق 04 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً