كنت على وشك دخول الحمّام ولم يكن يستر جسمي سوى الملابس الداخلية حينما اقتحم رجل غريب البيت واندفع نحوي بسرعة وحيّاني. تراجعت مسرعاً إلى الداخل والغضب يأخذ مني مأخذه وأنا مندهش لهذا التصرّف الفجّ غير المعقول. لكنني تصورت إنه ربما يكون في الأمر شيء خطأ أو ربما جرى التباس فيما حدث فكتمت غيضي. تحررت من الفانيلة وهممت بقفل الباب إلا أنني فوجئت بيد تدفعه بقوة وتمتد إلى الداخل دون استحياء وإذا بوجه الرجل يطل ثانية ويبتسم أمامي ويتحدث متودداً: كيف حالك أيها النسيب الجديد؟ فصرخت بأعلى صوتي: أيها المعتوه أخرج من هنا، أخرج بسرعة قبل أن ينالك مكروه. فانسحب الرجل وأوصدت الباب.
أخذت أتساءل من هو هذا الغريب المتطفل الذي اقتحم بيتنا فجأة وماذا يريد؟ لم يسبق لي أن صادفته أبداً في حياتي ولماذا يقدم على هذا العمل؟
ثم لماذا قال لي أهلاً بالنسيب الجديد على رغم أني لا أعرفه بتاتاً؟ لابد أن أنهي السباحة عاجلاً وأخرج لأتبين الأمر. فتحت الدوش وأخضعت جسدي لتيار الماء المنعش وأكملت الاستحمام في غضون دقائق وقبل أن أجفف جسمي سمعت طرقاً على الباب. إنهـا عمتي التي تقطن معنا منذ فترة طويلة.
- ماذا تريدين يا عمّة؟
- استعجل في الخروج فقد جاء شخص لخطبتي وهو موجود بالمجلس مع «الملا» الذي سيعقد القران.
لم أصدق أن تحدث الأمور بهذه السرعة، ولماذا لم يخبروني سلفاً بالموضوع، ثم إنني لست الوحيد الذي في البيت حتى يتم الاعتماد عليّ في هذا الشيء. ربمـا أرادو حضوري للضرورة وربما أرادوا موافقتي على الخطبة لكن كيف حدث كل هذا وبهذه السرعة؟ ارتديت السروال الداخلي والفوطة وفتحت النافذة لأستطلع الأمر. شاهدت الرجل مع الملا وبعض الأشخاص الغرباء وعدد من الأطفال المستبشرين وقبل أن أغلقها فوجئت به واقفاً قبالتي ومعه رجل الدّين والبقية.
- لقد جئت لأجل القرب منكم وطلب يد عمتكم. أنا سعيد جداً ويشرفني أن أقترن بهذه المرأة الكريمة الأصل. أعلم أنك شاعر مشهور ويسرني أن أكون من أنسابك ويسعدني أنا ومن معي أن ننتهز هذه الفرصة لكي نلتقط معك صورة تذكارية».
لم يعطوني الفرصة كي أجيب فتسللوا إلى الحمام عبر فتحة النافذة، العريس والأطفال والرجال والملا جميعهم دخلوا الحمام وسارعوا بالاصطفاف إلى جانبي وأنا متشح بالفوطة، مخضباً بالخجل والتقزز، وراحوا ينهالون عليّ بالصورة تلو الصورة وبالحركة تلو الحركة وأنا مقيّد بينهم غصباً عني، مندهش وغير مستوعب لما يحدث.
بعد ذلك أخذ كل واحد منهم يهنئ العريس ويباركون لي، ثم تفرقوا شيئاً فشيئاً.
ذهبت إلى عمتي وباركت لها ثم عاتبتها على عدم إخباري مسبقاً وعلى تصرف هؤلاء الأشخاص المشين. وسألتها عن تفسيرها لما حدث فراحت تختلق الأعذار والتبريرات وأحسست بأنها داخلياً غير معترضة على ذلك.
وفي صباح اليوم التالي فوجئت بنشر الصورة في الصحيفة وتحتها عنوان كبير: سبق صحافي، مقابلة مع الشاعر الجريء (...) في الحمام. وهناك مقال طويل به تفاصيل ومغالطات تخدش الحياء.
ثارت ثائرتي واستنكرت هذا الأسلوب الرخيص والطريقة غير المقبولة بتاتاً في التلصص على الناس وأسرارهم، وقررت أن أرفع قضية في المحكمة بدعوى التشهير بي وبأسرتي والمطالبة بمعاقبة الصحافي المستهتر علاوة على التعويض الأدبي والمادي.
عندما عرضت القضية على المحامي تعاطف معي كثيراً وأكد لي بأنني سأكسبها دون شك لكنها ستستغرق وقتاً طويلاً قد يصل إلى خمس سنوات.
كنت حينها في حالة من الغليان والهياج ضد الصحافي والصحيفة التي نشرت الصورة وفي أشدّ الحاجة إلى رد الاعتبار واسترداد ماء الوجه. لكن ما أخبرني به المحامي جعلني أعيش في دوامة إحباط شديد لأن الناس سينسون الموضوع بعد خمس سنوات، ولن يكون وقتها لرد الاعتبار أي معنى.
هراريه
للاسف ما ليها اي معنى هالقصه
خيالية