العدد 5222 - الجمعة 23 ديسمبر 2016م الموافق 23 ربيع الاول 1438هـ

بين سار وعالي: نموذج الاستيطان في الحقبة الإسلامية المتوسطة

المنامة- حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

منذ الخمسينيات وحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، تمت عمليات مسح آثارية في العديد من مناطق البحرين، والتي قامت بها كل من بعثات التنقيب الدنماركية والبريطانية، بالإضافة لعمل فردي قام به Larsen في نهاية السبعينيات. هذا، وقد جمع Larsen نتائج كل المسوحات الآثارية وضمنها في كتابه «Larsen 1983, appendix II». ما يلاحظ من نتائج تلك المسوحات، أنه عندما يتم رسم مواضع نتائج تلك المسوحات في مناطق معينة في البحرين، فإنها تعطينا نمط توزيع معيناً. ومن خلال ذلك، يمكننا أن نرجح وجود نمط معين للتوسع الاستيطاني في تلك المناطق.

في الحلقات السابقة تناولنا منطقتين، عالي وسار، وحددنا وجود قرية إسلامية مبكرة في كل منطقة. ففي عالي تم تحديد وجود قرية إسلامية مبكرة تقع في الشمال الغربي من عالي، وكان يمر بالقرب من موقع هذه القرية وادٍ كان يمتد شمالاً حتى موقع المدينة الدلمونية في سار. وفي هذا الموقع الأثري الأخير في سار حددنا قيام قرية إسلامية مبكرة أيضاً. بمعنى، أنه في قرابة القرن العاشر الميلادي، نشأت قريتان، تمثل كل قرية مركزاً استيطانياً يبدأ التوسع منه.

ومن خلال نتائج المسوحات الآثارية المختلفة، يلاحظ أنه، كلما ابتعدنا عن المركز الاستيطاني فإن اللقى الآثارية تكون أقل قدماً من سابقتها (انظر الخارطة المرفقة). مما يعطي مؤشرات على اتجاه توسع الاستيطان في هذه المناطق. كما أنه يشير إلى أن الحقبة الواقعة بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر الميلاديين هي فترة ذروة الاستيطان في البحرين في الحقب الإسلامية، وهذه هي النتيجة التي توصل لها Larsen في دراسته.

منطقتا سار والتل

مواقع الآثار الإسلامية في سار تغطي منطقة شاسعة، ومن خلال نتائج المسوحات الآثارية، يلاحظ أن الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر الميلاديين، توسع الاستيطان في سار بشكل كبير. ومن المرجح أن اسم سار ارتبط بهذه المنطقة منذ هذه الحقبة. في الواقع، أن هذه المنطقة جزئت لمناطق فرعية، وكل فرع أطلق عليه اسم. للأسف لا نمتلك دلائل كثيرة على هذا الترجيح، إلا أنه من المؤكد أنه، في القرن السادس عشر الميلادي اتسع الاستيطان في سار، والتي قسمت لأكثر من منطقة؛ حيث ورد في ديوان جعفر الخطي (توفي العام 1618م) اسم منطقتين، الأولى سار، حيث يسكن الغنوي صديق الشاعر الخطي وجامع ديوانه، بينما يسكن الشاعر نفسه في منطقة التل من سار (طبعة الانتشار العربي 2005م، ج1، ص 386).

حويص عالي

مثلما اتسع الاستيطان في سار، كذلك في عالي، بدأ التوسع في الانتشار من بعد القرن الحادي عشر الميلادي باتجاه الشمال، فبدأت تظهر مناطق استيطان جديدة أهمها حويص عالي والظهران. تعتبر منطقة حويص عالي من المناطق الزراعية المهمة، والغنية بالعيون الطبيعية ووفرة المياه، وهي تقع في منتصف الطريق بين القرية الإسلامية المبكرة في عالي والقرية الإسلامية في سار. والمرجح أن منطقة حويص عالي بدأ الاستيطان فيها في القرن الثالث عشر الميلادي بأقل تقدير؛ حيث ذكرت هذه المنطقة في نقش يعود للقرن الرابع عشر الميلادي.

فقد ورد ذكر «حويص عالي» في نقش قديم يرجع تاريخه للعام 1374م (776 هجرية)، وقد عرف هذا النقش باسم نقش «الوقفية»، وذلك لأنه تضمن مجموعة من أسماء النخيل التي يرجح أنها كانت تعتبر وقفاً لمسجد الخميس، كما يرجح أن هذا النقش يوثق ترميم مسجد الخميس والأوقاف التابعة له (Kalus 1990). هذا، ويتكون النقش من قطعتين، وما يعنينا هنا هي النقش المكتوب على القطعة الأولى ويتكون من أربعة أسطر هي كالتالي:

(1) بسم الله الرحمان الرحيم أمر بعمارة هذا المسجد المبارك الصاحب المعظم خواجه جمال الدين علي بن المرحوم منصور بن محمود كرد زيد تعظيمه قربة إلى

(2) الله تعالى ووقف على مصالحه جميع السرمر والملك المعروف بفوليان من البلد القديم مع نصف الملك المعروف بحمكان من حويص عالي على أن يلوث (؟) ويبقى ستمائة منا ثنا لمأن كل من يحضر لقراءة

(3) القرآن كل يوم... رمضان ومائة وخمسون منا ثنا لمأن كل من يحضر للصلاة يوم الجمعة كل جمعة خمسة آن وستمائة منا ثنا لقيمه ومائة منا ثنا لقيمه ثمن سراجه بهما وباقي

(4) لمصالحه من فروش ورم وغيرهما تقبل الله حسابه وأعلى درجاته في سابع وعشرين صفر سنة ست وسبعين وسبعمائة هجرية.

منطقة الظهران

الظهران هو الاسم الذي كان يطلق على منطقة زراعية شاسعة تقع بين منطقتي أبوقوة وعالي، بل إنها تتداخل في أطراف كلا المنطقتين؛ حيث إن عين الخضرا، الذي يوجد موقعها حالياً في عالي، كانت في السابق تقع ضمن الظهران، وقد كان المنجى الأساسي لعين الخضرا يصب في مقطع خليج توبلي (المبارك 2004، ص 38). ويحدد المبارك موقع قرية الظهران أنها بين سار وبربغي (المبارك 2004، ص 41). ومن خلال نتائج المسوحات يستنتج أنه حدث استيطان في المنطقة المحيطة بعين الخضرا منذ القرن الرابع عشر الميلادي واستمر حتى القرن السابع عشر الميلادي.

الخلاصة، أن نتائج المسوحات الآثارية في كل من منطقة سار وعالي وبوري توفر لنا نمطاً معيناً من توزيع المواقع الأثرية والذي من خلاله يمكننا أن نستنتج نمطاً معيناً لحدوث التوسع في الاستيطان في هذه المناطق. فهل يمكننا أن نعتبر هذا النمط أنموذجاً يمكن أن نطبقه على التوسع في الاستيطان في مناطق أخرى في البحرين؟. هل نتائج المسوحات الآثارية تمكننا من تعميم هذا النموذج؟. هذا ما سنناقشه في الحلقات القادمة من خلال مناقشة قرى إسلامية مبكرة أخرى.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً