هدّد الرئيس السوداني عمر البشير باستخدام القوة ضد من يشارك في العصيان المدني، الذي دعت إليه مجموعات شبابية احتجاجاً على غلاء المعيشة وتردّي الأوضاع المعيشية، ودعمته أحزاب المعارضة.

تعليقات السودانيين على مواقع التواصل الاجتماعي كشفت حجم الانقسام في الشارع، فمن جهة هناك النظام الذي يمسك بتلابيب الوضع في السودان، يهدّد ويتوعد؛ وهناك أحزاب المعارضة التي تسيطر على أغلبها قيادات متقدمة في السن؛ وهناك ثالثاً، المجموعات الشبابية التي تشعر بالاختناق، في بلدٍ يسيطر عليه حزب واحد، ورئيس واحد يجري إعادة انتخابه كل بضعة أعوام، ولا يبدو أن لديه نيةً للتقاعد حتى في الأمد البعيد!

السودانيون اختلفوا في حجم المشاركة في الاعتصام الذي جرى يوم الاثنين 19 ديسمبر/ كانون الأول، فنائب الرئيس وصفه بأنه «صفر كبير». ومؤيدو النظام قالوا: «نحن ذهبنا إلى أعمالنا ولم نستمع لهذه الدعوات»، وقال بعضهم: «هذه مؤامراتٌ خطيرة تقف وراءها أيد خارجية ودول أجنبية»؛ ومنهم من قال: «إنها مؤامرة كونية يشارك فيها الروس والأميركان لإسقاط النظام». أما آخرون ففسّروا ذلك بالقول: «إنها حسد وغيرة من بلدنا الذي حقّق إنجازات ضخمة في مجال التنمية والنمو الاقتصادي والقفزات الصناعية الكبرى، ونحن ماضون قدماً في تحقيق الرفاه والسعادة لمواطنينا، دون كلل أو ملل»!

أمّا مؤيدو المعارضة فسخروا من تلك التعليقات، خصوصاً ما قالوه عن «الرفاهية التي نسمع عنها قبل خمسين عاماً ولا نراها»! فضلاً عن «النهضة الصناعية الكبرى»! وذكر بعضهم تاريخ السودان المليء بالانتفاضات والاحتجاجات ضد الظلم، منذ أكثر من مئة عام. فيما ذكر بعضهم أحد زعماء الثورة ضد الاستعمار البريطاني، حيث أرسل في لحظة حماسةٍ ثورية، رسالةً إلى الملكة اليزابيث الأولى، والتي تعتبر أيضاً رأس الكنيسة البروتستانتية، يدعوها إلى الدخول في الإسلام طوعاً.

سوداني آخر ذكّر بالانتفاضة التي أطاحت بجعفر النميري، منتصف الثمانينات، بعدما صبر الشعب طويلاً على الظلم والاستبداد، فهبّ هبة رجل واحد، وجاءت بعده حكومة انتقالية سلّمت الحكم للمدنيين خلال عام واحد، ولكن بعد أقلّ من ثلاث سنوات، أزاحها الانقلاب الذي قاده البشير، ليبقى في السلطة ما يقارب ثلاثين عاماً!

الطرف الثالث، هم الشباب الذين سبق أن دعوا قبل شهر واحد للعصيان المدني، عبر مواقع التواصل الاجتماعي «واتساب» و»فيسبوك» و»تويتر»، وجدّدوا دعوتهم قبل أيام، لكنها لاقت استجابة ضعيفة. وأرجعوا ذلك إلى التهديد بضربها بمسيلات الدموع والرصاص، كما حدث في الاعتصام السابق، وأدت إلى سقوط بعض الضحايا. وحين كشف موقع «سودان تربيون» عن اعتقال السلطات 40 من كوادر وقيادات أحزاب المعارضة والنشطاء السياسيين، نفى مساعد الرئيس وجود معتقلين سياسيين أصلاً، ولكنه استدرك قائلاً إن «هذا الشأن ليس من اختصاصه»!.

الرئيس السوداني عمر البشير، الذي جاء إلى السلطة قبل 27 عاماً، ويبلغ من العمر 72 عاماً، قلّل من أهمية العصيان المدني خلال خطاب ألقاه شرق البلاد الأسبوع الماضي، حيث قال إن حكومته «لا يمكن إسقاطها بـ(الواتساب)».

رحم الله «الواتس أب» المسكين وبقية مواقع التواصل، كـ«اليوتيوب» و«الفيسبوك» الذي كان يسمّيه الرئيس الراحل المعمّر القذافي «البوك فيس»، ورحم الله «الإيميل» و«الانستغرام»... و«الآيباد»!