قال الناشط عبدالنبي العكري إن «الوطن العربي بحاجة الى ديمقراطية توافقية؛ لأنه ربما ديمقراطية الأغلبية قد تضطهد الأقليات الأخرى»، ذاكراً أن «التاريخ العربي الاستبدادي، وفشل الدولة العربية القومية الجامعة، وتتالي الانقلابات هو الذي خلق الأرضية إلى الاحتراب العربي، الذي لسنا بحاجة فقط إلى هزيمته عسكريًّا، بل نحتاج الى هزيمته فكريًّا أيضًا».
من جانبه، ذكر النائب السابق جاسم حسين أن «من المهم البدء بعملية المصالحة في المجتمعات العربية، حتى لو لم يتم القضاء على المشكلة الطائفية فيها بشكل كامل، ولابد أن يحدث اندماج مجتمعي، ويكون الكل له دور في بناء الدولة».
جاء ذلك في ندوة أقيمت في مقر جمعية «وعد» في أم الحصم، مساء الأربعاء (21 ديسمبر/ كانون الأول 2016)، تحت عنوان: «الاحتراب الطائفي ومستقبل الدولة الوطنية في العالم العربي».
وفي بداية ورقته، أفاد العكري «يهمني أن أطرح ما تحدث عنه المفكر العربي عبدالحسين شعبان في مؤتمر الراحل عبدالرحمن النعيمي الذي انعقد في بيروت قبل أيام، والذي تطرق إلى معاهدة وستفاليا (Peace of Westphalia)، حيث أنهت هذه المعاهدة حرب الثلاثين عاماً في الإمبراطورية الرومانية التي كانت قائمة على أساس طائفي، حيث يعتبر صلح وستفاليا أول اتفاق دبلوماسي في العصور الحديثة، وقد أرسى نظاما جديدا في أوروبا الوسطى، مبنيّاً على مبدأ سيادة الدول، مقررات هذا الصلح أصبحت جزءاً من القوانين الدستورية للإمبراطورية الرومانية».
وأضاف العكري «وقد اعددتُّ ورقة أخرى هذه الندوة، اتحدث فيها عن أن الحكم الإسلامي في المراحل التاريخية المتعاقبة كان نظاما استبداديا قائما على نفي الآخر، وقد اتضح ذلك في مختلف المحطات التاريخية سواء في الدولة الاموية أو العباسية، وما تلاهما من دول فرعية تشعبت في مناطق متعددة في البلدان العربية».
وتابع «كل دولة فرعية جاءت ألغت المذهب الذي سبقها، فمثلاً الدولة الفاطمية عممت المذهب الإسماعيلي، ثم جاءت الدولة الايوبية وألغت هذا المذهب، وقس عليها هذا النمط في الدول الفرعية التي سادت في بقاع محددة من البلدان العربية، وعموما التاريخ العربي كان متجذرا فيه الاحتراب العقائدي، كان هناك رفض للآخر، ولم يكن هناك اعتراف بالآخر».
وأكمل العكري «الآن الدولة الوطنية هي مفهوم جديد، جاءت بعد مفهوم الدولة الإسلامية، ربما بدأت في عصر دولة محمد باشا في مصر أو حكم البايات في تونس، وما عدا ذلك كانت المناطق العربية خاضعة للاستعمار وهيمنة القوى الأجنبية».
وأوضح أن «دعوات الإصلاح انطلقت خلال عصر رواد الإصلاح، مثل الكواكبي وغيره، الى ان وصلنا الى مرحلة تصفية الاستعمار ومؤامرة سايكس بيكو التي رسمت خطوطًا لتقسيم الدول العربية، وجرى تثبيت الحدود بين الدول العربية، وكانت آخر دول عربية استقلت هي دول الخليج».
وأردف «الفرصة الكبرى للعرب كانت مع الاستقلال، لكن ما حدث هو فشل الدولة الوطنية في تشكيل دولة وطنية ذات هوية جامعة تسعى الى تشكيل تحالفات قومية فرعية، والفشل الآخر هو هزيمة فلسطين التي استغلها العسكر للقيام بانقلابات باسم تحرير الأمة وتحرير فلسطين، مع عدم اغفالنا ان قادة هذه الانقلابات كانت لهم إنجازات، لكن هذه الانقلابات أدت الى الاستبداد، وتراجعت التعددية، والشيء الأخطر هو تأبيد الحكم لدى هذه الدول التي قامت فيها انقلابات عسكرية، ثم وجدنا ان هذه الانقلابات أدى إلى انقلابات أخرى داخلية وتصفيات لقيادات فيها».
وواصل «مع الاستبداد التاريخي السائد في العقل العربي، أصبحت هذه العقلية تسيطر على مناحي الحياة كافة، في السابق كانت هذه العقلية تهيمن على الجانب السياسي غالبا، وكانت هناك هوامش للحياة في بقية الجوانب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ولكن هذه الهوامش تقلصت أيضا خلال هذه الفترة».
وأوضح أن «أمام الدولة الفئوية المستبدة يبحث الانسان عن هويات فرعية، وهنا بدأ التراجع الكبير في الهويات الوطنية والهوية القومية الجامعة وانتعاش الهويات الفرعية، التي لم تأت من فراغ بل جاءت من ارضيات سابقة موجودة في العقل العربي».
وختم العكري «التاريخ العربي الاستبدادي مكون أساسي، وفشل الدولة العربية الجامعة، والانقلابات هو الذي خلق الأرضية لهذا الاحتراب العربي، لسنا بحاجة فقط الى هزيمته عسكريا بل نحتاج الى هزيمته فكريا، وربما نحن بحاجة الى ديمقراطية توافقية؛ لأنه ربما ديمقراطية الأغلبية قد تضطهد الأقليات الأخرى».
من جهته، عرض النائب السابق جاسم حسين لورقة الباحث توفيق سيف التي ألقيت في مؤتمر النعيمي في بيروت، وقال فيها: «عدم وجود الاجماع الوطني سبب لوجود الطائفية، المجتمع المدني يعاني اليوم من هذه العلة، والحل يكمن في الشراكة الفعلية بين المواطنين في صنع الخيارات والقرارات وسيادة القانون والخيار الديمقراطي».
وأضاف «القضية الليبية حاليا نموذج للاحتراب الطائفي في الوطن العربي، في العراق الاكراد لديهم نية في التحول الى وطن مستقل، معتبرين أنفسهم جزءاً مختلفا عن النسيج العراقي، وانفصال جنوب السودان عن البلد لعدم وجود شراكة في الدولة، وعندما وجدت الفرصة للانفصال قرروا ذلك».
وبيّن أن «الموضوع ليس هو النزاع الديني، بل قد يكون النزاع عرقيّاً أو قبليّاً؛ لأن البلدان العربية الممزقة لا تعاني كلها من مشاكل طائفية، فالاتحاد السوفياتي سابقا عندما سنحت الفرصة تفكك».
وتابع «في المقابل ترى دولة مثل الهند فيها ديانات وثقافات متنوعة، لكن ما جمعهم هو النظام الديمقراطي، واستطاعوا الى حد كبير التعايش فيما بينهم، وأحيانا قد يكون الرئيس من المسلمين او الهندوس او السيخ، أميركا أيضا فيها أعراق مختلفة مهاجرة واستطاعت ان تتوحد في دولة ديمقراطية ووصل الحال بأوباما إلى أن يصل الى رئاسة الدولة، وأيضا ترامب الذي يعود الى أصول المانية وصل هو الآخر الى السلطة في الولايات المتحدة الاميركية».
وأكمل حسين «لا يجب ان يكون أي بلد متحد ثقافيا او عرقيا او اثنيا واجتماعيا، بل المهم ان يكون هناك فهم مشترك لطريقة إدارة البلد».
وواصل «هناك دراسة خليجية تشير الى ان دول مجلس التعاون تعاني من انقسام مجتمعي يأخذ صورا على هيئة نزاعات طائفية او عرقية أو مجتمعية، ومن الخطأ القول ان الاجتياح الأميركي للعراق هو الذي أدى إلى هذا الاحتراب، قد يكون هذا عاملاً ساهم في ذلك، ولكن المهم هو ان هناك أرضية كانت موجودة لمثل هذا الاحتراب».
وأفاد «أحيانا من السهل رمي الأمور على التدخل الخارجي، هذا الأمر فيه تهرب من الحقائق، نعم هو قد يساهم في المشاكل، لكنه ليس السبب الوحيد لمشاكل المنطقة، في بعض الدول العربية هناك نموذج للدولة «الزبائنية»، التي تسيطر عليها فئة صغيرة وتقوم بمنح الناس مزايا ما، لكنهم لا يعتبرون الناس شركاء في القرار، وبالتالي هذا لا يجعل الأمور تسير على ما يرام، حتى لو كان الوضع الاقتصادي مريحا في مرحلة ما».
وذكر أنه «في العام 1984 قتلت انديرا غاندي على يد أحد حراسها، وكان السبب أن هناك اعتقاداً انها هي من أعطت الأوامر بالهجوم على احد المعابد هناك، ولكن كان هناك رد فعل إيجابي من قبل الشعب الهندي، حيث لم يعتبر الهندوس ما جرى موجهاً إليهم، ولم يعتبروا السيخ أعداء لهم، بل اعتبروا هذا الحدث تحدياً لمعالجة الأزمة الطائفية، والى حد ما نجحوا، إلى درجة أن أحد الأشخاص من السيخ وصل الى رئاسة الحكومة في الهند، مع انهم لا يشكلون اكثر من 2 في المئة من تعداد السكان هناك، أو ان يصبح رئيس الهند احد المسلمين في حين ان نسبة المسلمين هناك لا تزيد على 16 في المئة».
وأردف «من المهم البدء بعملية المصالحة، حتى لو لم يتم القضاء على المشكلة الطائفية، من المهم ان يحدث اندماج مجتمعي ويكون الكل له دور، يساهم في بناء الدولة، ويجب ان تكون هناك سيادة للقانون، وعلى الجميع ان يصل الى قناعة بأنه جزء من الدولة؛ لأنك لا تستطيع ان تضع شرطيا على كل طريق».
وختم جاسم ورقته بقوله: «الديمقراطية هي الوسيلة الفعلية لتحقيق الانسجام الوطني، وتكون هناك قيادات تتغير بواسطة صناديق الاقتراع، هناك كلام مشهور لرئيس الوزراء البريطاني تشرشل: ان «الديمقراطية ليست أفضل طريقة لإدارة أي بلد، ولكن كل الأنظمة اسوأ من الخيار الديمقراطي»، واتذكر كلاما آخر للسفير الأميركي السابق في البحرين قال: «ان الديمقراطية تعني أن الخاسر يعتقد أن هناك فرصة أخرى للفوز، وبالتالي يظل شريكا في صنع القرار في بلاده».
العدد 5221 - الخميس 22 ديسمبر 2016م الموافق 22 ربيع الاول 1438هـ