يظل كتيّب الباحث البحريني علي المحرقي، «إبراهيم حبيب آل طريف... أريج ورذاذ من حياة الأستاذ» أحد الجهود التي ترصد تاريخ وعطاء ودور شخصيات بحرينية، كان لها حضور كبير في توجيه مسار الوعي، سواء من حيث التعليم، أو الأدوار الاجتماعية والإنسانية التي لا غنى لأي مجتمع عنها. يرصد الكتيِّب جانباً من حياة ومسارات تلك الحياة لواحد من روَّاد التعليم في منطقته، وأحد رجالات العمل الاجتماعي في السنوات الأولى من النهضة في البلاد. لا يمكن تصنيف كتيّب المحرقي باعتباره سيرة ذاتية، ولا هي مذكرات، فالأولى تعمل على رواية تفاصيل مهمة من قصة حياة كاتب ما، أو شخصية ما، مع مراعاة أن يكون تسجيل الخبرات والمنجزات حاضراً بالدرجة الأولى، بينما تهتم المذكرات برصد ووصف الأحداث وتعليلها «وخصوصاً تلك التي لعب فيها كاتب المذكرات دوراً أو تلك التي عايشها أو شهدها من قريب أو بعيد، ومن هنا وقوعها في منزلة متوسطة بين (موضوعية) التاريخ و(ذاتية) السيرة الذاتية». هي تكاد تأخذ من كل منهما ملامح، تثبت الحضور وتؤكده، وتقترب من السيرة من دون العناية بالتفاصيل في كلا الاتجاهين.
يشير المؤلف إلى أن معلوماته حول حياة الراحل، إلى جانب مشاهداته ومعايشته له، استندت إلى كرَّاس «فقيدنا الغالي الأستاذ إبراهيم بن الحاج حبيب آل طريف»، وهو من إعداد السيدعبدالله الساري، إضافة إلى عدد من الجلسات مع شخصيات من معارفه وأصدقائه وبعض أبنائه وبناته.
يقدم المحرقي في تمهيده للكتيِّب جوانب من حياة الراحل وأنشطته، ومكانته بين أبناء قريته السنابس؛ إذ يُعدُّ من الشخصيات البارزة فيها. يضعنا المؤلف أمام مشروع الراحل الرائد ودوره الملموس في بدايات مشروع تعليم الصلاة في القرية، وهو من المشاريع التي وجدت فيما بعد حضوراً وانتشاراً في كثير من قرى البحرين، وتصدَّى للمشروع مجموعة من مثقفي ومتعلمي القرى، وابتدأ بتعليم الصلاة ليتنوع في أنشطته مروراً بدروس التقوية وتعليم الفقه، وليس انتهاء بالتفسير واللغتين العربية والإنجليزية، علاوة على أنشطة الرحلات الدورية التي تحفِّز الطلاب على الالتزام بحضور تلك الدروس.
بذل الراحل في هذا السبيل الكثير من ماله وجهده ووقته، كما يشير مؤلف الكتيِّب، وقد استعان به في تلك المهمة المربي الفاضل أحمد الإسكافي «حين فتح الفرع الثاني للمشروع في مأتم السنابس».
وعن هذا الجانب يشير الباحث المحرقي إلى أنه «في سنوات الستينات والسبعينات؛ حيث لم يكن مشروع تعليم الصلاة بالسنابس قد بدأ بعد، ولم تكن هناك مراكز دينية أو حوزات، كان الأستاذ يعمل سكرتيراً في مدرسة السنابس الابتدائية» وقام بواجبه خير قيام، إيماناً منه بأهمية إيجاد أجيال ملتزمة بدينها وقيمها.
يبرز مؤلف الكتاب جانب الالتزام الديني الذي عُرف به الراحل بين أبناء قريته، ولم يتوان عن دوره وأنشطته والتزامه مع بلوغه الثمانين من عمره. ويقف المحرقي عند شخصية الراحل متناولاً أموراً أربعة: التديُّن، الارتباط الوثيق بالدِّين، الجرأة في قول ما يعتقد والإعلان عنه، والقراءة وجوانب الثقافة في شخصيته.
يحتوى فصل التمهيد على رؤية المؤلف لشخصية الراحل، وأهم سماته، وانفتاحه وثقافته، وما عُرف عنه من خصال وأخلاق. كما يقدم جانباً من ذكرياته حول مكتبة الراحل التجارية والتي كانت تقع مقابل الشارع المحاذي لمأتم المعلمة، القريب من برادات عبدالله عيد (دار الصفا) التي كان يرتادها المؤلف.
الولادة والنشأة
وكما يرد في الكتيِّب فهو إبراهيم بن حبيب بن محمد بن محمد آل طريف. أما عن والده الحاج حبيب فيستند المحرقي في معلوماته إلى كتيِّب السيدعبدالله الساري الذي يشير فيه إلى أنه «انتسب إلى بيت شرف وعز رفيعين، فوالده الوجيه الحاج حبيب بن الحاج محمد بن محمد، إلى أن ينتهي به النسب إلى طريف».
كما يشير المحرقي في تناوله لنشأة الراحل، إلى أنه عندما بلغ 7 سنوات فقد والده، وذلك في العام 1932 «ولم ينجب الحاج حبيب من زوجته الأخيرة كلثم قبل رحيله ولداً غير الأستاذ إبراهيم، فهو وحيد والديه. عند ذلك تكفَّلت الأم وحدها بكل شئون الوليد اليتيم، وصارت له كل حياته (...)».
قبل ذلك، حين بلغ الحاج إبراهيم 6 سنوات؛ أي قبل أن يرحل والده بعام «أرسله إلى المرحوم الحاج ملا أحمد بن الحاج على آل زين للتتلمذ على يديه وتعلم القرآن وحفظه، وتعلُّم الأحكام والمعارف الإسلامية الأولية».
وفي سن بلوغ أهَّلته للالتحاق بالتعليم النظامي، يوضح المؤلف، استناداً إلى معلومات مستقاة من أبنائه، إلى أن أمه كانت تذهب به إلى المدرسة بنفسها من الصباح، وتقطع مسافة كبيرة من السنابس إلى البلاد القديم «وربما تظل تنتظره طوال الوقت الذي يكون فيه في المدرسة» إذ ألحقته أمه عندما بلغ من العمر 8 سنوات بالمدرسة المباركة العلوية، والتي تعرف بمدرسة الخميس، ويرجِّح المؤلف سنة 1933، سنة التحاقه بالمدرسة، وكان قد مضى على افتتاحها سبع سنوات.
في الكتاب إشارة إلى أن الملا أحمد «سيكون له دور كبير في دخوله المدرسة النظامية؛ حيث كان الملا أحمد واحداً ممن استعانت بهم الحكومة لإقناع الناس بالانتظام في المدرسة المباركة العلوية.
خسارة الوالد لتجارته في اللؤلؤ
يوضح المؤلف بأن والد الراحل تعرَّض في أخريات حياته لخسائر مادية كبيرة في تجارة اللؤلؤ «وهو ما ضاعف قسوة الظروف الحياتية التي عاشها»، وقد تلمَّس الراحل آثار تلك الخسارة وهو في سن السابعة، ما ترك أثراً كبيراً في نفسه، إلى جانب وقوع مسئوليات كبيرة على عاتقه، متخذاً من عدد من المهن الشاقة وسيلة لتدبير شئون عائلته، إلى جانب مساعدة أخيه المرحوم عبدالله بن حبيب، الذي امتهن جلب الحصى من البحر، ومن ثم ذهابه إلى المملكة العربية السعودية بعد اكتشاف النفط.
مع مجيء العام 1983، تخرج الحاج إبراهيم من المدرسة المباركة العلوية، وكان في الـ 13 من عمره، وكان قد اكتسب بعض المهارات بعد التحاقه بالكشافة، ممارساً بعض المهن اليدوية، ليلتحق بعد ذلك بالعمل مع زميله الحاج عباس علي خميس، في دائرة العمليات بقسم المختبر بشركة نفط البحرين المحدودة (بابكو) من العام 1938 حتى العام 1952م، وفي عام تركه الخدمة في الشركة التحق بسلك التعليم، بدائرة المعارف وقتها من العام 1952 حتى العام 1988م، وهو عام تقاعده عن العمل. وكانت مدرسة الخميس (المدرسة المباركة العلوية) «أول مدرسة ينتظم فيها للعمل»، ويرصد الباحث على المحرقي الترتيب الزمني للمدارس التي مارس فيها الراحل التدريس، وهي كالآتي: مدرسة الخميس الابتدائية، مدرسة عالي، مدرسة توبلي، مدرسة البديع، مدرسة أبوصيبع، ومدرسة السنابس الابتدائية.
نشاطه الاجتماعي
علاوة على قيامه بالتدريس في مدرسة الخميس الابتدائية، في الفترة الصباحية، افتتح مع مجموعة من المعلمين مدرسة مسائية في مأتم بن خميس في قرية السنابس، فإضافة إلى دوره في تلك المدرسة، شاركه الدور كل من: أحمد خميس، علي عبدالله السلمان، والمرحوم أحمد حسن خميس، وكان دور المدرسة تثقيف وتعليم أبناء القرية، وكذلك القرى المجاورة، وامتد اهتمام المدرسة إلى جانب مواد بعينها، بتدريس الحساب واللغتين العربية والإنجليزية والعلوم، لتتوقف المدرسة عن نشاطها في العام 1959، «بعد وفاة المرحوم مهدي أحمد خميس».
غلب على بعض فصول الكتيِّب الإسهاب بالوقوف أمام شخصيات ارتبط بها الراحل، أو المدارس التي التحق بها، أو الحوزة التي تلقى جانباً من تعليمه فيها، وهي حوزة السيدعلوي الغريفي الكائنة في منزله بمنطقة النعيم، في التفاتة تاريخية، لكنها كثيراً ما تعمل على تشويش القارئ، بالانتقال من شخصية إلى أخرى، ومن معْلم إلى آخر، ليعود مركِّزاً على الشخصية المحورية في الكتيِّب.
يذكر المؤلف أنه بعدما «أغلقت المدرسة المسائية بعد رحيل مهدي خميس»، جعل الراحل من بيته، مدرسة؛ إذ قام بتدريس الطلاب مواد مختلفة، تطوُّعاً منه، وإحساساً منه بمسئولية عليه القيام بها. ومن بين الذكريات التي يرويها ابنه عبدالجليل أنه «في الصيف كانت بعض العوائل تأتي السنابس من مناطق مختلفة للتصييف فيها بحكم جوِّها وقربها من البحر، وطِيب أهلها، ومن هؤلاء من يأتي من المحرق، كعائلة المناعي المعروفة، وقد نشأت علاقة أخوَّة حميمة مع زميل عزيز اسمه راشد بن عبدالرحمن بن أحمد المناعي، وقذ ذكر له بأنه درس في تلك الحقبة أثناء التصييف بمنطقة السنابس على يدي والده اللغة العربية والحساب (...)، وذلك في بيتهم المذكور».
إنشاء الصندوق الخيري بالسنابس
لم يخلُ هذا الفصل من الإسهاب، والتقديم الذي لا يكتفي ببضع سطور ليمتد إلى أكثر من صفحة. وعن إنشائه الصندوق الخيري بالسنابس، يستند المؤلف المحرقي إلى ما كتبه السيدعبدالله الساري في كتابه «أفراح وأتراح»، مبيِّناً الدور الذي قام به، ابتداء من الفكرة التي راودت المجموعة بدءاً من 28 أكتوبر/تشرين الأول 1962، وتتلخص قصة إنشائه في إصابة أحد شباب المنطقة بمرض عقلي «وحيث إن هذا الشاب كان العائل الوحيد لأسرة كبيرة، في الوقت الذي لم يتوافر العلاج محلياً، ولضيق ذات يده، بدأنا التفكر في الطريقة التي تمكننا من مساعدته». الفكرة دارت بين ثلاثة: الساري والسيدعلوي السيدمكي الشرخات، وإبراهيم حبيب الطريف؛ حيث عقد الاجتماع ليلة 28 أكتوبر «وصادفت تلك الليلة وفاة المغفور له الشيخ محمد بن عيسى بن علي الكبير»، عمل الثلاثة على الطواف بالقرية، وخصوصاً بين أهل الخير. ساهم مشروع الصندوق بسد عدد من احتياجات الأسَر الفقيرة والمتعففة، وصولاً به إلى الإشهار في العام 1983، بدخول الصندوق مرحلة التنظيم الإداري المُتبع في مثل هذه النوعية من المؤسسات.
مرضه ووفاته
عاني الراحل من مرض السكَّر الذي تفاقم مع كِبره، إلا أنه لم يكن السبب في وفاته، بل بفعل أمراض أخرى، من بينها مرض القلب، ما دفعه إلى السفر إلى إيرلندا حيث أجريت له عملية ناجحة، وشفي من مرضه، إلا أنه في آخر أيامه أصيب بالتهاب في الرئة وله من العمر 77 عاماً، ليلقى ربه بفعل المرض الذي تفاقم في 13 أبريل/نيسان 2002.
الكتيّب تضمَّن إضافة إلى المقدمة التي كتبها نجل إبراهيم آل طريف، الأمين العام لمجلس الشورى عبدالجليل إبراهيم آل طريف، تمهيداً، ومن ثم الشروع في ولادته ونشأته، لنقف بعدها على العناوين الآتية: مدرسة الخميس، مدرسة عبدالرسول التاجر، نشاط الأستاذ الاجتماعي. وخصص باباً للتعليم، وإنشاء الراحل الصندوق الخيري لمنطقة السنابس مع مجموعة من وجوه القرية والنشطاء الاجتماعيين فيها، ويتناول الكتيّب زواجه، ارتباطه بالدِّين، علاقته بالقراءة والثقافة، النظام في حياته، جرأته في التعبير عمَّا يعتقد، بعض سماته وملامحه، مرضه ووفاته، وجانب من الكلمات والقصائد التي قيلت بعد رحيله. كما احتوى الكتيب ملحقاً للصور.
يُذكر أن الراحل له من الأبناء والبنات: عبدالجليل، حبيب، محمد، حسين، ليلى، نزهة، زهراء، بهجة، رباب، وفتحية.
يُشار إلى أنه صدر للمؤلف علي المحرقي الكتب الآتية: «محمد جواد مغنية» (1997)، «متناقضات القرآن... رد على مزاعم المستشرقين» (1999)، «قتل الشعراء» (2003)، «مشروع الإسكافي في ربع قرن» (2005)، «شاعر وقصيدة» (2007)، «سرقات علمية وأدبية معاصرة» (2010)، «شخصية الرسول في كتاب (عبقرية محمد) للعقاد» (2013)، «عندما تثور العمامة» (2015)، «محمد جواد مغنية... مقالات مغمورة» (2015)، و «العنف حين يأتي من الداخل (2015).
الله يرحمه ابوعبدالجليل وفعلا كلام الكاتب في مكانه شكرا لك
الله يرحمك و يحسّن إليك انا لحقت عليه و انا واجد صغير بس اذكره شخص يضرب فيه المثل و الكل يشهد له و يشهد الي تربيته الله يرحمه و
رحمك الله وشكر وتقدير للكاتب والمؤلف البحريني القدير الأستلذ علي المحرقي للجهود الكبيرة ونتمنى الإشاده به وبجهوده ووضع ولو صورة له تقديرا له
الله يرحمك أبويي إبراهيم .. رحلت بجسدك ولكن روحك مازالت باقية..صوت الأذان وصوت قراءة القرآن فجرا جلوسك بيننا على المائدة ابتسامتك ركوبنا معك في السيارة تعليمنا المفردات العربية والانجليزية وجميع الذكريات باقية في ذاكرتنا ونفوسنا.. فلقد كنت خير مربي لنا حنونا عطوفا تبذل المستحيل في سبيل راحتنا وراحة الجميع لم ولن ننساك أبدا جدي الغالي..
حفيدتك المحبة
رحمك الله ياعمي وأبي الغالي .. بالفعل رحلت جسدا عنا .. مازلنا نعيش لحظاتك الجميلة وحنانك ودفئك .