العدد 35 - الخميس 10 أكتوبر 2002م الموافق 03 شعبان 1423هـ

دستور المملكة... والمادة (25)

نادر الملاح comments [at] alwasatnews.com

غريب ما نشر حديثا عن حادث صفع مدير مدرسة مدينة عيسى الاعدادية للطالب حسن جعفر الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره لرفضه حمل لافتة تدعو للمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة. وليست الغرابة هنا في معاقبة المدير للطالب فقد يلجأ المربي أحيانا لمعاقبة الطالب او الطفل عند ارتكابه خطأ يستحق العقوبة شريطة ان تتناسب العقوبة مع حجم الجرم، لكن الغرابة هي حجم العقوبة ونوعها أولا، وكونها عقوبة من دون جرم ثانيا، وتبرير الفعل الخاطئ باستخدام المخارج القانونية والتحايل على النصوص مما يعني الاصرار على الخطأ ثالثا.

فالحادث كما نشرته صحيفة «الوسط» يتلخص في رفض الطالب حمل لافتة تدعو للمشاركة في الانتخابات النيابية في الطابور الصباحي، إعلانا عن موقفه الرافض للمشاركة في هذه الانتخابات على رغم عدم بلوغه سن المشاركة أصلا، ما حدا بمدير المدرسة ان يوجه له صفعة قوية - بحسب نص الخبر - ثم إصدار أمر بإيقاف الطالب عن الدراسة لمدة ثلاثة أيام مع تهديد الطالب بتحويل الموضوع إلى وزارة التربية والتعليم التي - بحسب ما نقل الخبر - قد تتخذ قرارا بفصل الطالب من الدراسة، الأمر الذي اضطر الطالب وولي أمره إلى القبول بقرار التوقيف. ويتخلل هذا الحادث رفض المدير السماح للطالب بتقديم امتحان في مادة الرياضيات على رغم تعهد الطالب بمغادرة المدرسة بعد الانتهاء من الامتحان مباشرة حتى تنتهي العقوبة.

وعلى رغم ان القانون لم يمنع هذا الطالب او غيره عن حرية التعبير عن رأيه باستخدام الأساليب السلمية - كما في المادة (23) من دستور مملكة البحرين التي تنص على ان «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، لكل انسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي بينها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية» وكذلك الفقرة (أ) من المادة (19) التي تنص على ان «الحرية الشخصية مكفولة وفقا للقانون» - على رغم ذلك كله قام مدير المدرسة بمصادرة حق الطالب الذي كفله له الدستور فارضا عليه رأيه الشخصي، ومرغما إياه على الامتناع عن التعبير عن رأيه باستغلاله موقع السلطة.

ووسط إصرار الطالب على التمسك بحقه وفق المواد المتقدمة، قام مدير المدرسة بمخالفة قانونية أخرى حين وجه للطالب صفعة قوية على وجهه أمام الجميع طلبة ومدرسين وإداريين وطاقم تصوير، الأمر الذي يأخذ الصفعة من الجانب المادي إلى الجانب المعنوي، وكذلك توقيف الطالب عن الدراسة وحرمانه من تقديم الامتحان، في حين ان الفقرة (أ) من المادة (20) من دستور المملكة تنص على أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها»، وكذلك الفقرة (د) من المادة نفسها التي نصت على أنه «يحظر إيذاء المتهم جسمانيا ومعنويا».

ولكن يبقى الأدهى من ذلك والأمر هو إصرار مدير المدرسة على تبرير عمله في اعتبار انه «إجراء قانوني» مستندا إلى المادة (25) من لائحة الجزاءات المعنونة بعنوان«المساس بالسيادة الوطنية» التي عرفت هذا العنوان بـ «القيام بما يتنافى وتوجهات الوزارة في مجال الانتماء والمواطنة التي تسعى المدرسة بعملياتها ووسائطها التعليمية كافة لترسيخه وبنائه في الطالب، وذلك من خلال العمل الذي تضبطه إدارة المدرسة، ومن أمثلته أي فعل فيه إساءة وتحريض ضد رموز الوطن كإتلاف العلم الوطني وصور القادة السياسيين والكتابة بأشكالها كافة والرسم وتوزيع الأوراق التحريضية»، معللا هذا التصرف «برفض الطالب رفع علم البحرين وصور القيادة الحكيمة» الأمر الذي اعتبره مدير المدرسة «مساسا بسياسة المملكة»، مع ملاحظة أن ما أشارت إليه المادة (25) التي استند عليها المدير هي الإتلاف، بمعنى الإهانة أو التمزيق، ذلك أن من بين الملاحظات التي تضمنتها لائحة الجزاءات المذكورة ما ينص على ان نوع العقوبة يتوقف على عمر ووعي المخالف بهذا العمل وعلمه وإدراكه لأهداف هذا العمل.

وهنا نتساءل:

أولا: ما هو وجه المساس بسيادة المملكة في هذا الموقف علما بأن الحادث إشارة إلى رفض الطالب رفع لافتة تدعو للمشاركة في الانتخابات وليس علما أو صورة. وحتى مع افتراضنا ان الطالب رفض رفع العلم او صور القادة السياسيين في البلد فإن الحادث لم يشر إلى الإتلاف او رفع صور قادة بلد آخر او علم آخر، مما يجعل الربط بين الرفض والسيادة أمرا تبريريا لا يتمتع بالصدقية المطلوبة.

ثانيا: من الذي سمح لمدير المدرسة او غيره ان يحرم الطالب من دخول الامتحان معرضا مستقبل الطالب للحرج لما يحمل هذا المنع من تأثيرات سلبية على المعدل النهائي للطالب.

ثالثا: أين غابت وزارة التربية والتعليم عن هذا التصرف اللامسئول من قبل مدير المدرسة، علما بأن لائحة الجزاءات نفسها التي استند عليها مدير المدرسة تؤكد ضرورة إشعار إدارة التعليم بأية عقوبة؟

رابعا: هل يمكن لنا كأولياء أمور ومربين ان نأمن ونطمئن على أبنائنا في المدارس الحكومية التي يفترض بها ان تكون أول الهيئات التي تحرص على تطبيق القانون وتنمية الحس الاستقلالي في شخصية الطالب لا سيما وأنها تحمل الصفة التربوية إلى جانب الصفة التعليمية؟ أليس حري بالمربي أن يلجأ إلى الأساليب التربوية السليمة لتقويم سلوك الطالب - على افتراض خطأ السلوك في هذا الحادث - قبل اللجوء إلى تطبيق لائحة الجزاءات التي تضمنت عدة خيارات عقابية؟ أليس من المفترض على المدرسة في اعتبارها مؤسسة للتربية وانتاج الثقافة وتحرير الوعي ان تعمل على غرس وتعزيز قيم الديمقراطية المبنية على مبدأ الرأي والرأي الآخر في نفوس الطلبة بما يخدم مسيرة الإصلاح التي تشهدها المملكة بدلا من تعزيز سياسة القمع التي تبنتها أجهزة أمن الدولة في الفترة الماضية؟

وأخيرا على افتراض صحة تفسير مدير المدرسة للمادة (25) التي استند إليها في تبرير فعلته يبقى السؤال: هل يعقل في ظل التوجهات الإصلاحية ان يغفل القائمون على القانون تناقضا بيّنا بين بنود القوانين الفرعية وبنود الدستور الرئيسي للبلاد، علما أن الحاكمية للدستور؟ والمفارقة في هذا الحادث هو أنه يأتي في يوم الاحتفال العالمي ويتزامن مع إطلاق جمعية البحرين النسائية مشروع (كن حرا) الذي يدعو إلى حماية الأطفال من الاعتداء الجسمي والنفسي والعاطفي وغيره.

وختاما، لا يسعني إلا ان أؤكد على أن قوة القانون ليست بأي حال من الأحوال تكمن في قوة صياغته أو جمال عباراته وبلاغته وإنما في تفعيله وترجمته من القول إلى الفعل، وكفالته للحقوق

العدد 35 - الخميس 10 أكتوبر 2002م الموافق 03 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً