العدد 35 - الخميس 10 أكتوبر 2002م الموافق 03 شعبان 1423هـ

العمالة البحرينية ومبادئ تطبيق بعـض المعايير الدولية للنقـابات

تاريخ الحركة العمالية العالمية وتطورها التنظيمي

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

في حوار ساخن في مركز شباب رأس الرمان جمع اقطاب الحركة العمالية البحرينية، دار نقاش مستفيض حول مزايا وعيوب إنشاء نقابات عمالية في البحرين طبقا للمعايير الدولية. وكان لمسألة الوجود العمالي الاجنبي في البحرين النصيب الاكبر من النقاش. وضع العمالة الأجنبية ربما يقوض نضال عمال البحرين من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة. إذا تطبيق المعايير الدولية لإنشاء النقابات العمالية يجب أن يتماشى مع القوانين والتشريعات التي تعمل على حماية المواطن من تفشي البطالة في المجتمع. لا شك في أن حقوق العمال أصبحت من الموضوعات الساخنة في الأنظمة الديمقراطية وهذا يتطلب، من ضمن أمور أخرى، تطبيق المعايير الدولية التي أقرتها منظمة العمل الدولية، ومن ضمنها عدم التمييز بين العمال سواء كانوا أجانب أو مواطنين، ليس هذا وحسب بل إن الأنظمة اليسارية في العالم رفعت شعار «يا عمال العالم اتحدوا»، أي أن أي نقابة تنشأ في العالم يجب أن تؤمن بأممية الحركة العمالية ووحدتها، وهذا يتطلب عدم التمييز بين العمال سواء كانوا أجانب أو مواطنين.

ثورة العمال في شيكاغو العام 1886، على الظلم الاجتماعي واستبداد أصحاب العمل، كانت اميركية بحتة قبل أن تكون أممية، ولها خصوصيتها المحلية. لكن الحركة العمالية في العالم نجحت العام 1900 في اعتبار الأول من مايو/ أيار من كل عام عيدا لها، له منطلقات ومفاهيم أممية تؤمن بحتمية تلاحم العمال الأممي، ومازالت تعمل على اخضاع الحكومات لتنفيذ مطالبها، بتحسين أوضاع العمل وإنشاء نقابات عمالية تحمي مصالحهم، وتطبيق قوانين حماية الفرد من البطالة. في الحقيقة ان الحكومة الديمقراطية التي لا تستطيع توفير الحد الأدنى من مطالب العمال وهي حق إنشاء النقابات، والإضراب، أو تخفيض مستويات نسبة البطالة إلى 2 في المئة، تتعرض للسقوط في أول أزمة مواجهة مع العمال، وحدث ذلك في بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا واسبانيا وكندا واستراليا. والسؤال ما هو افضل اسلوب عمل للنقابات العمالية لصيانة حقوق افرادها؟

تطور الحركة النقابية

الحركة النقابية حركة مطالبات عمالية تشمل مجالات: التجارة والصناعة وخصوصا في المصانع المنتجة، وتهدف من بين أمور أخرى إلى تحسين أوضاع العمال المعيشية، والأجور، والمزايا الأخرى بما في ذلك تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للعامل.

حركة النقابات العمالية ظهرت في بريطانيا في القرن الثامن عشر مع بداية الثورة الصناعية في اوروبا، وامتدت إلى اوروبا واميركا في القرن التاسع عشر، وشهدت تطورا سريعا بعد نجاح الثورة البلشفية في روسيا، وبذلك أصبحت قوة سياسية لا يستهان بها خصوصا في اوروبا بعد انشاء حزب العمال البريطاني في العام 1906م. ونال العمال البريطانيون حقوقهم في العام 1871 بموجب تشريع البرلمان البريطاني الذي أصبح قانونا في فترة لاحقة، وأنشئت بموجبه النقابات العمالية، وتبعتها الولايات المتحدة بإنشاء الاتحاد العمالي الفيدرالي الاميركي (AFL) في 1886 على يد الزعيم العمالي بيتر ماكويير، عندما تمكن من جمع عشرة آلاف عامل في وسط نيويورك للمطالبة بالحقوق العمالية وانشاء نقابة خاصة بهم.

الحركة العمالية اخذت الشكل الدولي عندما انشئت «منظمة العمل الدولية» في العام 1919 وكانت آنذاك احدى وكالات رابطة الامم المتحدة حتى تحولت إلى منظمة دولية بعد انشاء الامم المتحدة في 1946 ومن أهداف المنظمة:

حماية حقوق العمال في العالم، تقديم العون المادي والمعنوي والتقني إلى الحركة العمالية الدولية. المنظمة تعترف بالتجمعات العمالية غير الرسمية وتقدم لها المساعدات المالية للمشاركة في الاجتماعات السنوية للمنظمة كونها منظمات دولية غير حكومية، وتستطيع هذه الحركات العمالية مناقشة الوفود العمالية الحكومية في البلدان التي لا تعترف بحق العمال في إنشاء نقابات خاصة بهم. من أهم قرارات المنظمة صدر في 1930 لمكافحة البطالة والركود الاقتصادي. بعد الحرب العالمية الثانية صدر أهم قرار عن المنظمة وهو القرار الذي وضع معايير دولية لانشاء النقابات العمالية. وصدرت كل القرارات العمالية في الكتاب السنوي للنشرة العمالية العالمية (إحدى وثائق المنظمة).

الحركة العمالية البحرينية ظهرت في الثلاثينات من القرن العشرين ولكنها لم تأخذ شكلا تنظيميا إلا في الستينات، وحصلت على الاعتراف الحكومي في السبعينات لما أنشئت لجنة عمال البحرين، وتطورت الحركة لكي تصبح اتحادا، وفي سبتمبر/ ايلول 2002 قرر صاحب العظمة الملك السماح بممارسة العمال للعمل النقابي المنظّم رسيما بقوة القانون.

إنجازات النقابات العمالية

من أهم انجازات النقابات العمالية اعتراف الحكومات بالقوى العاملة الوطنية ومساهماتها في تنمية الموارد البشرية. الواقع أن القوى العمالية إذا لم تستخدم كل طاقاتها للتنمية الاقتصادية، ستكون مؤشرا على تردي الأوضاع الاقصادية، وسيقاس ذلك المؤشر بمقدار نسبة الارتفاع في البطالة التي تصل في بعض البلدان النامية إلى 40 في المئة من القوى العاملة.

وللتغلب على المصاعب التي تنشأ من تفشي البطالة، لجأت النقابات العمالية إلى وضع برامج حكومية لحماية العاطلين عن العمل اقتصاديا. وهناك عدة برامج تتبعها الدول لحماية الفرد من البطالة معتمدة على الاحصاءات التي تنشرها مكاتب النقابات العمالية عن حال البطالة، وفي حال حدوث أزمة خانقة.

وأهم هذه البرامج:

- برنامج التشغيل الكامل: في العام 1941، وضع برنامج في بريطانيا عرف باسم «خطة بيفردج»، تبنى سياسة جديدة للعمل أطلق عليها التشغيل الكامل، تهدف إلى إتاحة الوظائف لكل من يرغب في العمل. وبموجب هذه السياسة، عندما تفشل الأعمال التجارية والصناعية في توفير وظائف كافية، فإن الحكومة يجب أن تتخذ الاجراءات اللازمة لايجاد الوظائف. وتبنت كثير من الدول الصناعية الديمقراطية مثل هذه السياسة. والواقع أن سياسات التشغيل الكامل تهدف من ضمن أمور أخرى، إلى خفض معدلات البطالة إلى 3 أو 4 في المئة، وبذلك تنحصر البطالة في شكلها الهيكلي أو قصير الأمد. ويجادل بعض الاقتصاديين في انه من المحتمل أن تكون معدلات البطالة أعلى من ذلك من أجل كبح التضخم أو ارتفاع الأسعار.

- برنامج التأمين ضد البطالة: التأمين ضد البطالة وسيلة لدعم دخل العاطلين الذين يبحثون عن عمل، وفيه تجد العمال العاطلين يحصلون على مبالغ نقدية أسبوعية لفترة محدودة في العادة. ومع ذلك فإن لدى معظم الدول الصناعية مشروعات تأمين ضد البطالة. وبدأ أول مشروع للتأمين في مدينة بازل السويسرية في 1789، وتبنته عدد من نقابات العمال في الولايات المتحدة واوروبا، ووضعت خططا اختيارية للتأمين ضد البطالة. وساعدت مثل هذه الخطط الأشخاص القادرين على العمل بالأجر، ولكنهم في أوقات معينة قد لا يجدون عملا من دون أن يكون ذلك نتيجة تقصير منهم. وفي العام 1911، أنشأت بريطانيا أول تأمين اجباري ضد البطالة. وبعد الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) بدأ هذا النظام في بريطانيا يدفع مختلف أنواع الاعانات للعمال العاطلين واطلق عليها عامة الانجليز (صدقة قليلة) على سبيل السخرية. وهناك نحو 40 دولة معظمها في اوروبا واميركا الشمالية واستراليا تطبق برنامجا مشابها.

منظمة العمل الدولية تساعد الحكومات في الدول النامية على وضع برامج وخطط فعالة للقضاء على البطالة، وهناك برنامج عمل دولي تتبناه المنظمة ساعد بعض الدول على خفض نسبة البطالة في بلدانها. إلا أن هناك الكثير من الدول غير الديمقراطية معظمها من العالم الثالث، لا تنشر احصاءات صحيحة عن حال الحركة العمالية لديها أو مستوى تفشي البطالة.

والمنظمة تنشر احصاءات عن البطالة في العالم وفق المعلومات التي تصلها من الدول الاعضاء، إلا أن «مكتب العمل الدولي» التابع إلى المنظمة له اتصالات مباشرة مع نقابات العمال المصرح وغير المصرح بها، يتلقى منها المعلومات الصحيحة عن حال العمال في كل بلد.

حقوق العمال في البحرين تكفلها الدولة وفقا للمادة 13 من دستور البحرين التي تنص الفقرة (ب) منه على الآتي: «تكفل الدولة توفير العمل للمواطنين وعدالة شروطه» كذلك وردت هذه الفقرة في الفصل الأول من ميثاق العمل الوطني (المقومات الأساسية للمجتمع) سابعا (العمل واجب وحق) في الفقرة الثانية: «وتكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه ضمن برنامج التنمية الاقتصادية الوطنية».

القوى العاملة أو الموارد البشرية في أي بلد إذا لم تستخدم كل طاقاتها للتنمية الاقتصادية، ستكون مؤشرا على تردي الأوضاع الاقتصادية، وسيقاس ذلك المؤشر بمقدار نسبة الارتفاع في البطالة التي قد تصل في بعض البلدان النامية إلى 40 في المئة من القوى العاملة.

كيف تكيّف النقابات العمالية قوانينها؟

السؤال هو كيف يمكن للنقابات العمالية البحرينية أن تكيّف قوانينها لصالح العامل البحريني، لكي تستطيع البحرين وضع أولويات لخصوصيات الحركة العمالية، لدرء أخطار تطبيق بعض المعايير الدولية الخاصة بعمل النقابات العمالية؟ لا شك في أن غالبية القوى العمالية في البحرين من الأجانب، وهذا يفرض مواجهة مشكلات العمالة الأجنبية منها:

1- الاعتراف بحق العمال الأجانب في الإضراب وتحسين الأوضاع المعيشية وزيادة الأجور.

2- الاعتراف بالمواطنة للعمال الأجانب وهذا يتطلب منهم جوازات سفر بحرينية وامتيازات المواطنة.

3- الاعتراف بحق العمال الأجانب في الانتخابات والترشح للنقابات العمالية، وهذا يتطلب دمجهم في المجتمع البحريني.

لهذا فإن عدم اعتراف النقابات العمالية بحقوق العمال الأجانب سيعرضها للمساءلة في «منظمة العمل الدولية»، و«لجنة حقوق الإنسان الدولية»، بالاضافة إلى منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، والنتيجة ستكون تبني البحرين تركيبة سكانية تعتمد على تعدد الاعراق تماما كما حدث في سنغافورة.

في الحقيقة إن تعرضنا لهذا الموقف يفرض علينا ايجاد حل عملي للمشكلة يتمثل في وضع قوانين ولوائح داخلية لكل نقابة بحرينية، تعتمد على نظرة احادية إلى النموذج والخصوصية البحرينية. وهذا بالطبع يتطلب ايجاد المصوغات القانونية لابعاد العمال الأجانب عن الجانب التنظيمي للعمال، في اعتبار أن العمال مأجورون مؤقتون يتم جلبهم عن طريق العقود القصيرة الأجل التي لا تتجاوز مدتها السنة

العدد 35 - الخميس 10 أكتوبر 2002م الموافق 03 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً