العدد 35 - الخميس 10 أكتوبر 2002م الموافق 03 شعبان 1423هـ

أين نخبة الخمسينات؟

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

حركة الهيئة بين 1954 و1956 أثبتت القدرة الفائقة للنخبة المثقفة في حل قضايا مهمة. وعلى رغم الاخفاقات اللاحقة، فإن ما لا يمكن اغفاله هو القدرة الفائقة لتلك النخبة التي استطاعت التصدي لفتنة طائفية ثم وجهت جهودها وحلت مشكلة التأمين على السيارات والحافلات عبر تأسيس صندوق التعويضات ثم تناصرت فيما بينها وحشدت الجمهور لرفض قرار المستشار البريطاني تشالز بليغريف القاضي بسحب جنسية عبدالرحمن الباكر.

هذه الانتصارات الواحد تلو الآخر هي التي مكنت الهيئة من امتلاك النفوذ الواسع في أوساط المجتمع البحريني بمختلف ألوانه وأشكاله.

تلك النخبة كانت متعلمة ومثقفة ومطلّعة على ما يدور حولها في العالم وفي بلادها، وكان كثير منها من التجار والطبقة المتوسطة، والأهم من ذلك كانت تعتز باستقلاليتها وبالتالي فإن معارضتها أو مساندتها إلى الحكومة كانت ذات قيمة حقيقية. فتلك القيمة المعنوية لم تكن لتتحقق لو انهم كانوا يأتمرون بالقرار الرسمي. ولو أن الشعب نظر إليهم كما ينظر حاليا إلى عدد من أفراد النخبة المثقفة لما كان لها هذا التاريخ المشرف.

نخبة الخمسينات تفرقت مع قمع حركة الهيئة في ديسمبر/ كانون الأول 1956، وأصبح بعضها في السجون والآخر في المنافي ولجأ الآخرون إلى العمل السري، بينما صمت أخرون أو انقلبوا على اعقابهم سعيا لاكتساب المصالح الذاتية أو الحفاظ عليها. ونخبة الخمسينات التي هاجرت عادت في مطلع السبعينات مع الاستقلال والبدء بحياة برلمانية، إلا ان عددا من تلك النخبة تناسى ماضيه فنسيه الناس ايضا. بل أن عددا من المعارضين انقلب إلى أشرس المعادين للمبادئ والاهداف التي ضحى هو نفسه من اجلها. ولا شك في ان ما حدث في مطلع السبعينات ادى إلى هز علاقة الثقة بين المثقف والجمهور. فبينما ساءت احوال كثير من الناس كانت النخبة المنقلبة على عقبها تتمتع بامتيازات شخصية أدى إلى انزوائها عن تاريخها النضالي وعن شعبها الذي رفع اسمها وهو في أمسّ الحاجة اليها.

خيبة ظن الناس بعدد من أفراد النخبة في مطلع السبعينات خلّف توجها يتهكم ويستهزئ بممارسات وادعاءات وتصريحات هذه النوعية. ولذلك فإن موقف النخبة لم يعد له ذلك الدور الذي تسنّمته في الخمسينات. وعندما يعارض احد افراد النخبة امرا ما تتردد الاقاويل بأنه ربما لم يحصل على كل ما يريد (له شخصيا)، وعندما يؤيد احد افرادها شيئا ما يتردد في اوساط الناس ان هذا الشخص «مملوء بالعطايا».

الأسوأ من ذلك هو انتشار ثقافة في اوساط البعض تعتمد تحقير الناس. فكثيرا ما تسمع بعض هؤلاء «المثقفين» يقول «ان شعب البحرين لا يستاهل» أو «ان الشعب غير واع ولا يستحق ان يضحي من اجله احد»، وغيرها من العبارات المشابهة. ولعل هذه الثقافة غير السليمة هي التي دفعت بالعلاقة بين عدد من افراد النخبة وجمهور الناس إلى ما هي عليه من السوء حاليا. ولكن هذا الحديث يجب ان لا يعطي الفكرة ان النخبة المبدأية قد انتهت، فمع الاصلاحات الحالية بدأت تلك النخبة المبدئية في الظهور مرة اخرى على ساحة الحوادث، ونحن بحاجة إلى مزيد من دورها المتميز الذي اعطانا تاريخا مشرفا، وتستطيع استعادة استقلال رأيها وتستعيد دورها الريادي، شريطة ان لا تلوث نفسها بعبارات يرددها بعض من انقلب على عقبيه

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 35 - الخميس 10 أكتوبر 2002م الموافق 03 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً