أجمع مشاركون في منتدى أقامته «الوسط» على أن «اللاءات التي ستحكم مسار الولايات المتحدة الأميركية بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية هي: لا لخوض حروب مباشرة جديدة، ولا عزلة ستعيشها أقوى دول العالم بسبب انكفائها على ملفاتها الداخلية، ولا تغييرات عميقة ستطال السياسة الخارجية الأميركية المبنية على ثوابت متينة قائمة على المصالح.
جاء ذلك في منتدى «الوسط» عن تداعيات فوز ترامب وتأثيره على العالم والمنطقة العربية، الذي انعقد بمشاركة الأكاديمي فؤاد شهاب، والمستشار في الشئون السياسية أحمد الخزاعي، والقيادي في ائتلاف الفاتح يعقوب سليس، ورئيس المكتب الإعلامي بجمعية «وعد» هاني الشيخ. وأشار المنتدون إلى أن «الولايات المتحدة الأميركية تتجه أكثر نحو اليمين المتطرف، إلا أننا نتحدث عن دولة مؤسسات ومجتمع قائم على قوى متكافئة وعلى نظام سياسي يمنع هيمنة الأغلبية، حتى وإن حصلت على أغلبية في السلطة التنفيذية والتشريعية».
وفيما يلي نص الحديث الذي دار خلال منتدى «الوسط»:
لنبدأ أولا بالسؤال الأكثر إثارة ولكنه الأكثر توقعا أيضا. كثيرون وصفوا فوزه بالصدمة والزلزال، كيف فاز رجل مغمور سياسيا، ولم يتقلد أي منصب رسمي طوال حياته، يحمل ثقافة «الكاوبوي» برئاسة أقوى دولة في العالم برأيكم؟
- فؤاد شهاب: كل الصحافة الأجنبية بعد أن فاز ترامب وصفت ما حدث بالزلزال، وكان مصطلح الصدمة التوصيف الذي عم الصحافة الأجنبية، وبعض الصحافة كتبت عناوين بألفاظ صعبة مثل «النتيجة المقززة».
السؤال الذي نطرحه في البداية، لماذا كل هذا الاهتمام الكبير بالانتخابات الاميركية؟ والإجابة برأيي؛ لأن انتخاب رئيس للولايات المتحدة هو انتخاب رئيس للعالم، لما لأميركا من تأثير على العالم في الصعيد السياسي والاقتصادي.
اعتبر العالم ما جرى صدمة؛ لان الطريق لهيلاري كلينتون كان ممهدا للسلطة، ومن وجهة نظري انها في المناظرات الثلاث تفوقت عليه، هي دخلت المنافسة مع شخص لم يتبوأ أي موقع سياسي في الولايات المتحدة.
كذلك بعد أن تم تسريب فيديو ازدرائه المرأة، كان الكثيرون يظنون أنه خسر حظوظه في الفوز، ونحن نعرف اهمية هذه التسريبات للرجل والمرأة على حد سواء في الثقافة الأميركية.
الاعلام في اغلبه لم يكن مع ترامب، من اصل 229 صحيفة هناك اقل من 10 صحف كانت تسانده، وكل الاعلام الاميركي كان ضده، وحتى نجوم هوليود كانوا ضده، وحتى صحيفة الإيكونيميست قالت ان هيلاري سوف تلحق هزيمة كبيرة بترامب، كما أن كل مراكز الاستطلاع كانت تعطي افضلية كبيرة إلى هيلاري للفوز.
الأخ هاني، كنت حاضرا في واشنطن في ذروة موسم الانتخابات الأميركية وفي يوم تنظيمها ايضا، حدثنا عما جرى هناك وتقييمك له؟
- هاني الشيخ: شاركت قبل أسابيع في بعثة دراسية في مراقبة الانتخابات الأميركية وكنت جزءا من وفد يشمل مجموعة من الدول العربية، وشاهدنا طبيعة الحملات لكل من هيلاري وترامب، حملة هيلاري كانت تستمد قوتها من العرقيات الموجودة في اميركا وكانت واسعة الانتشار والتأثير في المناطق الساحلية، ترامب وجوده كان متركزا لدى اهل الريف الأميركي.
التقينا خلال وجودنا هناك بصناع قرار وسياسيين، ومن يضعون البرامج السياسية للحملات، وقالوا لنا إن التأثير الحقيقي للناخب لا علاقة كبيرة له بالسياسة الخارجية، وإن التركيز الاكبر هو على الملفات الداخلية.
كلينتون كانت ترفض وجود وانتشار السلاح في اميركا، لذلك كان حاملو السلاح هم من مؤيدي ترامب، كما ان المحافظين بشكل عام يؤيدون ترامب اكثر من الليبراليين؛ لأن كلينتون كانت تؤيد زواج المثليين، وهذا جعل المحافظين يرفضون التصويت لها، ويتجهون الى ترامب اكثر.
ذوو الاصول العربية في اميركا كان لديهم احباط بأنهم امام خيارين سيئ واسوأ، وكانوا يميلون الى عدم المشاركة؛ لانهم يرون ان كلينتون كانت تمثل النخب السياسية التقليدية، وترامب يمثل الصورة الاكثر تطرفا.
كانت حملة كلينتون تعمل باحترافية، كل الاستطلاعات كانت تعطي مؤشرا واضحا لفوز كلينتون، ما بعد النتيجة التقينا بمجموعة محللين حاولوا استقراء نتائج الانتخابات، وكانوا يرجعون ما جرى الى لحظة التصويت، اي الصورة التي حصلت لحظة التصويت والتي جعلت ترامب يتفوق على كلينتون، وهم يرجعون ذلك الى عدة اسباب منها انه ما كان هناك دافع للإصرار على الذهاب لصندوق الانتخابات لدى الكثيرين من مؤيدي كلينتون، بينما في المقابل كانت هناك عصبة قوية من البيض، وكانوا مصرين على الذهاب، مع ان عدد الاصوات الاجمالية التي حصلت عليها كلينتون كانت اكبر من ترامب، ولكن اصوات المجمع الانتخابي هي التي حسمت الموضوع، اذ إن كل ولاية لها تمثيل بعدد معين من النواب، وما رجح فوز ترامب هي الولايات المتأرجحة التي اعطت اصواتها الى ترامب، ميتشغان مثلا فيها اقليات عرقية وسط المدينة وفي ضواحيها البيض، ولكن هذه الاقليات احجمت بشكل واضح عن الذهاب للانتخابات بشكل لافت مكن البيض في الضواحي من الغلبة عليهم في كثافة التصويت.
كلينتون لم تستطع ان تستنهض السود كما فعل أوباما، مع ان كل كنائس السود أقاموا صلاة يوم الاحد الاخيرة التي سبقت الانتخابات من اجل فوز كلينتون، ولكن كل هذا الامر لم يحول النتائج الى ما ارادوا.
هناك انتخابات اولية في الحزب الديمقراطي والجمهوري، وترامب كان يمثل خارج النخبة على جهة اليمين، وتم اقصاء منافسه من قبل قيادات الحزب.
ترامب كان موجودا وسط اجواء صراع مع اكثر من شخصية داخل الحزب الجمهوري، وكان ينظر له انه الشخص الاضعف، وانه يمكن غض الطرف عنه مؤقتا في المراحل التمهيدية، ولكنه استفاد من هذا الاقصاء ووجد مكانا لكي يتمدد في ظل الصراعات التي اشتعلت بين الكبار في الحزب الذي يمثله.
ترامب لم يكن لديه برنامج انتخابي واضح، ولكن كانت لديه شعارات كبيرة، منها انه كان يتحدث عن بناء سور بين الولايات المتحدة والمكسيك، وان على المكسيك ان تتحمل مسئولية بنائه، وإلغاء التأمين الصحي الذي فرضه أوباما، وانه لن تقوم اميركا بحماية العالم مجانا، ومن يريد ان نحميه عليه ان يدفع، واعادة النظر في اتفاقيات التجارة العالمية، وإلغاء الاتفاق النووي الايراني وإلغاء اتفاقيات المناخ، وكل الاتفاقيات لتي تحدث عنها ليست قائمة على طرف واحد لكي يتم الغاؤها بوصول ترامب، بل هي اتفاقيات أممية تشترك فيها العديد من الدول العظمى ايضا، لذلك فالقرار ليس بيده فقط.
هل تتفقون مع من يقول أن الخطاب الشعبوي الذي انتهجه ترامب إبان فترة الانتخابات كان خطابا استعراضيا عاطفيا، سرعان ما سيتخلى عنه ترامب بعد فوزه الآن؟
- أحمد الخزاعي: دعونا نتحدث عن الانتخابات من اكثر من وجه، هيلاري استطاعت ان تجمع حوالي 1.3 مليار دولار من اجل حملتها الانتخابية، بينما ترامب جمع قرابة 743 مليون دولار فقط، ومع ذلك علينا السؤال، من اين جاءت كل هذه الاموال؟ هذه الاموال تأتي من التبرعات الفردية ومن الشركات الكبرى، والتي تتبرع بأموالها من اجل ان تستمر مصالحها وتزداد.
علينا أن نقرأ جيدا أن من صوت من الشعب الأميركي في هذه الانتخابات اقل من 50 في المئة، لأن الكثيرين كانوا يعتقدون انهم يصوتون بين سيئ واسوأ، اوباما ادخل الاقليات العرقية منذ البداية في حملته الانتخابية، وتعهد بأنه سوف يلغي تداعيات 11 سبتمبر، وانه سوف يكون هناك تعيينات قيادية للأقليات، كلينتون لم تعط اي تطمينات كافية لهذه الجهات.
«اوباما كير»، كان مشروع رعاية صحية قدمه أوباما، من ليس لديهم تأمين صحي عددهم 15 في المئة من الشعب الاميركي، ولكن عددهم يصل الى 40 مليون نسمة، وكانت فكرة هذا المشروع هي ارغام الشركات على استقطاع مبالغ من اموالها من اجل مد مظلة التأمين الصحي على الجهات التي ليس لديها تأمين، لذلك كانت الشركات الكبرى ترغب بفوز ترامب، وخاصة مع تصريحاته قبيل الانتخابات بأنه سوف يقوم بإلغاء هذا المشروع.
اضف الى ذلك ان الاحزاب الاميركية بينها تفاهمات معينة، في العام 2012 كان الحزب الجمهوري شبه ميت، ويبدو ان فرصته اليوم بدأت تعود، للمرة الاولى يحدث تراشق بين البابا ومرشح لرئاسة الولايات المتحدة الاميركية.
الكلام الذي قاله في الحملة كان كلام انتخابات، نحن في دولنا العربية ننظر الى الانتخابات الاميركية بطريقة دولية، بمعنى تأثير توجه هذا المرشح على الساحة الدولية ونظرته لها، بينما الناخب الاميركي ينظر الى الداخل، وتبقى السياسات الاقتصادية هي الاساس، اليوم الدين العام الاميركي مرتفع جدا.
اليوم التعيينات التي تمت والتي قدمها ترامب مؤخرا تشير الى انهم من البيض، ومنهم متطرفين، برنامج الحملة التي قادها ترامب اخذت «كوبي بيست» من حملة الرئيس الاميركي السابق ريجان، وما اضاف عليها ترامب كان شعارات سطحية.
كيف تقرأون دور الإعلام في فوز ترامب على هيلاري كلينتون؟
- يعقوب سليس: بعد فوز ترامب بترشيحه بالحزب الجمهوري، يمكن ان نقرأ ما جرى بالشكل التالي، ترامب حصد تبرعات اقل من كلينتون، وكان الاعلام الاميركي يناصرها اكثر منه، ولكن ما حصل عليه من تأثير الدعاية المجانية في الاعلام، من خلال تصريحاته المثيرة للجدل وتغريداته، حيث دخل في حياة الاميركيين بشكل عميق كانت اكبر حجما من كل الدعم الذي تحصلت عليه كلينتون.
من جانب آخر لو نقارن بين الحملتين، نجد حملة هيلاري ركزت على كلينتون، بينما ترامب كان يركز على «اميركا اولا»، ترامب ركز على فئة البيض العاملين من خلال شعارات كبيرة، انه سوف يمنع تصدير الشركات الى الخارج، واعادة الشركات الى اميركا، وكل هذه الاشياء رجحت كفة ترامب لدى الطبقات العاملة من البيض.
في هذه الانتخابات الاخيرة صوت الشباب اصبح ضعيفا، وهذا الامر لم يحدث فقط في الولايات المتحدة، بل حتى في قضية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، حيث ان من حسم الموضوع هم كبار السن، لذلك الشباب الاميركي من لديهم ميول ليبرالية يقولون ان لديهم واقعا مظلما، ويعتقدون ان المستقبل غير مريح بالنسبة لهم، ولعل هذا هو ما يفسر قيام مظاهرات عديدة في المدن الاميركية احتجاجا على فوز ترامب.
دعونا نقرأ الصورة بالمقلوب. لماذا خسرت هيلاري كلنتون رغم أن كل استطلاعات الرأي كانت مع فوزها؟
- فؤاد شهاب: أعتقد أن هيلاري كانت ضحية لأعمال زوجها بيل كلينتون وفضائحه التي هزت الولايات المتحدة منذ سنوات، كما انها كانت تمثل النظام التقليدي للنخب الحاكمة في الولايات المتحدة، هذه النخب نفسها هي التي اعطت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي الشعب الاميركي حلما انه سوف ينتعش، وان الرفاه الاقتصادي قادم، غير انه يجد نفسه محاطا بمشاكل اقتصادية كبيرة ومتعاظمة.
فيما يتعلق بالخبرة الاعلامية، فبعض المحللين يقولون انها لم تستخدم نفسها كامرأة لكي لا يقال انها تستجدي صوت النساء، في ظل مجتمع يرى انه لا فرق بين الرجال والنساء في الحقوق السياسية والمدنية، ولكن كما قلت فالناخب لأول مرة يذهب ليصوت بين سيئ واسوأ، ولعل هذا هو ما قلل حظوظها الانتخابية مقابل ترامب.
أليس مستغربا من شعب كالشعب الأميركي وفي العام 2016 أن ينساق وراء شعارات ترامب غير الواقعية كما تقولون؟
- هاني الشيخ: شعار كلينتون كان «معا نكون أقوى»، في اشارة الى احتواء كل الاقليات، بينما ترامب كان يتحدث بشعار «لنعد عظمة اميركا من جديد»، لذلك فإن اغلبية البيض غير المتعلمين صوتوا الى ترامب لأنهم اخذوا بشعاراته.
حسنا، هل تعتقدون أن أميركا تتجه إلى العزلة عن العالم والانشغال بنفسها، وخاصة مع رواج شعار ترامب «أميركا أولا»، وسياسته القائمة على اللامتوقع؟
- فؤاد شهاب: نحن تتحدث عن مجتمع مفتوح بعد العولمة التي بشرت بازدهار اقتصادي في كل دول العالم، وبخاصة العالم الصناعي، اليوم هذا البروز لليمين المتطرف جاء لان المؤسسة الكلاسيكية التقليدية تعيش ازمة حادة بسبب المشاكل والتحديات الاقتصادية، لذلك برز اليمين في فرنسا الذي كان يحصل على 1 في المئة في فترة الثمانينات.
السؤال الآن، هل ستستطيع الولايات المتحدة الذهاب الى الانعزالية والانكفاء الى الحمائية القومية الوطنية، اعتقد ان هذا التوجه ان حدث سوف يواجه صعوبات كبيرة، الصين مثلا هي اكثر المتضررين من خطابات ترامب؛ لان الاستثمارات الاميركية انتقلت الى السوق الصينية، 90 في المئة من الاحذية التي يلبسها الاميركان تصنع في الصين، فهل سيرجع اميركا كمصنع للعالم، واذا ما نقل هذه الاموال، هل ستقبل الصين بإلغاء اعمال 30 مليون عامل صيني في المصانع التي تنتج للولايات المتحدة الاميركية؟ ارى انه اذا ارادت الولايات المتحدة ان تظل قائدا للعالم، فلن تستطيع الا بقبول نظام عالمي متعدد الاقطاب.
اعتقد أن ما حصل في الانتخابات الاميركية تم لصالح اوروبا، علاقة اوروبا بأميركا بدأت بقوة منذ مشروع المارشال بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت اميركا اكبر قوة اقتصاديا، واميركا تحملت كل مصاريف الحرب الباردة، السؤال الذي يطرح نفسه والذي يجب ان يجيب عليه ترامب، هل سينفع الناتو اميركا الآن، اوروبا عليها ان تتضامن وتتوحد وتقترب اكثر الى روسيا، متى ما قرر ترامب الابتعاد عنها.
اليوم الوحيد الذي فرح بفوز ترامب هو بوتين، فهل يمكن لترامب ان يعيد اميركا الى العزلة، كان يتحدث عن انه لم يتبوأ اي مركز في الادارة، اليوم الواقع هو مختلف تماما، هذه الواقعية تفرض عليه سلوك دولة وليس سلوك فرد.
طيب، ألا تعتقدون أن سياسة الولايات المتحدة بعد مرحلة ترامب ستكون مختلفة عن مرحلة أوباما؟
- هاني الشيخ: خطاب ترامب كان خطاب شعبويا، واستخدامه العصبة كان واضحا، كان يثير المشاعر والعاطفة، الصورة التي تقرأ أن من تم تعيينهم هم من اليمين، وهذا قد يعطي مؤشرا على اداء حكومة ترامب المقبلة.
صناعة القرار ليس فقط في يد الرئيس الاميركي، هناك عدة اطراف تقرر في الولايات المتحدة؛ الاستخبارات الاميركية (CIA) والبنتاغون والكونجرس ومجلس الشيوخ، وطاقم المستشارين الذين يعينهم ترامب جزء من هذا القرار.
ولكن المؤشر يقول إن اميركا تتجه الى وضع يميني اكثر، كل ما تكلم فيه ترامب كان شعارات غير قابلة للتطبيق وصعبة، وكل الدراسات تشير الى انها غير قابلة للتحقق.
المعروف ان سياسة اميركا الاخيرة ادت الى توازنات اكثر استقرارا في العالم، ولكن عندما يقول ترامب انه سيعيد دراسة وجود القواعد الأميركية في العالم مثلا، فهذا سيؤدي الى اخلال بهذه التوازنات العالمية، فهل سيستطيع ترامب محاصرة تداعياتها!.
في منطقتنا العرية، تحدث ترامب عن اولوية القضاء على داعش، وذكر ان من اكبر اخطاء السياسة الأميركية اسقاط الرئيس الليبي والعراقي، وان اميركا تواجه صراعا مع القوى المتطرفة، واعطى انطباعا انه مع الاستقرار في سورية وانه يدعم محاربة روسيا للإرهاب هناك.
كلام ترامب يؤشر الى اعادة الولايات المتحدة الى الداخل وهذا يؤشر الى انه سوف يصطدم بالنخب الحاكمة هناك، اعتقد انه لا يستطيع ان ينفذ ما وعد به خلال فترة الانتخابات، مثلا هو قال في حالة فوزه قال انه سيلغي «اوباما كير» تماما، ولكن بعد فوزه قال انه سيعدل عليه وهذا يعطي مؤشرا ان ما اطلقه ترامب خلال فترة الانتخابات لن يستمر فيه اليوم وغدا.
ماذا عن الحروب، ألا ترون أن سياسة ترامب ستقود الولايات المتحدة إلى حروب جديدة؟
- احمد الخزاعي: الشعارات الفضفاضة ينساق لها البسطاء، نحن نتحدث عن 300 مليون، الجنود الأميركان اغلبهم من البيض او الجماعات المناصرة للحزب الجمهوري، وهؤلاء عندما جاءت الانتخابات قالوا انهم لن يصوتوا الى السياسة الحالية التي عانوا منها ومن حروبها، لذلك كان خيارهم ترامب.
عندما يأتي شخص ويقول ان من اتى للولايات المتحدة بشكل غير قانوني سيرحل، هذا الكلام يلقى صدى لدى الشعب الأميركي الذي يعاني بسبب السياسات الاقتصادية الحالية، ولكن اعتقد ان الكلام الذي قاله في الحملة شيء وما يجري الآن شيء ثان.
الاقتصاد والبطالة ومتوسط افرازات سوق العمل ايام او بما كانت في افضل حالات استقرارها، ايام بوش الابن كانت السوق الاميركية تفرز 125 ألف وظيفة في احسن الحالات، بينما في حالة اوباما، فهناك 225 الف وظيفة شهريا.
كلام ترامب دغدغ المشاعر لدى المواطن الاميركي، حديثه عن السلام من خلال فرض القوة، وتحفيز المصالح الأميركية، والقضاء على الفكر الارهابي، ايقاف او تعديل قوانين الهجرة من الشرق الاوسط، كلها تمثل توجها يهتم به الناخب الاميركي.
- يعقوب سليس: اليوم هناك مصطلح مفاده «العالم ما بعد الحقيقة»، اي ان الناس لا تصدق الا ما تريد تصديقه، هذا الامر شاهدناه في فوز ترامب، اي انهم كانوا يصدقون ترامب وصوتوا له حتى مع علمهم انه قد لا ينفذ ما يقوله، لأنهم ببساطة يؤمنون بما يقوله ويتمنونه.
بعد فوز ترامب واكتساح الحزب الجمهوري في الكونجرس، اشعر انه لن يكون هناك تغيير جذري في سياسات الولايات المتحدة الدولية؛ لان القرار ليس في يد شخص واحد بل في يد مؤسسة، وسياسات الولايات المتحدة لم تتغير كثيرا على مدى العقود الماضية الا في التكتيكات، وظلت الاستراتيجيات ثابتة.
داخل اميركا مع اكتساح الجمهوريين وسلطة ترامب في تعيين القضاة في المحكمة العليا التي نعتقد أن سياسات الولايات المتحدة ستكون محافظة اكثر.
أين هي إسرائيل من الانتخابات الأميركية ومن فوز ترامب؟
- فؤاد شهاب: عندما نتحدث عن اميركا، فنحن نتحدث عن دولة مؤسسات ومجتمع قائم على قوى متكافئة وعلى نظام سياسي يمنع هيمنة الاغلبية، حتى وان حصلت على اغلبية في السلطة التنفيذية والتشريعية.
السياسة الاميركية تقوم على ثابتين وركيزتين رئيسيين هما النفط وامن اسرائيل، دخول اميركا الى المنطقة جاء من خلال شركات النفط، وكانت الشركات الأميركية خلال عقدين من الزمن تمتلك نصيب الاسد من الانتاج النفطي في العالم.
اميركا هي التي عطلت التطور الديمقراطي في هذه منطقتنا، عندما اسقطت نظام مصدق، ودعمت نظام الشاه، وهي التي ساهمت الى بروز التيار الاسلامي في ايران، فلولا تدخلها لإسقاط مصدق لما برز التيار الاسلامي بقوة كما هو الآن.
الادارة الاميركية لا تختلف بحسب الرئيس، الرئيس الأميركي بوش الابن تدخل عسكريا، وسياسة اوباما واصلت الحروب الناعمة في المنطقة، ونحن ساعدناهم على ذلك، وكل ذلك يجري لصالح اسرائيل، نحن ساهمنا بمنا بإسقاط الاتحاد السوفييتي عندما شجعنا شبابنا للسفر الى افغانستان، للأسف نحن في منطقتنا العربية ساهمنا في هينة الغرب على مقدراتنا ووجودنا ومصيرنا.
فيما يتعلق بخطاب ترامب حول دول الخليج العربي، وان عليها ان تدفع ضريبة امنها، اعتقد انه لم يقرأ الملف جيدا؛ لأننا ندفع ضريبة باهظة للوجود الاميركي لدينا، المشكلة التي تحتاج الى نقاش هي متى سنستفيق نحن والعالم العربي؟ متى ما اردنا ذلك علينا الاعتماد على انفسنا اولا وليس على «الغير».
اوباما اعطى اسرائيل 38 مليار دولار قبل فترة وجيزة، ولا اعتقد أن ترامب سيعطيها اكثر، هو قال سوف انقل السفارة الى القدس، ولكنه لن يستطيع فعل ذلك، بسبب التزام اميركا لدول كثيرة بعدم القيام بهذا الامر، اعتقد ان ترامب لن يتدخل في الملف الفلسطيني كثيرا، ولكن يبقى السؤال ايضا هل يدفع هذا الاصطفاف الاميركي مع اسرائيل الفلسطينيين للتوحد فيما بينهم؟ كذلك فإن القرار الذي اتخذه الكونجرس ضد ايران لن يشكل علامة فارقة كبيرة، واعتقد انه سوف لن يلغي الاتفاق النووي معها.
ماذا عن حال دول مجلس التعاون بعد فوز ترامب، ماذا عن داعش أيضا وسورية وإيران؟
- فؤاد شهاب: دول الخليج ليست سعيدة بفوز ترامب، لأنها وضعت بيضها في سلة كلينتون، وكان يفترض ألا يضعوا بيضهم لا مع هذا ولا ذاك، لأن الدول الكبيرة تبحث عن مصالحها فقط، كنا نتمنى من اميركا بدل ان تعطينا السلاح ان تعطينا التكنولوجيا، ولكنهم كانوا يصرون على تدوير العوائد المالية النفطية، بحيث يعطونا اياها باليمين ويأخذونها في الشمال، اعتقد ان دول الخليج اكثر الدول التي تضررت بسياسات اميركا على مدى عقود.
- هاني الشيخ: بالنسبة لموقف اسرائيل من الانتخابات، فكلا المرشحين حصلا على موقف واحد من مجمع الايباك (الداعمين الأميركيين للكيان الصهيوني)، كان التنافس فيما بين الاثنين من يرضي اسرائيل اكثر، وقد كانت حظوظهما متساوية، لذلك هذا المجمع اعطى الحرية الى الناخبين للاختيار بين الاثنين.
نحن العرب كان لدينا مشكلة الضعف الداخلي الفلسطيني، اميركا لا تنظر انها مؤسسة خيرية، ما دامت القوى ضعيفة ومتصارعة فيما بينها، فعليها ان تستفيد قدر ما تستطيع من ذلك، ترامب في موضوع ايران كان يتحدث عن الغاء الاتفاق النووي، ولكنه بعد ان اكتشف تأثير القوى التي تمثل الجانب الآخر تراجع عن ذلك، بينما العرب قوى ضعيفة ومفككة، فعندما يتحدث عن دفع قيمة القواعد الأميركية ولماذا لا يقوم العراقيون والليبيون بدفع جزء من عوائدهم النفطية بعد تغيير انظمتهم الدكتاتورية، استمر ترامب في ذات المنحى والخطاب، لأنه لم يجد قوى عربية ذات تأثير.
ترامب قال انه لا يميل الى تغيير الانظمة العربية، ولكنه يريد زيادة العوائد من هذه الانظمة.
في مجمل التغييرات التي يقوم بها ترامب، علينا ان نتذكر ان الحروب التي قامت بها اميركا كلها جاءت عن طريق الجمهوريين، وترامب على يمين الجمهوريين، هو يتحدث عن خلخلة في التوازنات، ولكن كيف ستكون ردود فعل ترامب امام اي متغير طارئ في العالم، نحن نستقرئ ان التنبؤات تشير الى انه قد لا يكون مختلفا تماما عن السياسة الاميركية القائمة حاليا.
ترامب يقول انه يدعم المشروع الروسي في سورية، انه لا يوجد سبب لبقاء اميركا في حماية اوروبا، وانه يمكن توطيد العلاقات مع روسيا اكثر، هذه كلها تصريحات جاءت خلال فترة الانتخابات، وعلينا اليوم ان نستمع الى المواقف الجديدة، ونرى مدى مطابقتها تصريحات ترامب خلال الانتخابات.
- فؤاد شهاب: في السابق لم يكن لدول الخليج خيارات كثيرة في علاقتها مع الغرب، ولكن الواقع اليوم مختلف، فهل ستخضع دول الخليج لابتزازات ترامب!
ترامب لن يقدم على اي حرب مباشرة، لأنها مكلفة جدا، ولن يخاطر بإرسال جنود أميركان إلى الخارج، وبالنسبة لنا في الخليج فما دفعناه في فترة اوباما اكثر مما دفعه العالم العربي في عهد حروب بوش.
لماذا غازل ترامب روسيا! هل حدد هدفه ان تكون الصين هدف المواجهة الجديد! هذه كلها اسئلة نحتاج ان نثيرها في الفترة القريبة المقبلة، أما أنا فرأيي أن كل رئيس يأتي ليكمل ما بدأه الاولون ولكن بطريقة مختلفة.
- يعقوب سليس: في اول مقابلة بعد فوز ترامب، صرح ان اهم انجاز في رئاسته المقبلة هو ان يحقق السلام بين الفلسطيني والكيان الصهيوني، ولكن علينا ان نقرأ ان الحزب الجمهوري في الصيف الماضي خلال حملته الانتخابية التي ادت لاختيار ترامب ممثلا عن الحزب، كان يرفع شعار الغاء حل الدولتين والبقاء على دولة اسرائيل كدولة وحيدة في فلسطين.
نائب الرئيس المقبل صرح في اكثر من مقابلة بالدعم لمطلق للكيان الصهيوني، وهذا امر غير مستغرب لأي رئيس او نائب رئيس اميركي.
ما يتعلق بنا داخل الخليج العربي، قد تكون السياسة الاميركية الجديدة دافعا اكثر لنا نحو الاتحاد الخليجي، هو حلم موجود منذ الاربعينات، ومع بروز مجلس التعاون الخليجي في الثمانينات من القرن الماضي بات هذا المطلب اكثر قدرة على ان يرى النور، وخاصة مع بروز كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، بأنه حان وقت الانتقال الى الاتحاد الخليجي.
اعتقد ان الفترة المقبلة سوف تحسم وجود داعش في ظل وجود ترامب في حكم الولايات المتحدة الاميركية.
ما نتوقعه عن ترامب هو غير المتوقع؛ لأنه شخص اندفاعي، وحتى في المقابلات كان يتحدث بطريقة غير متوقعة وغيد مدروسة.
العدد 5218 - الإثنين 19 ديسمبر 2016م الموافق 19 ربيع الاول 1438هـ