العدد 5217 - الأحد 18 ديسمبر 2016م الموافق 18 ربيع الاول 1438هـ

الأوطان... العصية على التعريف

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

الأوطان ذخيرتنا الحية من الحب. بحارنا التي لا تغرقنا إلا شوقاً كلما ابتعدنا عنها. وحنينا حين تقع أعيننا على صورها في بطاقات البريد وعلى أغلفة الكتب. هي أحلامنا القادمة وذاكرتنا الفائضة بالسلام.

في الأوطان نتماهى والتربة، نسمو وأصوات موسيقى النشيد الوطني تغني تقديسا للوطن. يستبد بنا الحماس ونحن نرى الأعلام ترفرف عالياً مع كل هبة نسيم على أرضنا أو في غربة أو منفى.

هي ليست قوالب نعيش بداخلها. هي التربة والهواء والنخيل والبحر والخضرة والوجوه والمشاعر والذاكرة وأصوات من نحب وقلوب طالما احتوتنا وربتت على قلوبنا. هي الأرواح الهائمة في سماء بلادنا وهي ترفرف وتحرس آمالنا وحلمنا بالجميل القادم. صلوات أمهاتنا وأدعيتهن وهن يتلونها من ورائنا فجراً وفي آخر الليل. هي ضحكات الأطفال تستقبلنا بعد غياب، وابتسامة أب يخفي وراءها قلقاً عظيما على المستقبل.

تبقى الأوطان في الوجدان أوطاناً، لا تنقص محبتها ولا يتحجر ضدها قلب.

يرسمها الأطفال ملونة مزدهرة لا تخلو من الورود، تماماً كما هو الواقع الذي لا يحمل لونا واحداً وعرقا واحداً وطائفة واحدة ودينا واحداً وفكراً واحداً. لا تحلو الأوطان إلا وهي ترتسم منمنمات تتلون بألوان مواطنيها واختلافهم. وكأنهم اتفقوا على شيء واحد وهو ولاؤهم لها ومحبتهم الوارفة لكل ما يخصها.

يقول محمود درويش: «ما هو الوطن؟ هو الشوق إلى الموت من أجل أن تعيد الحق والأرض. ليس الوطن أرضا. ولكنه الأرض والحق معا. الحق معك، والأرض معهم».

ويقول: «ما هو الوطن؟ ليس سؤالا تجيب عليه وتمضي، إنه حياتك وقضيتك معاً».

فمن يستطيع وضع تعريف للجمال أو السعادة أو الحب أو الوطن وهو يجمع كل ذاك؟

من يقدر على قولبة وطنه؟ أو تحديد جغرافيته بشكل ثلاثي الأبعاد أو حتى سباعي، وهو العصي على التعريف والتحديد؟

هي أوطاننا في الشدة والسعة. أوطاننا التي لا يمكننا تبديلها أو انتزاع عشقها من دمائنا حتى بتنا لا نقدر إلا أن نبتسم كلما شاهدنا أضواءها ليلا ونحن عائدون من سفر أو غربة، ونتنهد حين تلامس شمسها عيوننا ونحن الذين لنا معها ألف ذكرى وألف نبض.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5217 - الأحد 18 ديسمبر 2016م الموافق 18 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً