أكد مشاركون في منتدى عبدالرحمن النعيمي الفكري أن الظاهرةَ الطائفيةَ تحولت من ظاهرةٍ إلى واقعِ اصطفافٍ وانشطارٍ واحتقانٍ طائفيٍّ، كمقدماتٍ للمرحلة الراهنةِ التي وصلت إلى «الاحترابِ الطائفيِّ والاثنيِّ والعرقيّ» في بعضِ الدولِ العربيةِ كالعراقِ واليمنِ وسورية وليبيا، واحتقانٍ طائفيٍّ ومذهبيٍّ وعرقيٍّ يزداد سوءًا وخطورةً في بلدانَ عربيةٍ أخرى، إذ تهيمن الهوياتُ الفرعيةُ على الصراعِ من القبليةِ والمناطقية، كما في ليبيا، ما سيؤدي إلى تفتيتِ وانشطارِ الدولةِ الوطنيةِ العربيةِ بغضِّ النظرِ عن مضمونِها الاجتماعيِّ والسياسي.
وعُقد المنتدى في دورته الرابعةِ بفندق جولدن توليب في العاصمة اللبنانية (بيروت)، وذلك يوم الجمعة الماضي (16 ديسمبر/ كانون الأول 2016)، تحت عنوان «الاحترابُ الطائفيُّ ومستقبلُ الدولةِ الوطنيةِ في العالمِ العربي».
وفي ورقته بشأن «الجذر التاريخي للمشكل الطائفي: انعدام الإجماع الوطني»، قال المفكر والباحث توفيق السيف: «الانقسام الطائفي المشهود في العالم العربي اليوم، هو الوجه الظاهر لعلة متأصل في بنية المجتمع العربي، تتمثل في تحول التنوع الطبيعي الذي يوجد في كل مجتمع، إلى انقسام محدد وراسخ في بنية المجتمع».
وأضاف «هذا الانقسام هو العامل العميق الذي تظهر مفاعيله بصور جلية في ظروف التأزم، فيلبس الرداء الديني في بلد والمذهبي في آخر والطائفي أو العرقي أو القبلي في غيرها».
وواصل «فيما مضى، عاشت المجتمعات العربية نوعاً من الإجماع النسبي، تمثل في تقبل المجتمع للدولة بكل سيئاتها وحسناتها، دون طموح للمشاركة في القرار. وهذه حالة الدول القديمة جميعاً. والتحديث الاقتصادي وانفتاح المجتمعات العربية على أسواق العالم أدى إلى تفكك الإجماع القديم، وسمح بظهور ثقافة جديدة وطبقات اجتماعية جديدة، ما أوجد حاجة إلى إعادة صياغة الإجماع الوطني، على أسس تستجيب للتحولات التي جرت في هذه المجتمعات وفي محيطها والعالم».
إلا أنه استدرك بالقول «حكوماتنا لم تدرك أهمية هذه الحاجة أو ربما تغافلت عنها. وعندما واجهتها تحديات داخلية أو خارجية، عالجت مصادر الخطر فيها بتحويل الروابط التقليدية السابقة للدولة إلى بطاقات دخول تجاه عالم الفرص والامتيازات التي تتوافر في مؤسسة الدولة أو عبرها. أو على العكس: بطاقة خروج للانتقال إلى الهامش، الأمر الذي شحن الهويات الفرعية بمضمون سياسي (موالاة / معارضة)، وأدى مع مرور الزمن إلى تجويف الهوية الوطنية وتقسيم الاجتماع السياسي إلى دوائر شبه مقفلة تعرف بهوياتها السابقة للدولة».
واعتبر السيف أن العلاج الوحيد للانقسام وتمظهراته المختلفة يكمن في إعادة بناء الإجماع الوطني على أرضية جديدة. تتألف من 3 عناصر رئيسية، هي: الانطلاق من مبدأ شراكة جميع المواطنين في ملكية تراب وطنهم باعتبارها المصدر الذي تستمد منه حقوقهم المدنية، وسيادة القانون، كضمان للمساواة والشفافية، وتمتع المواطنين بحقوقهم، والنظام الديمقراطي كوسيلة لإدارة الاختلافات ونزاعات المصالح.
وأشار إلى أنه حين تذكر كلمة «الطائفية» في العالم العربي في أيامنا هذه، فان الذي يتبادر إلى الذهن في الوهلة الأولى هو الانقسام الحاصل بين الشيعة والسنة، وأنه كتب وقيل الكثير في وصف هذا الانقسام، حتى أصبح التعبير قرينا بالمجتمعات التي تتألف من اتباع المذهبين.
إلا أن السيف يرى أن الوصف الديني/ المذهبي مجرد عنوان أو رداء خارجي مضاف لحقيقة أعمق، جوهرها انعدام الإجماع الوطني، الذي يصعب التعبير عنه في عنوان محدد، ولهذا يحتاج إلى «تلبيسة» مما يألفه الناس فيتقبلونه.
وقال: «انعدام الإجماع الوطني هو الذي تسبب في تمزق ليبيا وانزلاقها إلى حرب أهلية لاتزال مشتعلة منذ 2011، وهو سبب بروز الامازيغية كهوية متعارضة مع العروبة في الجزائر، وهو الذي قاد إلى انفصال جنوب السودان، وهو الذي يبرر محاولة أكراد العراق التحول من كيان فيدرالي إلى دولة مستقلة، وهو الذي يبرر دعوة فريق من سكان جنوب اليمن إلى ما يسمونه «فك الارتباط»؛ أي انفصال جنوب اليمن عن شماله، ومثله النزاع العرقي في موريتانيا، وهذا هو جوهر المشكلة الطائفية في مصر وسورية ولبنان ومعظم البلدان العربية الأخرى».
وأضاف «في معظم البلدان التي سردت أسماءها لا يوجد نزاع شيعي- سني كما هو الحال في العراق والخليج مثلاً. لكن الانقسام الحاصل هناك لا يختلف من حيث التعبيرات والأسباب عما نشهده هنا».
إلا أنه أكد أيضا أن نفي الجوهر الديني/ المذهبي للانقسام أو تقليل أهميته، لا يعني أبداً ولا ينبغي أن يفهم كإنكار للعامل الديني/ المذهبي في النزاع، وأن المقصود بشكل محدد هو البحث عن العوامل التي تشكل ما يسميه أهل المنطق بالعلة الكاملة، أي السبب الذي يكفي بذاته لجعل التنازع احتمالاً قوياً، سواء لبس النزاع رداء دينيا أو قبلياً أو طبقياً أو إثنياً أو غيره، وسواء تجسد في صراع مسلح أو توقف عند حدود انفصال الطرفين أو الأطراف المتنازعة وانكفائها على نفسها.
أما المفكر والباحث عبدالحسين شعبان، فأكد أن المعطيات المتوافرة حاليا تؤكد ارتفاع وتيرة التعصّب والتطرّف والعنف والإرهاب في المنطقة خلال العقد الماضي، ولا سيّما بعد اندلاع موجة ما سمّي بـ«الربيع العربي» والفوضى التي أعقبته، وخصوصاً بتدهور هيبة الدولة، وبالأخص بعد احتلال داعش للرقة وتمدّدها باتجاه العراق، واحتلالها الموصل (ثاني أكبر محافظة عراقية)، إذْ يبلغ عدد سكانها نحو 4 ملايين نسمة، وقضاء الموصل لوحده يضم مليون وسبعمئة ألف نسمة.
وقال: «هكذا فتح داعش مع ارتفاع منسوب الاستقطاب والتداخل الدولي والإقليمي السبيل لرسم خرائط جديدة للمنطقة، الأمر الذي يطرح احتمالين أساسيين».
ويتمثل الاحتمال الأول - بحسب شعبان - في إعادة ترتيب أوضاع المنطقة بعد الانتهاء من طرد داعش، واستعادة لحمة الدولة الوطنية في العراق وسورية وبقية البلدان التي تعاني من الاحتراب الداخلي، مثل ليبيا واليمن، بفتح آفاق لتسوية تاريخية توافقية، وهذا يعني عدم قدرة جميع الأطراف من تحقيق انتصارات ساحقة أو إلحاق هزائم ماحقة بالآخر.
والاحتمال الثاني، هو أن تتمسَّك الأطراف المتصارعة بمواقعها، وأن يعود الغرماء إلى التشدّد أكثر من قبل، وأن الخرائط الجديدة سترسم بالدم.
وذكر شعبان أن سيناريو التفتيت، وخصوصاً فيما إذا تم القضاء على داعش، وبعد تحرير الموصل، قد يؤدي إلى تنازعات على السلطة، وإلى حروب أهلية مصغّرة محلية، وليس بالضرورة أن تكون بين الشيعية السياسية والسنية السياسية، بل داخل السنيّة السياسية ذاتها، وداخل الشيعية السياسية باختلاف جماعاتها، وداخل الإقليم الكردستاني (بين إربيل والسليمانية)، وذلك للاستحواذ على مقاليد السّلطة والنفوذ والمال، وخصوصاً في ظل غياب جهد وطني عام لإعادة بناء الدولة وترسيخ كيانياتها القائمة على المواطنة وسيادة القانون، وإرساء قواعد اللعبة الديمقراطية على نحو صحيح.
وعلى عكس سيناريو استمرار الحال، وسيناريو التفتت هناك سيناريو التوحيد وتحسّن الحال، وهذا يتطلّب توفّر إرادة سياسية ووعي لخطوة ما حصل وما يمكن أن يحصل من تفتيت الدولة الوطنية وضبابية مستقبلها، ناهيك عن تعطّل خطط التنمية والإصلاح، وفقا لشعبان، الذي ختم حديثه قائلا: «لعلّ مثل هذا السيناريو يحتاج إلى مقدمة ضرورية تبدأ بالحوار دون شروط لتحقيق المصالحة الوطنية والسياسية والمجتمعية لتأخذ شكلها القانوني، على أساس المشاركة والعيش المشترك. وهنا تأتي مسئولية النخب في بلورة المستقبل لمواجهة التحدّيات الجديدة».
أما الكاتب والمفكر خالد غزال، فتطرق إلى مستقبل الدولة الوطنية في العالم العربي، وقال: «إذا كانت العناصر الداخلية هي العامل الحاسم في قراءة ما يدور في المنطقة، ويحدد المستقبل، فإن كثيرين من علماء السياسة يطرحون موضوع مستقبل الدولة الوطنية بشكل عام، وليس في العالم العربي فقط، استنادًا إلى دور العولمة في الميدان السياسي، وتأثيرها على موقع الدولة القومية نفسها، إذ صدرت مؤلفات كثيرة تبشر بانتهاء دور هذه الدولة لصالح عالم أوسع لا يعود للحدود الجغرافية فيه من قيمة».
وأردف «على رغم أن العولمة اكتسحت الحدود القومية وفتحت العالم على بعضه وحولته إلى قرية صغيرة عبر إلغاء الزمان والمكان إلى حد بعيد، وعلى رغم أن وسائل الاتصال وكل ما هو متعلق بالثورة التكنولوجية قد اخترق المجتمعات وبات يتحكم في تكوين الذهنيات، وعلى رغم الدور الكاسح للشركات العابرة للقارات وسيطرتها على الأسواق العالمية، وإلحاق الأسواق المحلية بمنظومتها، على رغم ذلك كله، فإن العالم يشهد ردة فعل قوية على إلغاء الخصوصيات الاجتماعية والثقافية، وتشويه الهوية والمس بها».
وأشار غزال إلى أن حدود دول المنطقة لم ترسم انطلاقاً من رغبات شعوبها واتفاقات بين مجموعاتها المتكونة منها، وأن رسم الحدود كان بقرارات دولية باتت مكرسة في منظومة الأمم المتحدة، ولها حصانتها الإقليمية والدولية، معتبرا أن الإبقاء على الحدود لا يعني حماية الداخل من التفكك والانقسام والتقسيم نتيجة تصارع القوى المحلية، وهو ما تدور حوله اليوم حروب في أكثر من مكان تتجلبب بانفجار الطوائف والإثنيات وسائر مكونات المحتمع.
وذكر أنه من الصعب الحديث عن مستقبل الدولة الوطنية في العالم العربي من دون العودة الى الماضي المتصل بتشكل هذه الدول والقواعد التي حكمت قيامها، مرورًا بقراءة هذه الدولة في مرحلة التوحيد الداخلي ومعضلات نهوضها واستقرارها، ثم قراءة مرحلة التراجع في موقع الدولة الوطنية بعد انهيار المشروع النهضوي بحدوده المعروفة وخصوصاً في أعقاب هزيمة حزيران 1967، وصولاً إلى مرحلة الانفجار الذي تشهده بعض هذه الدول منذ أكثر من 5 سنوات، في أسبابه وتعبيراته.
وواصل «في ضوء معطيات الماضي والحاضر هذه يمكن الحديث عن مستقبل الدولة الوطنية في العالم العربي، بشروطه ومقوماته وتحدياته وصعوباته، من دون أن يقع الباحث في العدمية أو من دون أن تأخذه الحماسة التفاؤلية فيقع في التضخيم».
وأضاف «تجنح قوى سياسية وقراءات فكرية في تفسير الاضطرابات الداخلية التي تشهدها الدول العربية إلى تحميل اسرائيل والمشروع الأميركي المهيمن مسئولية هذا الخلل في مجتمعاتنا. لا أحد ينكر الدور الذي لعبته اسرائيل ولاتزال في عدم استقرار المنطقة العربية، كما لا أحد إلاّ ويأخذ في الاعتبار السياسات الاستعمارية للغرب في التدخل في شئون البلدان العربية ونهب ثرواتها وتكريس نظم وحكام تابعين لها».
واستدرك «يجب القول، ان الداخل وتطوراته وتناقضات المجتمع والسياسات المتبعة على مختلف الصعد، تظل العنصر المقرر في مسار أي دولة من الدول. يصعب على الخارج أن يمارس تأثيره التدميري للبنى الاجتماعية والسياسية من دون أن يجد الممرات الداخلية اللازمة لهذا التدخل والتأثير، وهو أمر يمكن ملاحظته في كل بلد عربي من دون استثناء».
وجاء في ورقة لمعهد المشرق للدراسات الجيوسياسية في الأردن، والتي أعدها كل من عصام السعدي وأسامة عكنان، أنه ليست هناك مسألة أكثر إثارة للجدل المُقلِق من «الطائفية»، وليس هناك من هم أكثر بلبلة وإرباكا لواقعنا العربي المعاصر من «الطائفيين»، ولكن وعلى الرغم من عمق هذه المسألة وكثرة دعاتها والمنخرطين في جحيمها، فإنها ماتزال قضية عصيَّة على التشخيص الدقيق من قبل الدارسين والمتابعين لها؛ لأنها مرتبطة بالكثير من المتعلقات، وتتحرَّك في عوالم أخطبوطية من الحيثيات.
وذكرت الورقة أن الدين ليس طائفيا، والمذهب ليس طائفيا، وأن الانتماء لمذهب والانتماء لدين عن وعي، وخصوصا عند أوائل من أسسوا هذا الدين أو كانوا معه لا يُعَدُّ طائفية، بل هو يُعَدُّ إيمانا حتى لو أدى في بعض المراحل إلى ما نسميه حروبا دينية، ولكن الطائفية تأتي لاحقا، وذلك عندما يبدأ الانتماء يتحول من الدين أو المذهب إلى الجماعة التي ينتشر في صفوفها الدين أو المذهب.
وأشار إلى أن الطائفية لا تعبِّر عن نفسها الاستعلائية إلا من خلال متجسَّد سياسي يملك الطائفة ادوات النبذ والإقصاء والاستعلاء على الآخر الديني أو المذهبي أو الطائفي والتحكم فيه، وأن الحديث عن «الطائفية» كظاهرة استعلائية إقصائية، فإن ذلك يعني الحديث عن كل نزعة سلطوية وعصبية وفئوية تستغل الدين من أجل التعبئة والنفوذ السياسيين، وبالتالي هي بعيدة عن القيم الروحية والمثل الدينية وتعاليمهما، لأنها نوع من التحزُّب السياسي لأغراض دنيوية، وهي تُسَخِّر الدين وتستغِلُّه من أجل تحقيق أهدافها وبرامجها السياسية الخاصة.
وأشارت الورقة إلى أن المعنى السلبي للطائفية، يرتبط بـ «التعصب الطائفي» وبما ينجم عنه من أوهام وانحرافات تضاف إليها تأثيرات خارجية مرتبطة بمصالح سياسية خاصة، وهو اتجاه سلبي في معنى الطائفية يعمِّق الشحن والتوتر الطائفي في المجتمع، وما يرافقه من إلغاء للآخر، فتتحوَّل «الطائفية» إلى شكل من أشكال العنصرية، وأن من أخطار تداعيات هذا المعنى للطائفية، تنامي ظاهرة التكفير والاستخفاف بدم الآخر وبممتلكاته ومقدساته.
أما الكاتب والباحث وليد نويهض فعقب على ورقة السعدي بالقول «الطائفة هي مزيج مركّب من شبكة علاقات أفقيّة وهرميّة، يتداخل فيها الديني بالعرقي باللوني بالجهوي في جبهة عريضة تعطي هوية محددة لفئة معيّنة تعيش في مكان جغرافي واضح المعالم أو تنتشر في أمكنة موزّعة على أراضٍ تخترق حدود الوطن الواحد أو اللغة الواحدة أو الثقافة الواحدة».
وأوضح أن المذهبيّة زمنيًّا أقدم من الطائفيّة، وهي تتّصل مباشرة بالاجتهاد الديني والتفسيرات والشروحات التي اختلف عليها الأئمة والفقهاء في قراءة النص المُنزل، وأن المذهبيّة مسألة قانونية تأسست على التأويل واستخرجت من النص القرآني اجتهادات استنباطيّة أو استقرائيّة فقهية، تعتمد على منهج القياس لاستخلاص منظومة مفاهيم قضائيّة تستخدم في المحاكم الشرعية لحسم الخلافات التي تنشأ بين أصحاب المذهب الواحد.
فيما أشار نويهض إلى أن الطائفيّة على عكس المذهبيّة، فهي أقرب إلى الكتلة البشرية المجتمعة سياسيًّا على مصالح مشتركة قد تتعدّل وتتغيّر بحسب الظروف الزمنيّة. لذلك تعتبر اجتماعيًّا هيئة عامة ترتكز على عصبيّات عائليّة وعشائريّة وقِبليّة يوحّدها جهاز عفوي وغير منظّم مؤسساتيًّا. وقال: «إنها قوة لزجة، ولكنها في لحظات التوتر تمتلك قدرة على التعبئة والاستنفار، ما يسمح لها بأن تتوحد نسبيًّا لمواجهة خصم طائفي أو للدفاع عن حقوق ومصالح الطائفة».
وأضاف «كانت الطائفيّة إحدى البدائل في مرحلة ضياع الهويّة الدينيّة أو القوميّة. وبوصفها تشكيلا اجتماعيا هلاميا وغير طبقي تتداخل فيه الفئات في كتلة بشريّة متنوعة المهن والحِرَف يجتمع في إطاره المموّه المتديّن وغير المؤمن والمتعلم والأميّ في بوتقة ثقافية وهميّة متعددة في نمط سلوكها اليومي».
وتابع «بسبب مرونة الطائفيّة كانت ملتصقة إيديولوجيًّا بالواقع المفكك والمتشرذم والمبعثر على هويات ضيّقة متنافرة، ومتنافسة على الكسب المباشر… وبهذا المعنى كانت تعبّر عن الانقسامات أكثر من غيرها من هيئات وتنظيمات. ولأنّ الطائفيّة هي الأقرب إلى نتوءات الواقع كانت الأكثر قدرة على شدّ الكل إلى الجزء وجعله يدور في فلك يتمدد ويتقلّص كالمطاط من دون حدود واضحة المعالم».
وأشار نويهض إلى أن الطائفيّة في بنيتها الثقافية سابقة على الطائفيّة السياسيّة، فهي الأساس الذي قامت عليه المشاريع الضيّقة وصراع المصالح المحليّة، وأن الطائفة في جانبها الثقافي المموّه شكّلت قوة دفع إيديولوجية قادت الجماعة المحددة إلى تكوين وجهات نظر سياسيّة التبس فيها الواقعي بالوهمي، وتحولت مع الوقت إلى رافعة عصبيّة ترسم حدود هويّة غامضة تتحرك ضمن قنوات طبيعيّة وعفويّة تتحكم بها آليات تمزج الوعي باللاوعي والشعور باللاشعور والموروث بالمستجد والصحيح بالكاذب لتصبح في النهاية منظومة هلامية مركّبة تخضع لزعامات محليّة تقرّر بالنيابة عن الجماعة المفترضة مصالح الطائفة وحقوقها.
وختم نويهض ورقته بالقول «جاءت المذهبيّة-العقائديّة في أوروبا في لحظة صعود القارة في القرون الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر، فأخذ الجزء يطوف في دائرة الكل. بينما ظهرت الطائفيّة -السياسيّة في المشرق العربي على حساب المذهبيّة- القانونيّة بعد انفراط عقد المِلَل والنِحل وانهيار السلطة المركزيّة وتشرذم الكل إلى أجزاء في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين».
العدد 5217 - الأحد 18 ديسمبر 2016م الموافق 18 ربيع الاول 1438هـ
الظاهرةالطائفية في سوريا والعراق واليمن وليبيا أوجدتها ودعمتها دول بالمال والسلاح والإرهابيين والإعلام الكاذب المزيف من أجل أهداف سياسية بأسم الدين لكي تنجح هذه الأهداف ولكن الله لهم بالمرصاد لن يتمكنوا من ذلك
كم هي جميلة عبارات المثقفين اللتي لا تسمن و لا تغني من جوع.