العدد 34 - الأربعاء 09 أكتوبر 2002م الموافق 02 شعبان 1423هـ

الحقيقة أقوى من المخيلة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مضى عام على الحرب الاميركية على افغانستان. آنذاك كان العالم في لحظة اندهاش مما حصل في نيويورك وواشنطن، وكانت اميركا لاتزال تعيش حالات الذهول مما حصل. وادارة البيت الابيض لا تعرف من ضربها وكيف ولماذا؟ فالحقيقة كانت اقوى من الخيال.

كان السؤال: من هو الطرف الذي خطط لضربة 11 سبتمبر/ ايلول؟ وحتى يعرف المخطط لابد من الاشارة إلى هوية المنفذ.

إلا ان الجواب السياسي لا يتطابق دائما، وبالضرورة، مع المعلومات الاستخباراتية. أحيانا هوية المنفذ لا تشير إلى هوية المخطط. والمخطط في حادث كارثي مدمر، كما حصل في مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون، لابد ان يكون على مستوى متقدم من الوعي السياسي والتطور التقني والدقة المتناهية في قراءة مواقيت الإقلاع والهبوط، والتحكم في الأجهزة واختيار الاهداف والتحايل على أنظمة الرقابة والمراقبة. ما حصل كان أقوى من قدرة المخيلة على التصور.

كان السؤال الذي أربك العالم: هل من المعقول ان تكون قبيلة البشتون (حكم طالبان) هي وراء هذا المستوى الرفيع من التنظيم والتخطيط؟ والسؤال الثاني: هل من المنطقي ان يُقْدِم تنظيم «القاعدة» على هذا النوع من المغامرة الدولية من دون ان يحسب حسابات ردة فعل «الجبار» وقدراته غير المحدودة وإمكاناته الهائلة.

وبسبب غموض الاجوبة كان لا بد أن تظهر فرضيات هي اقرب إلى ذهنية «المؤامرات» التي ترى في الحدث الواحد اكثر من تفسير.

وبما ان حادث 11 سبتمبر اقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، لم يصدق المحللون كل الروايات والمعلومات والصور والإثباتات والوقائع والبيانات التي قدمتها الولايات المتحدة لاثبات التهمة على البشتون (حركة طالبان) او على تنظيم متهالك سياسيا مثل (القاعدة).

آنذاك تعاطف العالم مع الولايات المتحدة، حتى تلك الدول المشهورة بكراهيتها للنظام الاميركي اضطرت مرارا إلى تكرار ادانتها لما حصل ورفضها استخدام هذه الاساليب في مقارعة «العدو الامبريالي».

الا ان هذا العالم انقسم على تحديد الطرف المسئول عن هجمات 11 سبتمبر. البعض شكك في اختيار اجهزة الأمن الاميركية الاسماء العربية من ضمن ركاب الطائرات الاربع ولصق التهمة بها من دون تمييز بين «مجرم» او مسافر كان ضمن الركاب وهذا امر يحصل يوميا. وأورد هذا الفريق اسماء كثيرة كانت بين المسافرين من دول اوروبا الشرقية (حلف وارسو) مثالا للدلالة على وجود اكثر من طرف وراء التخطيط او تنفيذ الجريمة.

البعض اشار إلى احتمال ان تكون جهات صربية اشرفت على التخطيط بالتعاون مع اجهزة مخابرات اوروبية شرقية للانتقام من اعتقال زعيم الصرب واحالته على المحاكمة.

البعض اشار إلى ان بقايا اجهزة تابعة للمخابرات السوفياتية سابقا رفضت الاستسلام السهل لزعامة البيت الابيض والاهانات اليومية التي يسددها الغرب (وتحديدا اميركا) ضد التجربة الاشتراكية الفاشلة.

كل هذا قيل وأشير اليه لطرح احتمالات تفتح التحقيقات على وجود جهات متعددة ومتفقة على تسديد لكمة موجعة للولايات المتحدة. حتى قيل انه ليس بالضرورة دائما ان يكون المنفذ هو المخطط نفسه. المنفذ هو الجهة المكشوفة بينما المخطط هو الفاعل الحقيقي الذي يقف وراء الستار وربما لا ينتمي إلى اللون والعقيدة والهوية التي ينتمي اليها المنفذ.

الا ان كل تلك الاسئلة والاجوبة طُرحت جانبا. فالولايات المتحدة كانت تغلي كالمرجل والادارة لا تستطيع تأجيل الرد (الثأر الانتقامي) حتى اكتمال عناصر التحقيق وتحديد المسئولية. كان لابد من الرد. كان لابد من الحرب وبأي ثمن لامتصاص الهياج الذي اصاب الشارع الاميركي وأحدث صدمة أذهلت كل الناس. اذ كيف يعقل ان يُضرب البنتاغون من قبل قبيلة متخلفة ومتحجرة. وكيف يعقل ان ينجح «التخلف» في التسلل والاحتيال على كل اجهزة المراقبة والتنصت ويهبط بطائرة فوق مبنى يقال انه يراقب العالم ويحصي انفاسه.

كان لابد من الحرب لرد الاعتبار وتغطية الاهانة واسكات الاصوات التي بدأت تطرح علامات استفهام عن مسئولية الامن الداخلي وضعف الاجهزة في حفظ أمن المواطن.

كان لابد من الرد حتى لا يكبر السؤال الداخلي وتبدأ محاسبة المسئولين عن الامن الاميركي. فالهجوم على الخارج هو الوسيلة الفضلى لتغطية مشكلة داخلية كادت تكبر لو لم تبدأ الحرب على دولة تعتبر اكثر دول العالم تخلفا.

الحرب هنا كانت ضرورة وليس مهما وجود اثباتات وأدلة دامغة. فهي حاجة اميركية داخلية لتغطية فضيحة الفضائح وهي: البشتون انتصرت على ارقى اجهزة الكمبيوتر والتنصت والمراقبة في العالم.

فهل هذا الامر حقيقة ام مجرد خيال؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 34 - الأربعاء 09 أكتوبر 2002م الموافق 02 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً