الاعلان عن مساندة عظمة الملك للمهرجان الوطني الاول لتأسيس هيئة الاتحاد الوطني الذي تنظمه عدد من الجمعيات السياسية مساء اليوم يعتبر مبادرة هامة تؤكد مبادرته في ديسمبر / كانون الاول الماضي الداعية لاعادة فهم التاريخ كجزء متكامل من تراث الامة.
لقد مثلت حركة الهيئة رمزية وطنية كبرى. فبداياتها كانت تحرك النخبة من التجار والمثقفين البحرينيين لمواجهة فتنة طائفية انفجرت في 1953. ثم تطور عمل النخبة لحل مشكلة التأمين على السيارات وأسسوا بذلك صندوق التعويضات. ثم تطور الوضع إلى التضامن والدفاع عن بعضهم الآخر عندما سحبت الحكومة جنسية عبدالرحمن الباكر. هذه السلسلة من الحوادث كان بالإمكان أن تمر مرور الكرام، لولا أن شعور النخبة المثقفة والتجار وعلماء الدين آنذاك بالدور الذي يستطيعون القيام به مجتمعين وهو ما دفع باتجاه تأسيس الهيئة التنفيذية العليا، والتي تغير اسمها إلى هيئة الاتحاد الوطني عندما حصلت على الاعتراف الرسمي.
الهيئة ذاتها تكونت قيادتها من ثمانية أشخاص، نصفهم من السنة والنصف الآخر من الشيعة. والهيئة كبر حجمها بسرعة مما أدى إلى أن تلجأ إلى تعزيز قدراتها بأجهزة كثيرة شملت فرقة كشافة، التي كانت بالفعل جهاز شرطة موازيا لجهاز الشرطة الرسمي.
غير أن نجاحات الهيئة لم تتواصل لأسباب ذاتية قبل أن يتم الهجوم عليها لحلها لاحقا. فالعدد الكبير من منتسبي الهيئة حوّلها من حزب سياسي يطالب بالإصلاحات إلى حكومة أخرى تمارس أدوارا مختلفة شملت، كما ذكرنا، فرقة أشبه ما تكون بالشرطة. كما أن ضخامتها أدت إلى شللها إذ لم تتمكن قيادة الهيئة من إدارة الحوادث وتوجيه النشاطات عندما تحصل أي تعقيدات متوقعة في أي عمل سياسي. إضافة إلى ذلك فإن عملية اتخاذ القرارات لم تكن واضحة المعالم واعتمدت على كاريزما عبدالرحمن الباكر الذي كانت قدراته تفوق الآخرين، وكانت القرارات والأعمال تتعطل إذا لم يكن موجودا.
قياديو الهيئة لم يكونوا متوافقين على الخطوط التفصيلية وكان عدد منهم عرضة للإشاعات التي كانت تحرِّك الساحة يمنة ويسرة. بل إن خلافات حادة ظهرت بين قيادات الهيئة لم يتمكنوا من حلها لأنهم كانوا مشغولين بمشكلات أكبر وعبء الأمة كله كان على عواتقهم.
أضف إلى ذلك أن الهيئة كانت لديها أهداف معتدلة وواضحة وأساليب سلمية معلنة ومعتمدة، إلا أن هناك أهدافا أخرى تدخل على الخط ولا يمكن للهيئة وقياداتها التغاضي عنها.
وعلى سبيل المثال، فإن حوادث مصر كانت تنعكس بصورة مباشرة على الوضع الداخلي البحريني. فمصر كانت في صراع مع بريطانيا، والشعب البحريني كان يقف مع مصر وعبدالناصر ضد بريطانيا. وقادة الهيئة كانوا كذلك مع مصر وعبدالناصر، وكانت قياداتهم تسافر إلى مصر ولبنان وتلتقي رموز التحرك القومي العربي وتصرح أثناء سفرها بتصريحات قومية مضادة لبريطانيا، ثم تعود إلى البحرين وتطلب اللقاء مع الحكومة ومع المعتمد والمستشار البريطانيين للحوار معهم حول الشئون الداخلية.
والبريطانيون كانوا يتعاطفون مع بعض مطالب الهيئة ولكنهم أيضا يغلِّبون مصالحهم الكبرى وبالتالي حاربوا الهيئة وساندوا قمعها عبر إنزال الجيش البريطاني لاحقا.
الشعب البحريني كان يتحرك للمطالبة بحقوقه المشروعة، وفجأة يزور وزير خارجية بريطانيا البحرين في مارس/ آذار 1956 وتمر سيارته بالقرب من استاد المحرق، فيخرج الجمهور الرياضي من الاستاد ويلاحق موكبه بالحجارة وكادوا يودون بحياته.
التداخل في المطالب بين الشئون المحلية والشئون العربية، وتضخم حجم الهيئة، وعدم وجود آلية لصنع القرار وحل الخلافات داخل الهيئة، كل ذلك أدى إلى شلل الهيئة على مستوى التوجيه والقيادة في أيامها الأخيرة، وأدى إلى تكالب المضادين لها من كل جانب وبالتالي قمعها، وقمع مطالب أهل البحرين معها
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 34 - الأربعاء 09 أكتوبر 2002م الموافق 02 شعبان 1423هـ