العدد 5216 - السبت 17 ديسمبر 2016م الموافق 17 ربيع الاول 1438هـ

زباري: الأمطار في تذبذب... والبحرين عرضة لاستقبال 13 ضعف المعدل التقليدي

مشروعات خجولة في مدينتي حمد وعيسى والمنطقة الجنوبية لحصاد الأمطار

السلمانية - صادق الحلواجي 

17 ديسمبر 2016

قال أستاذ الموارد المائية بجامعة الخليج العربي، وليد زباري، إن «الأمطار تتسم بدرجة عالية من التذبذب في الزمان والمكان، فيمكن مثلاً أن يمر عام لا يتساقط فيه أي أمطار على البحرين، ويمكن كذلك أن تتساقط فيها أمطار في منطقة ولا تتساقط في منطقة أخرى، أي أن هناك حالة عالية من درجة عدم التيقن في معدلات وأنماط الأمطار، وهي سمة المناطق الجافة».

وأضاف زباري في حديث مع «الوسط» أن «البحرين عرضة لأن تهطل عليها أمطار بأكثر من 13 ضعف المعدل التقليدية، وقد تكون هناك أمطار ذات شدة عالية»، مفيداً بأنه «توجد مشروعات خجولة في مدينتي حمد وعيسى والمنطقة الجنوبية لحصاد الأمطار».

وفيما يأتي نص اللقاء الذي أجري مع زباري:

بدايةً، كيف تشخص لنا ملف الاستفادة من مياه الأمطار عموماً؟

- أود أن أبين بعض النقاط الأساسية التالية في موضوع الاستفادة من مياه الأمطار أو بما يعرف بحصاد الأمطار. هناك بشكل عام نوعان من الاستفادة، الأول هو الاستفادة المباشرة من الأمطار مثلاً بواسطة عمل تراكيب معينة يتم فيها تجميع مياه الأمطار ومن ثم الاستفادة منها لري المزروعات ويمكن أن تكون على مقياس صغير جداً على مستوى الشجرة كحفرة حولها تتجمع فيها الأمطار وتغذيها، أو على مقياس كبير يصل إلى مستوى الحوض مثل السدود كما هو في سلطنة عمان والسعودية والإمارات، وإذا ما تم القيام بالمقياس الصغير بشكل موسع فإنه ممكن أن يكون له تأثير مساو للتراكيب على مستوى الحوض.

أما الاستفادة الثانية، فهي بالطريقة غير المباشرة بحيث يتم تجميع المياه وتخزينها في باطن الأرض في المياه الجوفية ليتم إما الاستفادة منها في خارج موسم الأمطار بضخها أو لتحمي المياه الجوفية من تداخل مياه البحر عليها وغيرها من الفوائد المصاحبة لخزن المياه في باطن الأرض. وتعتمد فاعلية هذه الإجراءات على العديد من الأمور، ولكن من أهمها هو معدلات تساقط الأمطار (أي كقيمة) وأنماطها (أي فترات السقوط والتذبذب).

حسناً، حين نتحدث عن البحرين، أين تجد نفسها وموقعها في هذا الموضوع؟

- بسبب تواجد البحرين، وكذلك معظم مساحات دول مجلس التعاون، في منطقة تصنف بأنها منطقة جافة فإنها تعاني من مشكلتين في هذا المجال، الأولى هي معدل الأمطار المنخفض جداً مقارنةً بمناطق العالم الأخرى، ولا يتعدى المتوسط 10 ملليمتر في العام، والثانية هي أن هذه الأمطار تتسم بدرجة عالية من التذبذب في الزمان والمكان، فيمكن مثلاً أن يمر عام لا تتساقط فيه أي أمطار على البحرين، ويمكن كذلك أن تتساقط فيها أمطار في منطقة ولا تتساقط في منطقة أخرى، أي أن هناك حالة عالية من درجة عدم التيقن في معدلات وأنماط الأمطار، وهي سمة المناطق الجافة.

ولكن كذلك قد تمر المنطقة بمعدلات أمطار عالية جداً، وفي فترة قصيرة جداً، فمثلاً تساقط في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 الماضي على مملكة البحرين بحسب قياسات مطار البحرين حوالى 50 مليمتراً في مدة أربعة أيام، أي نصف المتوسط السنوي في مدة أربعة أيام، ويعتبر من القيمة العالية لشهر نوفمبر ويبلغ أكثر من 13 ضعف معدله التقليدي، كما أنه في يوم 25 نوفمبر 2015 تساقطت حوالى 40 مليميتراً، وهذا لم يحصل إلا في عامي 1948 و2000.

وهل نفهم من كلامك أن البحرين ودول المنطقة الخليجية بصدد استقبال كميات أكبر من الأمطار خلال الأعوام المقبلة لاسيما في ظل ظواهر التغير المناخي وما إلى ذلك؟

- عطفاً على ما سبق أن ذكرته، هناك حالة كبيرة من عدم التيقن في معدلات الأمطار وكذلك في المعدلات المتطرفة سواء في الجفاف أو التساقط، أي بقدر ما هو محتمل أن تكون معدلات الأمطار المتساقطة منخفضة كذلك هناك احتمالات أن تكون هذه الأمطار ذات شدة عالية عند تساقطها.

... ألا توجد دراسات أو بحوث تمخضت عن نظريات أو ما إلى ذلك في هذا الشأن؟

- نعم، وبحسب العديد من الدراسات المتعلقة بظاهرة المناخ فإنه من المتوقع أن تزداد هذه الحالات المتطرفة مع الوقت.

وماذا عن مدى استفادتنا في البحرين تحديداً من مياه الأمطار سواء بشكل مباشر أو غير مباشر؟

- لا توجد تراكيب طوبوغرافية كالوديان في البحرين لكي يتم الاستفادة منها في تجميع مياه السيول إلا بدرجات قليلة، فالبحرين غالبية مساحتها مسطحة. ولكن يجب التنويه هنا إلى أن البحرين تمتلك شبكات جيدة لتصريف السيول على الشوارع الرئيسية حيث تتدفق هذه السيول بشكل جيد منها عند هطول الأمطار، وخصوصاً إذا ما تم تنظيفها بشكل جيد قبل موسم الأمطار.

إذاً ما هو ناتج هذا التنظير والنتائج الواردة عن الدراسات على الصعيد المحلي برأيك؟

- تحت هذه الظروف الطبيعية، وحالة عدم التيقن سيكون من الصعب على الباحثين إقناع المسئولين بصرف الأموال الطائلة على تراكيب هندسية لحصاد أمطار قد تأتي أو لا تأتي. ولكن يجب الاستفادة من التراكيب الطبيعية إلى أقصى حد لتعظيم الاستفادة من هذه الأمطار، وهذا ما تم في تخطيط مدينة حمد من خلال التخطيط الطبيعي الذي يأخذ في الاعتبار تصريف السيول بشكل طبيعي، حيث يتم تجميع مياه الأمطار باستخدام الممرات الطبيعية للسيول وتجميعها في مناطق تسمح لها بالتسرب في طبقات المياه الجوفية بالجاذبية. ولقد تعاونت جامعة الخليج العربي مع مصادر المياه في العديد من المشروعات لاستغلال مياه الأمطار في مملكة البحرين في مدينة حمد ومدينة عيسى، وكذلك تم إجراء بعض البحوث على المنطقة الجنوبية.

هل مازالت هذه المشروعات قائمة أم تم تطويرها؟

- ينقص هذه المشروعات الاستمرارية والمراقبة والتحسين مع الوقت.

إذاً نحن اليوم أمام تحد متناقض، بما معنى أنه إما سيكون له أثر أو سيكون معدوماً بالاعتماد على حجم الهطول، هل هذا صحيح؟

- هناك حاجة لتحويل هذا التحدي والمعوقات الطبيعية التي نواجهها إلى فرص، ومن خلال التخطيط الجيد لتصريف هذه الأمطار يمكن الاستفادة منها وتخزينها في الطبقات الجوفية، وسيتطلب هذا العديد من الدراسات الهيدرولوجية التي ستبين المناطق التي يمكن أن تتجمع فيها الأمطار ومن ثم إما عمل آبار لتتدفق إلى باطن الأرض وتغذي المياه الجوفية أو نقلها إلى أماكن أخرى لنفس الغرض بواسطة الصهاريج بدلاً من رميها في البحر.

كيف توّصفون وضع البحرين مائياً من حيث اعتمادها على المياه المحلاة والأخرى الطبيعية مثل طبقات المياه الجوفية؟

- إن قضية المياه أصبحت من أكثر القضايا الملحة عالمياً فجميع دول العالم تعاني من مشاكل وتحديات مائية. ويرجع ذلك إلى أن كمية المياه ثابتة ومعدلات الطلب بسبب النمو السكاني وتغير أنماط الاستهلاك في زيادة وكذلك بسبب تناقص كميات المياه المتاحة نتيجة لتلوثها بسبب التوسع في الأنشطة الصناعية.

وفي مملكة البحرين تبرز المشكلة بشكل أكثر حدة بسبب وقوعها في نطاق المناطق الجافة التي تتميز بندرة مواردها المائية. ومن وجهة نظر إدارية وتنموية، أعتقد بأن التحدي الرئيس الذي يواجه المملكة حالياً يكمن في كيفية تلبية الطلب المتصاعد على المياه في ظل النمو السكاني والحضري المتسارع، ومتطلبات التنمية الاقتصادية والصناعية في ظل محدودية الموارد المائية الطبيعية (أي قلة الأمطار ومعدلات التجدد المائي)، واللجوء إلى المياه المحلاة ذات التكاليف العالية نسبياً كخيار رئيس لتلبية هذه المتطلبات، وفي كيفية تخفيض التكاليف المالية وتكاليف الطاقة (الغاز الطبيعي) والتكاليف البيئية (تصريف مياه الرجيع إلى البيئة البحرية والانبعاثات الغازية) المصاحبة لهذه التقنية إلى أقصى حد ممكن.

وعلى رغم الظروف الطبيعية ومحدودية الموارد المالية وموارد الطاقة إلا أن مملكة البحرين حققت العديد من الإنجازات المرتبطة بقطاع المياه، فقد استطاعت توفير المياه لاحتياجات القطاعات التنموية بشكل مستمر وبدون أي خلل في المنظومة المائية، وتعد من أوائل الدول التي حققت الأهداف العالمية المتعلقة بمياه الشرب وكذلك خدمات الصرف الصحي على مستوى العالم. إلا أنه كما ذكرت فإن هذه الإنجازات مصحوبة بتكاليف عالية، قد لا يحسها المواطن الآن ولكنها قد تؤثر على مسيرة التنمية ككل إذا لم يتم العمل على ترشيد المياه.

وعلى المستوى المالي يمثل تزويد المياه مع انخفاض نسب استرجاع الكلفة في خدمات إمداد المياه والصرف الصحي عجزاً مالياً يقع على كاهل الموازنة العامة، ويؤثر على قطاعات أخرى كالتعليم والصحة والتدريب، وعلى مستوى موارد الطاقة فكما هو معروف تمتلك البحرين مخزوناً غازياً محدوداً ويستهلك قطاع المياه مع الكهرباء حوالى 30 في المئة من الاستهلاك الكلي للطاقة. ومتى ما استنفد الغاز البحريني ستضطر المملكة إلى شرائه من الخارج وسترتفع تكاليف إمداد المياه.

وعلى المستوى البيئي، فإن الاعتماد على التحلية وباستخدام الطاقة الأحفورية تنتج عنه انبعاثات غازية عالية قد تتناقض مع التزامات المملكة في اتفاقية تغير المناخ 2015 بباريس التي أقرت أخيراً، ناهيك عن تصريف الرجيع عالي التركيز وفي بعض المحطات مرتفع الحرارة أيضاً من محطات التحلية إلى البيئة البحرية. ولذا فإن أي ترشيد في استخدام المياه أو تقليل الفواقد في إمداد المياه سيؤدي إلى مكاسب مالية واقتصادية وبيئية.

من وجهة نظرك، ما الحل الذي تراه هو الأمثل على هذا الصعيد؟

- من وجهة نظري، هناك طرفان في هذه المعادلة يجب النظر إليهما كأساس للتكيف والتعامل مع ندرة المياه حالياً وفي المستقبل، وحتى لا تقع البحرين في وضع مائي يؤثر على مسيرتها التنموية، الأول هو وجود مجتمع بحريني موجه مائياً يثمن الماء ويقدر قيمته وتكاليف تزويده، والثاني إدارة تنفيذية فاعلة وكفء. وبدون التعاون بين الطرفين في قضية المياه فقد تصل البحرين إلى وضع مائي حرج قد يؤثر على التنمية فيها.

العدد 5216 - السبت 17 ديسمبر 2016م الموافق 17 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً