يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للاحتفاء باللغة العربية على غرار لغاتٍ أخرى سمَّت لها المنظمة أياماً للاحتفاء بها، منها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصينية والروسية، ويدخل الاحتفاء بها ضمن أنشطة وجهود المنظمة الرامية إلى صون التراث الثقافي العالمي غير المادي وتقدير العربية كأداة للتعبير الثقافي في تنوعه.
بدأ تخليد اليوم العالمي للغة العربية عام 2012، ويُوافق 18 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، وهو نفس التاريخ الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة اللغة العربية سادس لغة رسمية لها قبل ذلك بنحو 4 عقود، أي عام 1973.
وفي عام 2013 قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونسكو جعل اليوم العالمي للغة العربية نشاطها المركزي السنوي.
وتحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للغة العربية تحت شعار «تعزيزُ انتشار اللغة العربية». «الوسط» سلطت الضوء على هذا اليوم العالمي واستطلعت آراء كل من: اختصاصي إشراف تربوي أول لغة عربية حسين أحمد سلمان، رئيس قسم اللغة العربية والدراسات العامة بالجامعة الأهلية علي فرحان، باحثة تربوية في القياس والتقويم التربوي ومعلمة أولى للغة العربية ليلى الجمري، وكان هذا اللقاء:
هناك خلط في التحدّث باللغة العربية الممزوجة بلغات أخرى، كيف تجعل من اللغة العربية هي اللغة المتحدث بها فقط؟
- حسين أحمد سلمان: نحن في بلداننا العربية -مع الأسف- نعيش أزمة مجتمع مهزوم حضارياً، وثقافياً، ومُصاب في هويته، ومازال يبحث عن ذاته، وإنّ فساد اللّغة كما يقول فقهاؤها، مدخل لاستلاب الهوية وإضعاف الشّخصية، وهو وسيلة لإكراه الأفراد، والجماعات على الذوبان في الثقافات الأجنبية؛ لذلك يشعر هؤلاء الذين يلوون ألسنتهم بغير العربيّة أثناء محادثاتهم مع زملائهم وأصدقائهم بالدّونية إذا تحدّثوا بالعربية ما ولد شعورا للنظرة إلى الغرب وحضارته المتفوّقة، والنظر للحداثة على أنّها مقتصرة على اللغة الأجنبية؛ اعتقاداً منهم أنّ اللغة العربية قد تجاوزها الزّمن وأنها عاجزة عن مواكبة الحضارة العالمية، والمساهمة فيها، ومَنْ ينطق بها أو يتعلّمها هم الفقراء والبائسون، لذلك يستخدمون عدداً من الكلمات غير العربية، وأغلبها إنجليزية مثل: «أوكي، باي، الويك إند، سوري»، وغيرها، مُتناسين أنّ الأمم لا تكتسب هويتها إلاّ من خلال لغتها؛ فاللّغة وجدان الأمّة، وتمثل قيمتها، وتعبّر عن مستوى فكرها، وتطوّرها، ومدى قوّتها، ولغتنا العربية غنية بألفاظها وتراكيبها، واشتقاقاتها ومتى ما وعى أبناؤها هذه الأمور علت قيمتها في نفوسهم، وانتشرت في حديثهم وكتاباتهم؛ ومتى ما أهملت ووصمت بصفات التخلّف والرّجعية، وإنّها غير قادرة على استيعاب العلوم الحديثة انزوت في المجتمع وتقلصت، فأزمة اللغة العربية هي أزمة حاملها من أبنائها، وتعاني من عقوقهم لها.
- علي فرحان: إن كان هناك شيء يستحق أن نندبه هو واقع اللغة العربية اليوم، اللغة العربية هي الأم هي التي تبحث عن أم، فأبناؤها قد ضيعوا أمومتها وأسلموا أمرها إلى الشتات بعد أن كانت اللغة العربية مركزاً للعلوم والفنون والآداب والتواصل والتراسل أصبحت اليوم تندب حظها لما عراها من أبنائها قبل غيرهم. لم تبق كما كانت بل إنها أضحت اليوم على هذا العزوف وتعاني هذا البعد من أبنائها بالدرجة الأولى.
- ليلى الجمري: الحل لايبدو سريعاً في جعل الناس يتحدثون بالعربية فقط، فنحن نحتاج إلى تأسيس الأفراد على إتقان اللغة تحدثاً وكتابة وذلك يبدأ من البيت والمدرسة.
اللغة العربية... لا تكاد
توجد بالمؤتمرات الرسمية
لاتزال اللغة الإنجليزية هي الأبرز في أكثر المؤتمرات، فكيف نجعل اللغة العربية أكثر انتشاراً ولغة رسمية في المؤتمرات؟
- حسين أحمد سلمان: من الأمور التي لا ينبغي إنكارها، وتُعد من أكبر المشكلات التي أفرزتها العولمة؛ هي سيطرة اللّغة الأجنبية، وخصوصاً الإنجليزية في مجال الاقتصاد، وأصبحت لها الرّيادة العالمية، والسيطرة على جميع شئون الشّركات العالمية، بل في جميع أمورنا الحياتية وبمختلف الميادين، وأصبح اتقانها مع غيرها من اللّغات الحيّة من الأهمية بمكان والشعور بالتفوّق وعلى النقيض من ذلك الشعور بالدّونية عند التحدّث بالعربية، هذا ما جعلها لغة المؤتمرات وخصوصاً في الخليج، كما أن معظم الدول العربية لم تول اهتماماً كبيراً لفرض العربية مما ضيّق الخناق عليها وأضعف مساحة الاهتمام بها، والمطلوب شيء من الجدية والالتزام بالهوية، ومجابهة الظروف التي تحول دون استخدام العربية بفعل الجمود والركود الذي أصاب العالم العربي والإسلامي فضعفت اللغة بسبب ضعف متحدثيها والناطقين بها، والذين سيطر عليهم الاستعمار الغربي، وظهور دعوات للحط من شأنها وفصلها عن المجتمع، وإنّ ترك الأمور على ما هو عليه بالنسبة إلينا لهو أمر محزن ومخزٍ.
- علي فرحان: اللغة العربية رسمياً في المدونات الرسمية هي اللغة الرسمية في البحرين بل كل الأوطان العربية، ولكن بالنسبة للواقع العملي فاللغات الأخرى هي الرسمية سواء في البحرين أو في الدول العربية هناك اللغة الإنجليزية أو الفرنسية اولاً، وربما اللهجة المحلية ثانياً، أما اللغة العربية ثالثاً وقل رابعاً أو خامساً.
ودليلنا على ذلك، إن المهتمين باللغة العربية يعدون على الأصابع، وإنك لو ألّفت كتاباً عن اللغة العربية فإن مقتنيه لايتجاوزون 100، وفي أغلب الأحوال 150 أو 200 شخص والباقون لاصلة بهم به.
بل إن وسائل الاعلام والصحف أيضاً، وهنا أود أن أثني وأقدم شكراً وإكباراً لصحيفة «الوسط» لعنايتها باللغة العربية. هناك صحف كبيرة لاتعتني بهذا اليوم، فكثرت المناسبات والأيام وكل ذلك تزخرفه الصحف ولكن يوم اللغة العربية أصبح نسياً منسيا.
- ليلى: لا يمكننا أن نوقف هذه الظاهرة إلا اذا تبنتها الدولة، فالمراسلات والمؤتمرات باللغة العربية تحتاج إلى وقفة رسمية يقرر فيها أصحاب القرار بذلك، ناهيك عن أن البحوث العلمية المعترف بها أغلبها باللغة الانجليرية، وهذا يضعف لغة الحوار العلمي باللغة العربية.
من يقع عليه اللوم؟
مَنْ يقع عليه اللوم في عدم انتشار اللغة العربية؟
- حسين أحمد سلمان: حاملو اللغة العربية أنفسهم؛ أي أبناؤها في المقام الأول؛ إذ لا يتحدّثون بها بسبب ضعف المخزون المعرفي، وكذلك الاستهانة من الشباب بالتخصص في اللغة العربية، والإقبال على التخصص في اللّغات الأخرى، بالإضافة إلى وجود عدّة أسباب شكلت مجموعها سداً منيعاً حال دون أن تأخذ اللغة مكانها اللائق من الانتشار أبرزها القدرات الإدارية والاقتصادية للحكومات العربية، وكذلك وضوح فلسفاتها لأهمية اللّغة ودورها ومكانتها بين المتحدثين بها؛ واستخدامها وسيلة تواصلية لغوية؛ فلكل دولة فلسفتها؛ لأنها الأساس الذي تبني عليه الأهداف المرجوة، واللغة العربية هي الرابط الموحّد للأمّة، وقد تجاوزت مجرد كونها لغة دين إلى كونها أداة تفاهم وتواصل بين الأمم في مختلف النشاطات الثقافية والاجتماعية، والعلمية، والسياسية، والاقتصادية، وكلّ ذلك يعد عاملاً ناجعاً في انتشارها، وعلى كلّ دولة عربية السّعي لتكون اللغة العربية هي لغة تعليم العلوم والتقنيات في جميع مراحل التعليم ابتداءً من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية، والعمل الجاد المستمر بوضع مخطط لغوي مدروس من أجل تحقيق ذلك، وليس برفع الشّعارات والتمني.
- علي فرحان: في ضوء ذلك نقول، إن قلة انتشار اللغة العربية، دعنا نتحدث عن حال اللغة العربية في المدارس والتعليم والمناهج. فاللغة العربية في المدارس أضحت محصورة في الغرف الدراسية بل في حصص اللغة العربية بحسب، أما في غيرها فحضورها نادر، وليس هناك إلزام لا من وزارات التعليم ولا من الجامعات ولا من المعاهد ولا من المؤسسات العلمية في إلزام المعلمين بالتحدث باللغة العربية.
إذاً، لو قامت هذه الوزارات والمدارس وهذه الجامعات باستصدار أمر وملزم، ومتابعة جدية للاهتمام باللغة العربية في عملية التعليم والتعلم لحسنت لغة أبنائنا. فقل الخلط بالمفردات الأجنبية، لأنه سيد البديل في ذلك، حينما لايجد المتحدث باللغة «اللفظة المناسبة» يلجأ إلى لغات أخرى. حينما تغيب عليه الدلالة ويجد فجوة دلالية في لسانه الذي يتحدث به سيلجأ إلى اللغات أخرى. إذاً فالمسئولية مسئولية قرار وأول المسئولين عن القرار هم الجهات الرسمية والجهات التعليمية ولا يستثنى أيضاً من ذلك الجهات الأهلية، لكن المسئولية الكبرى بالدرجة الأولى هو القرار الإداري السياسي النابع من الدولة ومؤسساتها وخصوصاً مؤسسات التعليم التي تلزم المعلمين والمعلمات بالتحدث باللغة العربية داخل غرف الدراسة.
أمر آخر مهم، وهو أن التحدث في المؤتمرات والندوات في البحرين خصوصاً، وفي كثير من الدول العربية للأسف تدار باللغة الإنجليزية، ربما يكون بين الحاضرين أجنبي فيهمش العرب كلهم من أجل هذا الأجنبي، للأسف هذا التصرف يفهمنا أن علينا التعلم من لغته وليس عليه التعلم من لغتنا. بمعنى آخر يعني القضية باختصار قضية قومية، وهذه القضية القومية تنبع في اعتزازنا بهويتنا.
أظن إن هناك سؤالاً كبيراً حول إعتزازنا بهويتنا التي من أبرز عناصرها لغتنا، فغيرنا يهتم بلغته. كل العالم يعتزون بلغتهم يتواصلون بلغتهم ويتعلمون بلغتهم يتخاطبون بلغتهم، ويخاطبون غيرهم بلغتهم. من أراد أن يتعلم في الصين عليه أن يتعلم اللغة الصينية، ومن أراد أن يتعلم باليابان عليه أن يتعلم اللغة اليابانية، ومن أراد أن يتعلم في فرنسا عليه أن يتعلم اللغة الفرنسية... وغيرها، إلا نحن في دول الخليج عندما يريد أحد أن يتعلم في دولنا ليس عليه أن يتعلم اللغة العربية بل على العرب أن يدللوا هذا المتعلم وأن يعلموه بلغة أخرى.
هذه إشكالية حضارية ثقافية ترتبط بالهوية ارتباطاً قوياً كبيراً. وهناك وهم أيضاً فمن يظن أن هذه اللغة الأجنبية هي القادرة على التوصيل وهي القادرة على التعليم، من ذلك. فكل اللغات ماهي إلا مطية أو واسطة من خلالها ينقل العلم والمعرفة وليس اللغة. فاللغة هي حامل للعلم وليس هناك لغة عالمة ولغة جاهلة، وإنما هناك من يوظف اللغة العلم وهناك من يهجر لغته بزعم إنها لاتصلح للعلوم.
من هنا نأتي إلى السؤال الموالي الذي يتحدث عن هذه النقطة، هذا إدعاء ليس له مصداقية، إدعاء بأن اللغة العربية لغة غير قادرة على نقل العلوم ادعاء يكذبه التاريخ وتكذبه المعارف. في حضارة العرب وفي علومهم نقلوا العلم باللغة وترجموا كتب غيرهم من الهند والإغريق والفرس، ثم تجاوزوا كل ذلك بعلم أوسع وأشمل حتى وصل صيتهم ومعرفته العالم. لم تعقهم اللغة، فحجة أن اللغة العربية ليست لغة علوم هذه ليست صحية وإنما هناك للأسف كما قلت سابقاً هنا انفصام في الهوية. من أراد أن يكون منتمياً إلى أمته ولغته فيتمسك بلغته، فالعيب ليس في اللغة وإنما العيب فينا.
- ليلى: تخلف العرب عن لغتهم وثقافتهم الأصيلة، أما تاريخياً فنعزو ذلك إلى الاستعمار الذي فرض لغته وهمشت اللغة العربية، ومازالت آثار الاستعمار باقية لوقتنا الحاضر متمثلة في المدارس الخاصة والمؤسسات، كذلك غياب مشروع حقيقي وفعال للترجمة إلى العربية في جميع المجالات ما يضطر المواطن العربي ان يتزود بالعلوم بلغتها الأصلية.
كما لا يمكننا جعل طلاب المدارس الخاصة يتحدثون العربية ونحن ندرسهم جميع المواد باللغة الانجليزية، هم يدفعون لكي يتقنوا هذه اللغة هم يعيشونها كل يوم ومع بعضهم بعض المدارس الخاصة تعتمد مناهج في اللغة العربية قوية جدا وذلك يعوض عن استخدام اللغة.
كيف ترد على من يقول أنّ اللغة العربية ليس لها مستقبل في عالم اليوم؟
- حسين أحمد سلمان: أرد عليه قائلاً: لايمكن أن تتخلّف لغة عن ركب التطوّر ومواكبة مُستجدات العصر إلاّ عندما يعجز أبناؤها عن الاهتمام بها؛ فتنهار قيمتها في نفوسهم، واللّغات تتأثر بقوة أهلها وضعفهم، -كما أشار ابن خلدون في مقدمته- ولغتنا قادرة على الاستجابة للتطوّر الحضاري، والتعبير عنه؛ مثلما كانت من قبل في الأمم السّابقة؛ لأنّ الرسالة الإسلامية عالمية؛ وهذا يعني قدرتها على الاتساع لكلّ تطوّرات العصر، والتّعبير عن كلّ الحالات، والإجابة عن كلّ سؤال، ومن الطبيعي أنْ تتأثر لغتنا اليوم بالعولمة فما يحدث في أية دولة يمكنه أن يؤثر على أخرى بعيدة عنها ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً بسبب وجود تقنيات التّواصل الاجتماعي، والمطلوب من المجامع اللغوية هو التنمية اللّغوية من أجل القدرة على مسايرة المستجدات وتلبية الاحتياجات، ومواكبة علوم العصر.
- علي فرحان: المسئولية كبيرة ومناهج التعليم أيضا لابد أن تصلح، أنا أتحدث من واقع خبرة بأن تلعيم اللغة العربية في المدارس بصورة خاصة ولا ابرئ الجامعات أيضاً فإن تعليم اللغة العربية تحتاج إلى إعادة بناء وهيكلة. فتعليم اللغة العربية وطرائق تعليمها اليوم باتت قديمة وباتت منثرة للطلبة. فعلينا أن نبحث عن وسائل أخرى وطرق أخرى لإعادة هيبة اللغة العربية وإصلاح مناهج التعليم وطرائق التدريس وخصوصاً في اللغة العربية، كيف ندرس اللغة العربية لأبنائنا هذه النمطية الآن التي تعلمنا عليها وتعلم عليها أبناؤنا وآباؤنا وأحفادنا سيتعلمون على نفس المنوال ولم تجد، فلابد أن نبحث عن أحدث الطرق لتعلم اللغات وتفعيل التواصل بها فهي مسئولية كبرى على الجميع.
- ليلى: عبر احترامنا لغاتنا وإنشاء مراكز الترجمة التي سبق وان ذكرتها ستكون العربية محل انظار العالم لما تحويه من ترجمات عديدة.
دور المؤسسات
ماهو دور الوزارات والمؤسسات...؟
- حسين أحمد سلمان: للمؤسسات الحكومية والأهلية مسئولية عظيمة نحو اللّغة العربيّة من خلال ترغيب الموظفين فيها، وتمكينهم منها، وحثهم على الالتحاق ببرامج رفع المستوى اللغوي مع الحفاظ على الثقافة العربية، وتسليط الضوء على أهميّة اللغة وتعزيز مكانتها محلياً عبر تقديم الحوافز وشهادات التقدير للمجيدين فيها تشجيعا للمواصلة والارتقاء والتقدّم بهذه اللّغة، والإفادة من مواهب منسوبيها واهتماماتهم المتعددة ووضع كل واحد منهم في مكانه المناسب، والعناية اللّغوية بجميع ما يتصل بعملها من خطابات ومكاتبات ومحاضر جلسات، وجداول أعمال، وندوات، وغيرها.
- علي فرحان: لابد لنا من تعزيز دوز اللغة العربية في حياتنا وفي مدارسنا وفي مناهجنا وفي جامعاتا وأن يطلع الجميع عن مسئوليتها من مؤسسات رسمية وأهلية ومن مثقفين ومن وسائل إعلام مختلفة، وأيضاً تقنيات وسائل التواصل الحديثة مثل وسائل التواصل الاجتماعي من أجل إعادة اللغة العربية إلى موقها الريادي في الأمة العربية الإسلامية.
- ليلى: مناهج اللغة العربية في المدارس الحكومية لا ترقى للمستوى المطلوب، ناهيك عن أهمية اهتمام المعلمين أنفسهم بتقديم لغة عربية فصيحة لطلابهم تجعلهم يرتقون بالمهارات اللغوية، كذلك الأمر في بقية المؤسسات والشركات والتي تشترط اللغة الانجليزية مطلبا أوليا للتوظيف، وهذا ما يتعارض مع انتشار اللغة العربية.
الأهداف
يرمي اليوم العالمي للغة العربية إلى إبراز الإسهام المعرفي والفكري والعلمي لهذه اللغة وأعلامها في مختلف مناحي المعرفة البشرية عبر التاريخ، فالحضارة العربية الإسلامية لها إسهامات مشهودة في مختلف مناحي العلوم والمعرفة والآداب والفنون، ويعود إليها الفضل الأكبر في النهضة الأوروبية ثم الثورة الصناعية التي كرَّست قيادة الغرب للعالم منذ أواخر القرون الوسطى.
ويسعى اليوم العالمي للغة العربية كذلك إلى التأكيد على مركزية هذه اللغة، التي تُعد من أوسع اللغات السامية انتشارا، فعدد المتحدثين بها يتجاوز 420 مليون نسمة في البلاد العربية، وفضلا عن ذلك فإنَّ معرفة -ولو محدودة- بها ضرورية لأكثر من مليار مسلم كي يُؤدوا صلواتهم، كما أنها اللغة المعتمدة لدى عدد من الكنائس المسيحية في المشرق، وكتب بها جزء مهم من التراث الثقافي والديني اليهودي.
المناطق: العالم العربي والعالم الإسلامي
يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) للاحتفاء باللغة العربية على غرار لغاتٍ أخرى سمَّت لها المنظمة أياما للاحتفاء بها، منها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصينية والروسية، ويدخل الاحتفاء بها ضمن أنشطة وجهود المنظمة الرامية إلى صون التراث الثقافي العالمي غير المادي وتقدير العربية كأداة للتعبير الثقافي في تنوعه.
البداية
بدأ تخليد اليوم العالمي للغة العربية عام 2012، ويُوافق 18 ديسمبر/كانون الأول من كل سنة، وهو نفس التاريخ الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة اللغة العربية سادس لغة رسمية لها قبل ذلك بنحو 4 عقود، أي العام 1973.
وفي عام 2013 قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونسكو جعل اليوم العالمي للغة العربية نشاطها المركزي السنوي.
السياق التاريخي
بدأ اهتمام اليونسكو باللغة العربية باكرا، فقد قرر المؤتمر الثالث للمنظمة، المنعقد في بيروت عام 1948، اعتماد العربية لغة ثالثة، إلى جانب الإنجليزية والفرنسية، لأشغال هيئات المنظمة في حال انعقادها في بلد ناطق بالعربية، كما استحسن المؤتمر إدراج العربية ضمن اللغات التي تُترجم إليها محاضر الاجتماعات والدوريات ووثائق العمل.
وفي عام 1960، اعترف مؤتمر المنظمة بأهمية اللغة العربية وبقدرتها على جعل منشورات المنظمة أكثر تأثيرا وجلبا للاهتمام في البلدان الناطقة بالعربية إذا تمت ترجمتها إلى هذه اللغة. وهكذا تقررت ترجمة أهم وثائق ومناشير المنظمة إلى اللغة العربية، بيد أنَّ عام 1966 شهد تحولا مهما تمثل في اعتماد اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للجلسات مع ترجمة آنية منها وإليها في المؤتمر العام للمنظمة، وبعد ذلك بعامين تم اعتماد اللغة العربية لغة عمل في المنظمة بفضلِ جهدٍ جهيد بذله المدير العام حينها الفيلسوف الفرنسي رينيه ماه.
ومهدت هذه الخطوة لاستخدام اللغة العربية بشكلٍ تدريجي في عمل المنظمة بدءا بترجمة وثائق العمل والمحاضر ونحوها.
وأثمرت تلك الجهود وضع برنامج لتوسيع استخدام اللغة العربية مع اعتبار المنظمة اللغة العربية -على غرار اللغات الرسمية لها- وسيلة للتعبير عن الحضارة والثقافة البشرية وحفظهما.
وسيُتوج مسار ازدهار اللغة العربية في اليونيسكو باعتمادها لغة رسمية في عام 1974 بفضل جهود حثيثة بذلتها حكومات الجزائر والسعودية ومصر والعراق والكويت ولبنان وتونس واليمن، مكنت من إدراج ترسيم اللغة العربية في جدول أعمال المؤتمر العام للمنظمة، لكن هذا الجهد العربي لم يكن له أن يكلل بالنجاح لولا الدعم السخي الذي قدمه المدير العام السنغالي أمادو مختار مبو.
تحديات
تواجه اللغة العربية تحديات جمة تحول دون تمكنها من مسايرة الحداثة والطفرات العلمية والتقنية الهائلة التي عرفها العالم. والواقع أنّ هذا العجز ليس بنيويا، فعلماء اللغة واللسانيات لا يختلفون على المؤهلات الفريدة لهذه اللغة وغنى معجمها، ومن هنا لا يمكن فصل مشاكل العربية عن حالة التخلف العامة المهيمنة في الفضاء العربي الإسلامي منذ قرون.
وتواجه اللغة العربية مشاكل يمكن أن نذكر منها غياب سياسات حكومية لتطويرها، وضعف البحث العلمي بشكل عام، خاصة في علوم اللغة واللسانيات والتواصل، كما أن سيادة اللغات الغربية الموروثة عن الاستعمار في الإدارة والاقتصاد والتعليم، وشيوع اللهجات وتبنيها من شرائح نافذة من النخب المتشبعة بالثقافة الغربية الممزوجة بمسحة استعمارية فكرية، كلها عوامل تُشكل عقبة أمام ازدهار اللغة العربية واسترجاع مكانتها التاريخية.
ومن التحديات كذلك ما يتعلق بمسايرة التكنولوجيا، وتتمحور أساسا حول ضعف حركة الترجمة، فالكتاب مثلا حين يصدر بالإنجليزية- وهي اللغة المهيمنة في مجال العلوم والتكنولوجيا- يُترجم إلى الفرنسية بعد ثلاث سنوات في المتوسط، في حين لا يُترجم إلى العربية إلا بعد عقدين تقريباً.
تواجه العربية إشكالا آخر هو صعوبة «الرقمنة»؛ فاللغات اللاتينية مثلا سهلة «الرقمنة» لإمكانية كتابة كلماتها منفصلة الأحرف، وهو ما ليس متاحا بالنسبة للعربية رغم أنَّ كل حرف عربي يمكن كتابته منفردا، وهو ما يُؤكد أنَّ العائق ليس بنيويا وإنما يحتاج فقط إلى جهد لتطوير الهوية البصرية للأحرف بما يُمكن من تركيب الكلمات وفق نسق يُناسب التعبير المعلوماتي المعروف بالتعبير الثنائي صفر واحد.
ويعكس واقع اللغة العربية حالة التشرذم التي يعرفها الفضاء العربي الإسلامي، وأبرز تجليات ذلك إخفاق الدول العربية في توحيد المصطلح، بل وانتصار كل دولة لمصطلحات مجامعها اللغوية إن وُجدت، رغم أن تلك المصطلحات قد تكون متهافتة في مبناها ومعناها.
العدد 5216 - السبت 17 ديسمبر 2016م الموافق 17 ربيع الاول 1438هـ