العدد 5216 - السبت 17 ديسمبر 2016م الموافق 17 ربيع الاول 1438هـ

البكر يضيء الدور السياسي والحضاري لبني تميم في الأندلس

صورة تعبيرية لأحد الدواوين في الأندلس
صورة تعبيرية لأحد الدواوين في الأندلس

يحيلنا أستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود، خالد عبدالكريم البكر، في بحثه القديم نشراً، الجديد في تناوله: «بنو تميم في الأندلس... دورهم السياسي والحضاري حتى نهاية القرن الخامس الهجري»، المنشور في الدورية المحكَّمة «مجلة الخليج للتاريخ والآثار»، في عددها الأول للعام 2005، والتي تصدر عن جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلى الوجود العربي في الأندلس العام 711م، والتي دخلها المسلمون بقيادة طارق بن زياد وضُمَّت للخلافة الأموية واستمر وجود المسلمين فيها حتى سقوط مملكة غرناطة في العام 1492م، وتحديداً وجود بعض القبائل العربية الكبرى، التي انضمَّت إلى الوجود العربي هناك فترة التأسيس وما بعده بزمن.

ظهر أثر العنصر العربي في الأندلس في الحملة الثانية، كما يشير بحث البكر «التي تزعَّمها موسى بن نصير لاستكمال فتح الأندلس سنة 93هـ (711م)؛ إذ خرج على رأس جيش يُقدَّر عدده بنحو ثمانية عشر ألف مقاتل جلُّهم من العرب».

تبرز من بين القبائل العربية التي كان لها حضور ملحوظ ومؤثر، قبيلة تميم، التي تعرِّفنا بها بعض المصادر التاريخية التي تم الإجماع عليها، ومن بينها دائرة المعارف الإسلامية، والتي «تسكن في الدهناء وشمال إقليم نجد واليمامة في السعودية، وهي موطنها الأصلي كما تتواجد في العراق والكويت وقطر والبحرين. وكانوا قبل الإسلام أهل بادية كثيري الحروب، وكانت لهم معارك كثيرة معظمها ضد قبيلة بكر بن وائل، وكذلك ضد قبائل هوازن ومذحج وغطفان وغيرها. وتنتسب قبيلة بني تميم إلى: تميم بن مر بن إد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وهم يختلفون عن قبيلة بني تميم بن ضنة بن سعد هذيم بن زيد القضاعية».

تجدر الإشارة هنا إلى أن البربر من المسلمين كانوا يشكِّلون الأغلبية في الأندلس وقتها، ولم يكن وجود القبائل العربية بتلك الغلبة، إلا أن تأثيرهم وإمساكهم بالكثير من مفاصل السياسة والحياة كان هو الغالب والأكثر تأثيراً.

التميمي وقتل والي الأندلس

في البحث إشارة إلى أن معظم القبائل العربية في الأندلس من اليمن، ومع ذلك نجد أن من بين الذين اشتركوا في الحملة الثانية جموع من «رجالات القيسية ممن تقلَّدوا مراكز قيادية في الجيش كحبيب بن أبي عبيدة الفهري، وزياد بن النابغة التميمي». مشاركة وجهاء القبائل العربية في الحملة الثانية لم يكن بمعزل عمَّن رافقهم من بني قومهم، بعض يقدِّرهم بالمئات، وبعض بالآلاف، وترتَّب على تلك المشاركة منافع عديدة يوردها البكر؛ إذ يستفاد - كما يستند إلى المصادر التاريخية - أن تشكيلات الجيش الأندلسي منذ الفتح الإسلامي وحتى منتصف القرن الرابع الهجري، كانت تتألف من عدد من القبائل المُجنَّدة تحت راية واحدة نظير إقطاعها أراضي من الدولة «وظل هذا التنظيم العسكري قائماً إلى أن ألغاه المنصور بن عامر (368 - 392هـ / 978 - 1001م)، ضمن إجراءاته الرامية إلى تغيير تركيبة الجيش، فاستبدله بصرف رواتب الجنود (...)».

وبالعودة إلى زياد بن النابغة التميمي، يشير الباحث البكر إلى أنه كان يمثل عدداً من أفراد قبيلته ضمن حملة موسى بن نصير «لاسيما أن الرجل كانت له سطوة ظاهرة؛ إذ وثب فيما بعد - وبمشاركة آخرين - على والي الأندلس عبدالعزيز بن موسى فقتله سنة (97هـ / 715م)»، ويستشف المؤلف أن التميمي ما كان له الإقدام على فعلته تلك لو لم تكن له عصبيَّة تحوطه وتمنعه، مع افتراضه «بأن استقرار بني تميم جرى في فترة مبكِّرة من تاريخ الإسلام في الأندلس بشكل جماعي وليس بصفة فردية»، ويعزِّز البكر افتراضه ذاك بأمرين: عصر الولاة (95 - 138هـ / 712 - 755م)، والأمر الثاني هو أن غالب الغرناطي وصف بني تميم بـ «أنهم خلق كثير بالأندلس»، وعلى رغم وضوح ما أسماها «نبرة المبالغة في النص» أي نص الغرناطي، إلا أنه بحسب البكر يُعطي مؤشرات على حجم الاستقرار الجماعي لبني تميم في الأندلس في أثناء عملية الفتح وما بعدها.

بنو تميم والجبهة الفارسية

حدثت تحولات إبَّان الفتوحات أتاح لبني تميم وجوداً في الميدان الشرقي (الجبهة الفارسية) من تلك الفتوحات أكثر من وجوده في الأندلس، ويورد البكر هذه الإشارة كي لا يُسلِّم بتفوق كثافة بني تميم العددية على غيرهم من القبائل العربية؛ إذ اجتذبت الفتوحات الفارسية بني تميم «وهو أمر قد يفسِّر غيابهم عن مسرح الحوادث السياسية في الأندلس، وعدم انغماسهم في فوضى العصبيات خلال عصر الإمارة (138 - 316هـ / 755 - 928م)، فكان استقرارهم واستيطانهم في شرق العالم الإسلامي أكثر منه في مغربه، وربما كان ذلك محكوماً بعامل الجوار الجغرافي؛ حيث امتدَّت منازل بني تميم قبل الإسلام إلى شمال شرق الجزيرة العربية، وربما كان بسبب العداوة المستحكمة بين تميم والفرس»، كما يورد ذلك غالب فاضل المطلبي في كتابه «لهجة تميم وأثرها في العربية المُوحَّدة».

وبشأن المناطق التي سكنها بنو تميم، يورد الباحث البكر بأنهم انتشروا في أنحاء متفرقة من الأندلس، فسكن قسم منهم الموسطة، واستقر بعضهم في الغرب والجنوب، واستوطن آخرون في الشرق والثغر الأعلى؛ مع إشارته إلى أن استقرارهم وانتشارهم لم يحدثا في زمن مُحدَّد؛ إذ نزل أناس من بني يربوع في قرطبة «حيث برزت أسرة منهم تنتمي إلى مالك بن نويرة» إضافة إلى بني الحذاء (والأقرب بنو الحدَّاء، من الحِداء) وبني برطال، واستقر بعض من بني دارم في جيان، وبرزت أسرة تنتمي إلى عطارد بن حاجب، ونزل قسم من بني عامر بن زيد مناة في إشبيلية، بينما اتجهت «جماعة من بني كعب بن زيد مناة إلى سكنى قرية في شوش».

مكانة بني تميم الاجتماعية

يشير البكر إلى أن لبني تميم أثراً في القيام بالأعمال الإدارية في مطلع عصر الإمارة الأموية في الأندلس؛ إذ اختص الأمير هشام الرضا بمنصب الكتابة يعقوب بن داود التميمي «وهذا المنصب رفيع القدر؛ حيث وصفه الأمير محمد بن عبدالرحمن بـ (قلمنا الأعلى)، مبيِّناً أنه لا ينبغي لغير المسلمين تقلُّد هذه الخطة مهما علا كعبهم في الإنشاء والترسُّل». كما استكتبه الأمير الحكم بن هشام «وعهد إليه بدور مهم للتحقُّق من أسماء المخططين لحركة هيج الربض سنة 189هـ / 805م». كما تولَّى قطن بن جزء (وقيل خرز) التميمي الدارمي «منصب قضاء الجماعة بقرطبة في عصر الأمير الحكم بن هشام، بينما وصل خالد بن وهب التميمي إلى رتبة الفقيه المشاور في عصر الأمير عبدالله بن محمد (275 - 300هـ / 888 - 912م). كما أسند الخليفة الناصر قضاء كورة ريه إلى محمد بن يحيى بن زكريا التميمي «المعروف بابن برطال (ت 394هـ / 1002م)»، ويورد البكر اسم أخيه زكريا بن يحيى بن زكريا التميمي الذي تولَّى قضاء بطليوس. وتقلَّد منذر بن سعيد البلوطي خطة القضاء مدة ستة عشر عاماً متواصلة، وأمضى محمد بن إسحاق بن السليم اثني عشر عاماً في القضاء. كما تقلَّد محمد بن خالد بن وهب التميمي، المعروف بابن الصغير، قضاء أكشونبة.

ولم يقتصر الأمر على وظائف القضاء، إذ تنوعت الأعمال الإدارية التي أُسندت إليهم كولاية الشرطة؛ حيث أسند الخليفة الحكم المستنصر منصب ولاية الشرطة إلى محمد بن تمليخ التميمي، مضيفاً إليه مهام النظر في أحكام الرد. ويذكر الباحث البكر أنه في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، وفد على الأندلس من العراق محمد بن عبدالواحد التميمي؛ حيث استقر في طليطلة «تحت كنف بني ذي النون»، مورداً ما ذكرته بعض المصادر من أنه قام بدور مهم في مد جسور التقارب بين الخلافة العباسية وبين بني زيري الصنهاجيين حكَّام إفريقيا، «وذلك إثر القطيعة التي حدثت بين المعز بن باديس الزيري، وبين المستنصر الفاطمي، وما استتبعها من نبذ التشيُّع في إفريقيا، وإظهار السنة».

إسهامهم في العلوم والثقافة

بالنسبة إلى العلوم الشرعية، برز عبدالرحمن بن سعيد التميمي (ت 265هـ / 878م)، وهو من الجزيرة الخضراء في علوم التفسير والحديث، وكان رائداً في تفسير ابن عباس، إلى جانب محمد بن زيد التميمي «نزيل سرقسطة»، الذي وصفه الحميدي بالبراعة في علم الحديث، وكذلك حذا حذوه أخوه سعيد بن زيد التميمي، مشيراً البكر إلى أنه مع حلول القرن الرابع الهجري «ظهر أثر التميميين في تعزيز الدراسات الفقهية في الأندلس وإثرائها؛ إذ رحل طلبة العلم منهم إلى خارج الأندلس وارتادوا مدارس الفقه المالكي المنتشرة في العالم الإسلامي، فمدُّوا جسور التواصل بينها وبين المدرسة المالكية الأندلسية»، ومن بين أولئك سبرة بن مذكر التميمي (ت 312 هـ / 934م) «الذي اعتنى بمؤلفات الفقيه القيرواني المالكي أسد بن الفرات (ت 213هـ /828م)، وغيرهم، كمحمد بن بطال بن وهب التميمي، ووهب بن ميسرة بن مفرج بن حكم التميمي، والذي وُصف بأنه «حافظ للفقه بصير بالحديث».

ويشير البكر إلى أنه في القرن الخامس الهجري، وعلى رغم ما شهده من انتكاسة على الصعيد السياسي في الأندلس، بعد تفكك عقد الخلافة الأموية وتفتتها إلى دويلات صغيرة، إلا أنه «شهد ازدهاراً علمياً واسعاً في مختلف العلوم والفنون، فظهر علماء موسوعيون، وآخرون متميزون في علومهم، كان من بينهم المهلب بن أبي صفرة التميمي (ت 433هـ /1041م)؛ إذ درس الفقه والحديث «ثم تابع تحصيله العلمي برحلته إلى المشرق الإسلامي، واهتم اهتماماً خاصاً بصحيح البخاري الذي أدخله إلى الأندلس وشرحه واختصره ووضع في ذلك كتاباً بعنوان (كتاب النصيح في اختصار الصحيح)».

ومن بين أولئك العلماء أبومروان عبدالملك بن زيادة الله الحماني الطبني. أما في علوم اللغة والأدب، فكان للتميميين حظ وافر في الشعر خصوصاً «ففي القرن الثاني الهجري لمعت شخصية أبي المخشي عاصم بن زيد التميمي كأحد أبرز الشعراء المرموقين في عصره، حيث وُصف بكونه (شاعر الأندلس في زمانه). وفي القرن الرابع الهجري شهد تفوق شعراء تميم في الأندلس؛ إذ برزت أسرة بني هذيل «وهم من نسل مالك بن نويرة»، في هذا الميدان، واشتهر منهم يحيى بن هذيل بن عبدالملك بن هذيل (ت 371هـ / 981م، أو 389هـ / 998م)، «فقد وصفه المؤرخ والحافظ الأندلسي أبوالوليد عبدالله بن محمد بن يوسف المعروف بابن الفرضي بأنه «شاعر وقته غير مدافع».

وبالنسبة إلى علم التاريخ، يشير الباحث خالد البكر إلى أن التميميين لم يكن لهم اهتمام به، إلا في نطاق محدود «وهم في ذلك ليسوا بدعاً من الأندلسيين الذين كانوا ينظرون إلى الاشتغال بعلم التاريخ بشيء من التحفُّظ، وشاهد ذلك أن مؤرخ الأندلس ابن حيان القرطبي (ت 469هـ / 1076م) أشار إلى أن من تقدَّمه من علماء بلده قد اتخذ موقفاً سلبياً من دراسة التاريخ. وعلى رغم ومع نأي كثير من بني تميم عن هذا العلم، إلا أنه نزع قليل منهم إلى هذا اللون مثل أبي مضر محمد بن الحسين بن محمد بن أسد بن كعب بن مالك التميمي الحماني (ت 394هـ / 1003م)؛ حيث كان حافظاً للأخبار، عالماً بالأنساب شاعراً، كما ورد في تاريخ ابن الفرضي.

يخلص البكر في بحثه إلى أن الأثر العربي في شخصية الأندلس كان من القوة والوضوح بحيث طغى على أثر غيره من العناصر المسلمة. كما أن عملية التأثير والتأثر الحضاري المتبادل بين الفاتحين وبين العناصر المحلية لم تؤثر كثيراً في لغة العرب وثقافتهم وأسلوب معيشتهم.

قصر الحمراء أحد المعالم التي مازالت شاخصة...آية المعمار في الأندلس
قصر الحمراء أحد المعالم التي مازالت شاخصة...آية المعمار في الأندلس




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً