توقع «تقرير حالة العالم في 2017» الذي أعدته للمنتدى الاستراتيجي العربي مجموعة يوروآسيا، فيما يخص التوقعات الاقتصادية العالمية، ومستقبل أسعار النفط خلال العام 2017، ألا يتجاوز متوسط أسعار خام برنت 60 دولارًا في 2017 (الاحتمالية: 85 في المئة؛ التأثير على الاقتصاد العالمي: 75 في المئة).
وتوقع التقرير «انخفاض مستوى إنتاج أوبك إلى نحو 33.0 مليون برميل يوميًّا، وذلك بموجب اتفاق خفض الانتاج الذي تم التوصل إليه في (30 نوفمبر/ تشرين الثاني). وسيكون لهذا الاتفاق دور أساسي في دفع الأسعار صعودًا، إذ ستتراوح بين 50 و55 دولارًا خلال النصف الأول من العام 2017، قبل أن تعاود الارتفاع في النصف الثاني، لكن دون أن تخترق سقف 60 دولارًا للبرميل. وفي ظل هذا السيناريو، سيعاود النفط الصخري الأميركي تحقيق نمو متواضع بحلول منتصف العام 2017، لكنه سيحقق مزيدًا من النمو في حال تجاوزت أسعار النفط حاجز 60 دولارًا للبرميل. وستكون لهذه العقبة تداعيات كبيرة على الدول المنتجة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تحتاج إلى أسعار نفط أعلى بُغية تحقيق توازن في موازناتها».
وذكر التقرير أن «الأثر العالمي لأسعار النفط الحالية، يتمثل في: أن الانخفاض في عائدات النفط سيفرض على الدول التي تعتمد على تصديره مواجهة تحدٍّ صعبٍ يكمن في المفاضلة بين اللجوء إلى خفض الإنفاق الحكومي المثير للجدل سياسيًّا من جهة، أو تأجيله من جهة أخرى، وذلك لمواجهة خطر حدوث مزيد من التدهور الاقتصادي وتداعيات سياسية سلبية مستقبلاً. سيتوقف جزء كبير من قدرة الدول على تحمُّل خفض إنفاقها على احتياطاتها النقدية وقدرتها على توفير الأموال؛ والتي كلما زادت قيمتها قلت احتمالية اللجوء إلى خفض الإنفاق. كما سيتوقف ذلك على قدرة أنظمتها السياسية على تحمل الضغوط الداخلية والتزاماتها في تحقيق أهدافها؛ والتي كلما زادت الضغوط قلة احتمالية اللجوء إلى خفض الإنفاق. وإلى جانب ذلك، فإن لتوقيت اتخاذ مثل هذه القرارات دوراً جوهريّاً؛ إذ يجب تأجيل خفض الإنفاق إلى ما بعد إجراء الانتخابات أو تحقيق إنجازات أخرى على سبيل المثال. من المتوقع أن تواجه الدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضغوطًا مالية على حسب تقديرات صندوق النقد الدولي».
التوصيات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا:
قد يتعين على دول المنطقة المُنتجة للنفط ألاّ تُعوِّل كثيرًا على احتمالية أن يؤدي اتفاق تجميد إنتاج النفط أو حتى خفضه إلى دفع أسعار النفط صعودًا. وقد يتعين عليها كذلك تعزيز قدرتها على توفير الأموال من مصادر غير نفطية و/أو اللجوء إلى خفض الإنفاق الحكومي بشكل عاجل، وخاصّة إذا ما تبنت مُجتمعة فكرة بقاء أسعار النفط منخفضة خلال الفترة المقبلة.
كيف سيبدو الاقتصاد العالمي خلال العام 2017؟
لن يتجاوز نمو الاقتصاد العالمي 4 في المئة، وذلك بسبب التحديات لإعادة الهيكلية في العديد من اقتصادات العالم الكبرى خلال العام 2017 (الاحتمالية: 85 في المئة؛ التأثير على الاقتصاد العالمي: 70 في المئة)، وستتسبب مجموعة من العوامل المحلية في تجميد برامج إعادة الهيكلة في مختلف الاقتصادات العالمية الكبرى، مما يؤدي إلى نمو اقتصادي منخفض على المستوى الفردي للدول والعالمي من جهة أخرى خلال العام 2017. لن تتجاوز أيضاً الأسواق الناشئة نموّاً اقتصاديّاً كبيراً أو مفاجئاً على مستوى الديون العالمية، وذلك لعدم وجود برامج إعادة الهيكلة. ووفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، فقد وصلت مستويات الدَّين إلى أعلى مستوى لها منذ العام 2000، متجاوزة حاجز 225 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
التوصيات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا:
سيكون المجال مفتوحًا أمام قادة دول المنطقة لاقتناص الفرصة في استقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات والتي تبحث عن نمو اقتصادي مرن؛ لتكون مصدر جذب للمستثمرين.
هل ستشهد التجارة العالمية انتعاشًا خلال العام 2017؟
لن يتجاوز نمو القطاع التجاري 3 في المئة، ليبقى حول معدل النمو العالمي المتوقع في 2017 أو دونه، (الاحتمالية: 80 في المئة؛ التأثير على الاقتصاد العالمي: 65 في المئة)، ستحول مجموعة من العوامل الهيكلية والضغوط السياسية المستمرة دون انتعاش التجارة العالمية خلال العام 2017. وسيُشكّل ذلك تحدياً أمام النمو العالمي الذي اعتمد على التجارة منذ عقود طويلة.
الأثر العالمي لضعف التجارة العالمية:
• العوامل الهيكلية: يوجد عاملان رئيسيان سببا في انخفاض التجارة العالمية، أولاً شهدت الأسواق ومنتجي السلع طفرة التكنولوجيا الحديثة والتي أدت عن الاستغناء بشكل كبير عن العمالة واستبدالها بأنظمة الذكاء الاصطناعي للوصول إلى الزبائن. ثانياً، تواجه منظمة التجارة العالمية بطء التحول الرقمي في أتمتة الاجراءات التجارية.
• العوامل السياسية: ستستمر ردود الفعل الشعبية المناهضة للدخول في اتفاقيات تجارية إقليمية كُبرى خلال العام 2017. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لن يكون هنالك ميل للدخول في اتفاقيات تجارية جديدة، وذلك بصرف النظر عن مصير الشراكة عبر المحيط الهادئ. أما في أوروبا، فإن المباحثات الرامية إلى الوصول إلى شراكة تجارية واستثمارية عبر المحيط الهادئ، ستستمر بتحقيق تقدم بطيء في أفضل حالاتها، وذلك بسبب انشغال كل من فرنسا وألمانيا بالانتخابات الرئاسية. وفي هذه الأثناء، ستحتاج المملكة المتحدة إلى سنوات حتى تتضح طبيعة علاقاتها التجارية الجديدة مع أوروبا وشراكاتها خارجها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
• تداعيات أخرى: ستواجه التجارة الدولية قيوداً ستحول دون قدرتها على دفع النمو العالمي، وهو ما ستكون له آثار سلبية على الأسواق الناشئة بالتحديد، وخصوصًا مع اعتماد هذه الأسواق على النمو التجاري للوصول إلى مستويات الاقتصادات المتقدمة.
التوصيات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا:
ينبغي على قادة دول المنطقة، إذا ما أرادوا أن يبقوا في الطليعة، أن يتخذوا خطوات في التكامل التجاري شبيهاً بتلك التي بدأت تترسخ في الأسواق المتقدمة. يعتبر التكامل التجاري أحد أهم المجالات التي يمكن من خلالها تحقيق المزيد من النمو في المنطقة.
التوقعات الاقتصادية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا:
لن يكون لارتفاع عوائد النفط وتحسن مناخ الأعمال في إيران دور في تبنيها موقفًا إقليميًا وعالميًا أكثر جزمًا وذلك لعدة أسباب، منها انشغال النخبة فيها بالانتخابات الرئاسية التي ستُعقد خلال الربع الأول من العام 2017، وثانيًا عدم وصول اقتصاد الدولة إلى نقطة تحول جوهرية رغم النمو الذي يحققه. وثالث هذه الأسباب أن السياسة الإيرانية الخارجية هي سياسة هيكلية ولا تتأثر بالمؤثرات الاقتصادية قصيرة المدى، وهو ما يجعل إيران تنتهج في سياستها الخارجية سياسة الأمر الواقع.
الأثر العالمي للسياسة الإيرانية:
• سينصب تركيز النخب السياسية في إيران خلال النصف الأول من العام 2017 على الانتخابات الرئاسية التي ستُعقد خلال شهر (مايو/ أيار)، وليس على الإصلاحات أو السياسة الخارجية.
• رغم ارتفاع عوائد النفط والنتائج المتواضعة للبرامج الإصلاحية التي نفذتها الحكومة الإيرانية، كإصلاح القطاع المصرفي، فإن الاقتصاد الإيراني يشهد إعادة بناء من القواعد، ما سيتطلبُ الكثير من الهيكلة قبل أن يُنظر إلى مكانتها الاقتصادية كأصل من الأصول التي يُعتد بها في السياسة الخارجية.
• وبصرف النظر عن الاعتبارات آنفة الذكر، فإنَّ من يُحدد مواقف السياسة الخارجية الإيرانية، ومستوى تدخلاتها الإقليمية والدولية، هو النخبة الحاكمة المُحافظة، التي لا ترى في الموقف الاقتصادي للدولة متطلبًا أساسيًّا للمغامرات السياسية فيها.
التوصيات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا:
لابُدَّ أن يُدرك صناع القرار في المنطقة أن من يتخذ القرارات الاقتصادية والقرارات السياسة الإيرانية الخارجية هم مجموعة مختلفة من صناع القرارات. فمن جهة، يعني ذلك أنه ليس بالضرورة أن تُشكل القوة الاقتصادية المتنامية لإيران مصدر تهديد، ومن جهة أخرى، يعد ذلك بمثابة تذكير بأن إيران لا تحتاج إلى أن تكون دولة غنية حتى تكون أكثر جزمًا.
الجهود العربية في تعزيز مستوى التعاون الاقتصادي:
ستحُدُّ الخلافات بين الدول العربية من مستوى التعاون الاقتصادي في العام 2017 (الاحتمالية: 60 في المئة؛ التأثير على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: 70 في المئة)، ستضعف الخلافات بين القوى الإقليمية من جهود الوحدة العربية ومن آفاق تعزيز التعاون الاقتصادي في العام 2017. وكان الربيع العربي أدى إلى انهيار المنظومة الأمنية في المنطقة، لكن المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى نجحت في ملء الفراغ مؤقتًا. ومع ذلك، يبدو أن هنالك تصدعات جديدة في العلاقات بين الأنظمة العربية بدأت تطفو على السطح، إذ تقوم مصر بدور جوهري في إعادة تحديد التحالفات الإقليمية. كما ستُشكّل حالة التشرذم في العالم العربي تحديات حقيقية أمام تعزيز فرص التعاون الاقتصادي، وخاصة بين مصر ودول الخليج العربي.
الأثر الإقليمي لضعف التعاون الاقتصادي:
• تعمل القيادة المصرية حاليًّا على تطوير سياسة خارجية أكثر استقلالية من ذي قبل، والتي تُفضل إعادة تأسيس جامعة الدول العربية بوصفها المؤسسة العربية الأكثر أهمية. وطالما رفض المسئولون المصريون التقارب مع الحكومة التركية، التي ينظرون إليها على أنها حكومة إسلامية وقوة خارجية تتدخل في الشئون الداخلية للدول العربية. وإلى جانب ذلك، فإن مصر لا تدعم إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، على العكس من الموقف السعودي. ومع ذلك، ستظل العلاقات بين مصر والسعودية علاقات بناءة، ولكن المسافة بين الدولتين ستزداد.
• غياب الغطاء السياسي القوي سيؤدي إلى جعل الفرص الاستثمارية خارج المنطقة أكثر جذبًا. كما سيُعيد القطاع الخاص النظر في استراتيجيته؛ إذ سيخشى الرؤساء التنفيذيون من أن تُشكّل التوترات التي تحدث في منطقة تُعاني من أطر تنظيمية ضعيفة مصدر خطر لا يمكن تجاوزه.
• ستفقد دول الخليج العربي حماسها تجاه الاستثمار في مصر؛ إذ ستترك وجهة النظر السعودية تأثيرًا كبيرًا على دول الخليج الأخرى. وإلى جانب ذلك، سيكون للتعقيدات التي تُصاحب تنفيذ الإصلاحات السياسية في مصر دور سلبي في هذه العملية. ويمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة تبني سياسة فريدة حيال علاقاتها الاقتصادية مع مصر، إلا أن احتمالات الدخول في شراكة أعمق وأكثر استدامة بين دول الخليج ومصر ستضعُف.
التوصيات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا:
ينبغي أن يسعى قادة المنطقة إلى إعادة بناء إطار تعاون بعيد المدى لتطوير القطاع الاستثماري وإرجاع الاستقرار إلى المنطقة.
العدد 5216 - السبت 17 ديسمبر 2016م الموافق 17 ربيع الاول 1438هـ