العدد 5215 - الجمعة 16 ديسمبر 2016م الموافق 16 ربيع الاول 1438هـ

خرافة يوم الافتتاح

عباس يوسف

كاتب وفنان تشكيلي بحريني

يقول كُثُر إن الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة العربية لها انعكاسات شتى، إيجابية منها وسلبية، وهي أكثر حضوراً وانتشاراً ووضوحاً، وأثّرت بشكل أو بآخر على الجوانب الاجتماعية والثقافية والنفسية، وحين نقول الثقافية نعني ذاك النشاط المتمثل في السينما والمسرح والموسيقى والدراما التلفزيونية والتصوير الفوتوغرافي والأدب بكل صنوفه والفنون التشكيلة بجل مشاربها، وعلى مبدعيها وأشخاصها العاملين فيها، إن صح مثل هكذا قول. وعليه، ما مظاهر هذا الأثر على المبدعين ذاتهم؟

وهل انعكس سلباً أم إيجاباً على نتاجهم؟

وهل يمكن اقتفاء الأثر النفسي إن هو بان واتضح مثلاً؟ وانعكس على سلوكهم ونظرتهم لما ينتجه زملاؤهم الآخرون مثلاً، وبالتالي على كيفية تعاملهم مع زملائهم في الحقل الإبداعي نفسه، أو في الحقول الإبداعية الأخرى (الفنون كلها متداخله) وكيف ينظرون إلى هذا المنتج ومن أي الزوايا؟ وإذ اعتبرنا أن هذه النظرة ربما تتمثّل في نشاط ما، حضور ما، مشاركة ما. بمعنى هل يستقبل المبدعون بعين احترام، لئلا أقول قبولاً ورضا (رؤية العمل فنياً وجمالياً المفترض أن تكون مجرّدة من الأحكام المسبقة والعلاقات الفردية ووو الخ) ما ينجزه زملاء المنطقة نفسها بغضّ النظر عن نوعيته ومستواه الفني فرضاً أم بخلاف ذلك تماماً؟ هل مساحة الانفتاح على المُنجز الإبداعي مهما كان مبدعه، عمره، مستواه الفني والثقافي، وقناعاته الفكرية مثلاً والطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها؟ هل هي قائمة؟ أم ثمة اعتبارات ما تتحكّم أو يحتكم بها ويرجع إليها كلما حلّت مناسبة ثقافية. ولاسيما مسألة الحضور والمقاطعة، وحضور الأحكام المسبقة على المستوى الفني وبقوة لتكون ذريعة المقاطعة، المقاطعة لا لوجه الفعالية ذاتها وما تحمله وتمثله وما تحتوي عليه من أثر، وهذا لربما لا تظهر تأثيراته ولا تتضح فوائده إلاّ بعد حين، بقدر ما صاحبها... شخصه هو المعنيّ بالمرتبة الأولى.

مبعث سالف القول هو مخابرة أحد الأصدقاء الفنانين يهنئ بمناسبة معرضي الشخصي، «تحية إلى قاسم حدّاد ودروبه المضاءة بالمنارات»، ويعتذر بلباقة المُحب عن عدم تمكّنه من الحضور يوم افتتاح المعرض نتيجة انشغالات، بعد ردّي التحية إليه بالمثل مباشرة قلت له يا صديقي أنا لا أؤمن بخرافة يوم الافتتاح ولاسيما بالنسبة إلى المعارض التشكيلية والتي في الغالب الأعم تستمر لعدة أيام؛ ما يسنح لزيارة المعرض، أي معرض في المقبل من أيام بعد الافتتاح، وظني أن زيارة المعارض في غير اليوم الأول أنجع لما تتيحه من مساحة ووقت لمشاهدة الأعمال الفنية بتأمل ورواء بعيداً عن ضوضاء ساعات الافتتاح التي عادة ما ترسخ كمناسبة اجتماعية بحتة لا غير في أغلب الأوقات.

أظن أن الزيارة في غير ذاك اليوم الأول أهم وأجدى وأن والمباركة بالحدث حلوة لما لها من وقع طيب على قلوب متلقيها.

يقول حسين المحروس: «إذا كان هناك حفل تدشين كتاب فإنّي غالباً ما أتلفّت لغير الكتّاب، وفي المعارض الفنية لغير الفنانين التشكيليين من محبّي الفنّ ومتذوقيه والناظرين لخبايا الرسائل والتجربة الإنسانية فيه. هاجس الفنانين هنا - أكثرهم - تعرية العمل الفني لمواده الأولية، تقنية الفنان فيه، والبحث عن اعوجاج في حرف الألف، وبأية فرشاي رسم! أنت تعرف الفنان الألماني دورير (توفي 1582م) الذي برع كثيراً في رسم شَعر الإنسان حتى طلب منه الفنان الايطالي جوني بيليني (توفي 1516م) أن يخرج له الفرشاة الخاصة التي يرسم بها الشَعر! هذا شاغله لكن في تلك اللحظة فقط! وفي البحرين سأشير لهمٍّ آخر لدى الكثير منهم، هو أبو الهموم كلها: هل سيحضر فلان المقتني؟ فلان الكبير؟! يحضرون لحضوره ويغيبون لغيابه! وهمّ آخر: لا تذكرهم بشيء اسمه القراءة! قيمة الحضور الكبرى للفنان عمله، ومنجزه البصري وقدرته على إحضار شيء من النفس البشرية في صورة حوار بصري. هذه هو الحضور الحقيقي. فإذا فقد الفنان حضوره الثاني لا معنى للأوّل.

إقرأ أيضا لـ "عباس يوسف"

العدد 5215 - الجمعة 16 ديسمبر 2016م الموافق 16 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:57 ص

      الاخ الفنان عباس...دائما تدهشني بيراعك بالرغم من ندرة وقتك...احييك وقاسم حداد وكل الفنانين اللذين لاتؤنسهم الافتتاحيات بل يتلمسون التفاعل الجمالي والسمو الانساني عبر ابدعهم المتصل..ودمت دوما معطاء..

اقرأ ايضاً