توقفت عمليات الإجلاء من آخر مناطق خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة في حلب السورية أمس الجمعة (16 ديسمبر/ كانون الأول 2016) بعد أن طالب مسلحون موالون للحكومة بإخراج المصابين من قريتين يحاصرهما مقاتلو المعارضة.
وتوقفت عمليات الإجلاء في اليوم الثاني وسط اتهامات متبادلة بين كل الأطراف بعد صباح شهد تسارعاً في وتيرة عمليات الإجلاء.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للصحافيين: «حلب الآن هي المرادف للجحيم... أعبر عن بالغ أسفي لاضطرارنا لوقف تلك العملية». وانقسمت حلب إلى مناطق خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة وأخرى خاضعة لسيطرة الحكومة خلال الحرب الأهلية الدائرة منذ ما يقرب من 6 سنوات، لكن مكاسب سريعة حققها الجيش السوري وحلفاؤه بدأت في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني سلبت مقاتلي المعارضة غالب الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها في غضون أسابيع.
واتهمت مصادر في جماعات المعارضة المسلحة مقاتلين موالين للحكومة بفتح النار على قوافل الحافلات التي تقل الخارجين من شرق حلب ونهبهم. ونفى مصدر عسكري سوري الاتهامات لكنه قال إن القافلة عادت أدراجها.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن مسلحين موالين للحكومة أوقفوا مجموعة من سيارات الإسعاف وعربات تقل المئات من المدنيين والمقاتلين في نقطة للتفتيش جنوب غربي حلب. وعادوا فيما بعد لجيب المعارضة في المدينة. وقال قائد بالمعارضة في حلب إن مقاتلي المعارضة في شرق حلب في حالة استنفار، بعد أن منعت قوات موالية للحكومة المدنيين من المغادرة ونشرت أسلحة ثقيلة على الطريق المؤدي إلى خارج المنطقة. وقال مصدر رسمي سوري إن عملية الإجلاء توقفت؛ بسبب محاولة مقاتلي المعارضة اصطحاب أسرى معهم ومحاولتهم أيضاً إخفاء أسلحة في حقائبهم. ونفت جماعات المعارضة في حلب ذلك. لكن الإعلام الحربي لحزب الله المؤيدة للحكومة السورية قال إن محتجين قطعوا طريقاً مؤدياً إلى خارج المدينة مطالبين بإجلاء المصابين من قريتي الفوعة وكفريا الشيعيتين في محافظة إدلب المجاورة.
وقال مسئولون من المعارضة ومن الأمم المتحدة إن إيران -وهي أحد الحلفاء الرئيسيين للنظام السوري- طالبت بضم القريتين إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي تجري بموجبه عمليات الإجلاء من حلب.
وقال مصدر في المعارضة السورية المسلحة إن «جبهة فتح الشام» المعروفة سابقا باسم «جبهة النصرة»، كانت آخر جماعة من جماعات المعارضة التي تحاصر القريتين التي توافق على السماح للمصابين بالمغادرة. لكن مصدراً في «النصرة» نفى ذلك. وقال مسئول سوري أمس إن عمليات الإجلاء المتوقفة من شرق حلب ستستأنف بمجرد السماح بخروج المصابين من قريتي الفوعة وكفريا المحاصرتين. والفوضى المحيطة بعمليات الإجلاء من شرق حلب تعكس مدى تعقيد الحرب التي تشمل عدة جماعات وقوى أجنبية متدخلة لصالح طرفي النزاع.
وعلى الرغم من أن روسيا وإيران تدعمان الأسد فقد ألقى مقاتلو المعارضة باللائمة على طهران وجماعات تدعمها في سورية في عرقلة جهود موسكو للتوسط في عمليات الإجلاء من شرق حلب.
عمليات الإجلاء من شرق حلب
وقالت منظمة الصحة العالمية إنه جرى إبلاغ وكالات الإغاثة المشاركة في عمليات الإجلاء بمغادرة المنطقة من دون تقديم أسباب.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن عدد من غادروا المدينة في قوافل الحافلات وسيارات الإسعاف منذ بدء الإجلاء صباح أمس الأول (الخميس) بلغ في المجمل ثمانية آلاف شخص من بينهم نحو 3 آلاف مقاتل وأكثر من 300 مصاب.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن أكثر من 2700 طفل تم إجلاؤهم من شرق حلب خلال 24 ساعة، لكن المئات لا يزالون محاصرين.
وأظهرت صور أرسلها ناشط كان ينتظر لمغادرة الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة من شرق حلب حشودا تقف في الشوارع وسط المباني المهدمة ويرتدي أفرادها معاطف ثقيلة وسط أجواء الشتاء والبرد القارس. وفي رسالة للصحافيين قال الناشط إن الأطفال جائعون ويبكون وإن الناس مرهقة ولا يعرفون إن كانت حافلات ستأتي لتنقلهم.
وذكرت منظمة الصحة العالمية أن نحو 200 مريض ممن تم إجلاؤهم وصلوا بحلول الصباح الباكر أمس إلى 8 مستشفيات مكدسة بالفعل في الجزء الغربي الخاضع لسيطرة الحكومة من حلب وفي إدلب وفي تركيا.
وتقول الأمم المتحدة إن 50 ألف شخص لا يزالون داخل الجزء الخاضع لسيطرة المعارضة من حلب. ومحافظة إدلب التي تسيطر جماعات إسلامية متشددة على غالبها ليست وجهة مفضلة لمقاتلي المعارضة أو المدنيين الخارجين من شرق حلب.
وتتعرض إدلب بالفعل لضربات جوية سورية وروسية لكن ليس من الواضح إن كانت الحكومة ستشن هجوما برياً أم ستكتفي بحصر مقاتلي المعارضة هناك في الوقت الراهن.
وقالت تركيا إن من الممكن أيضا إقامة مخيم في سورية قرب الحدود التركية لإيواء الخارجين من حلب.
وقال مسئولون أتراك إن هناك موقعين محتملين على بعد نحو 3 كيلومترات ونصف داخل سورية لإقامة المخيم الذي سيستوعب ما يصل إلى 80 ألف شخص، وأضافوا أنهم يتوقعون وصول ما يصل إلى 35 ألفا. وستواصل تركيا استقبال المرضى والمصابين القادمين من حلب في مستشفياتها.
مساعي بوتين
من جانبه، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -أقوى حليف لسورية- إنه يعمل مع الرئيس التركي طيب أردوغان من أجل بدء جولة جديدة من محادثات السلام السورية بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد.
وقال بوتين خلال مؤتمر صحافي في اليابان إن المحادثات الجديدة قد تجري في أستانة عاصمة كازاخستان وستكون مكملة للمفاوضات التي عقدت بشكل متقطع في جنيف بوساطة الأمم المتحدة.
وأضاف للصحافيين «الخطوة التالية هي التوصل لاتفاق بشأن وقف شامل لإطلاق النار في كامل أنحاء سورية».
وقال رياض حجاب المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة السورية أمس إن الهيئة مستعدة للانضمام لمحادثات السلام بشرط أن يكون هدفها تشكيل حكومة انتقالية. واستبعد الأسد التنحي عن السلطة في إطار أي حل سياسي لإنهاء الحرب.
وقال المسئول في وزارة الدفاع الروسية، سيرغي رودسكوي أمس إن نجاح قوات الحكومة السورية في السيطرة على شرق حلب يهيئ الأجواء للتوصل لحل سلمي للصراع في سورية. وأضاف أن كل المدنيين وغالب مقاتلي المعارضة غادروا الأحياء التي كانت المعارضة تسيطر عليها من المدينة وأن أكثر من 3400 مقاتل من «المعارضة المعتدلة» سلموا أسلحتهم.
واضطرت الولايات المتحدة للجلوس في مقعد المتفرج فيما شنت قوات الحكومة السورية وحلفاؤها ومنهم روسيا هجوما على مقاتلي المعارضة في شرق حلب انتهى بوقف لإطلاق النار هذا الأسبوع. وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس الأول إن الحكومة السورية تنفذ «ليس أقل عن مذبحة» في حلب.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرو إن مجلس الأمن الدولي سيجتمع لمناقشة نشر سريع لمراقبين من الأمم المتحدة في شرق حلب لضمان عدم وقوع انتهاكات ووصول المساعدات الإنسانية للمدينة.
واتهم الدفاع المدني السوري المعروف باسم «الخوذ البيضاء» وجماعات مدافعة عن حقوق الإنسان روسيا بارتكاب جرائم حرب في سورية أو التواطؤ فيها ويقولون إن الضربات الجوية الروسية على حلب قتلت 1207 مدنيين من بينهم 380 طفلاً.
العدد 5215 - الجمعة 16 ديسمبر 2016م الموافق 16 ربيع الاول 1438هـ