يفضّل المصور الأميركي رينزي رويز تصوير الشوارع Street Photography على أي نوع آخر من أنواع التصوير، إذ يؤمن بأنه التصوير الذي يتضمّن كمّاً أكبر من الإبداع ويمنح المصور فرصة أكبر للاستكشاف ولإثبات موهبته.
رويز الذي سئم العمل الإداري والروتين المكتبي؛ إذ كان يعمل مديراً لقسم التصميم الغرافيكي في شركة تكني كولور Technicolour ، وقرر أن يتحول إلى مصور مستقل يجول شوارع لوس انجليس، مستكشفاً وموثقا حياة الناس اليومية فيها، زار البحرين أخيراً، بدعوة من السفارة الأميركية، ليقدم عدداً من الورش التدريبية في عدد من مدارس البحرين.
«الوسط» التقت به على هامش زيارته للبحرين فجاء الحوار الآتي:
ما الذي جعلك تقرر التخلي عن العمل في مجال تخصصك في التصميم الغرافيكي والتحريك الحاسوبي، ومن ثم ترك المنصب الإداري في هذا المجال الى التصوير الفوتوغرافي لشوارع لوس انجليس؟
- كنت ابحث عن أمر أبدع فيه، كنت أعمل في شركة تكني كولور Technicolor وقد تغيرت وظيفتي من مصمم غرافيكي حيث كنت أقوم بعمل فيه كثير من الإبداع إلى منصب إداري. حينها أصبح العمل مملاً، ولذا بدأت في البحث عن عمل أبدع فيه، وذلك في محاولة لإيجاد نفسي من جديد.
ولأنني كنت مصوراً أساساً، فقد شعرت بحنين للأيام الماضية التي كنت أحبها كثيراً، لذا فكرت في العودة إلى التصوير، أو إلى أي نشاط إبداعي مشابه يجعلني قادراً على أن أقضي ساعات مع نفسي، وأن أخرج من المنزل وأن استكشف الشوارع والطرقات. قررت أن أعود إلى الكاميرا مرة أخرى وشعرت حينها بسعادة كبيرة.
كيف قررت أن تتخصص في تصوير الشوارع والأماكن العامة، ما الذي جعلك تتخذ هذا الاتجاه في التصوير؟
- عند ما بحثت عن التصوير الفوتوغرافي على الانترنت، لم تعجبني الكثير من أنواع التصوير الموجودة والمعمول بها. كنت أريد ذلك النوع من التصوير أو النشاط الذي يجعلني على تواصل مع البشر، وأثناء بحثي وجدت هذا النوع من التصوير الذي يتضمن استكشاف الأماكن وتصوير الناس. أعجبني ذلك كثيرا فبدأت في البحث والتعمق أكثر في هذا المجال، وانتقلت من صفحات الانترنت إلى البحث في المكتبات، وهناك اطلعت على أعمال المصورين الكبار في تصوير الشوارع، أعجبت بأعمال بعضهم كثيراً مثل أعمال المصور ري كيه مدسكر الذي ألهمتني أعماله كثيراً.
في احدى المرات، استوقفتني صورة في أحد الكتب لشارع عادي وامرأة تسير في وسطه. أعجبتني الصورة كثيراً، وبدت وكأنها أخذت بيدي إلى ما كنت أبحث عنه، إذ وجدت حينها رغبة كبيرة بداخلي لتقديم صور تشبه تلك الصور التي رأيتها. قلت لنفسي حينها هذا هو فعلاً ما أريد أن أفعله. استعرت الكتاب يومها واطلعت على جميع الصور الموجودة بداخله والتي التقطها مصورون مختلفون في مدن أوروبية مختلفة. كانت معظم الصور بالأبيض والأسود، وكانت صوراً قديمة التقطت في سنوات الأربعينات وصولاً إلى الستينات من القرن الماضي، في فرنسا وفي مدن أوروبية أخرى. كنت أعرف انني لن أتمكن من تقديم صور مماثلة لتلك الصور لأنها ملتقطة في مكان مختلف وبضوء مختلف، وبكاميرا مختلفة. ولذلك قررت أن أدرس الضوء في لوس انجليس وأتعرف على الأوقات المناسبة للتصوير. تطلب ذلك مني الكثير، وكنت استغل اجازاتي الأسبوعية لعمل ذلك. كنت أقضي الوقت كله اتجول في الشوارع والتقط الصور وأتدرب على استخدام الكاميرا، وفي الوقت نفسه كنت أتعرف على المزيد من أعمال مصوري الشوارع. بعدها التحقت بدورة في تصوير الشوارع والتقيت بمصورين آخرين في المجال نفسه.
قررت إذن أن تعود إلى الإبداع، وأن تفعل شيئاً يكسر روتينك، فعدت إلى التصوير، هل عدت إلى النقطة نفسها التي توقفت عندها، أم أنك استفدت من تجربتك في مجال التصميم الغرافيكي لتقدم أمراً مختلفاً فيه جدّة وابتكار.
- نعم بدأت أصور الناس في الشوارع، الناس الذين لا أعرفهم، وكان الأمر بالنسبة لي جميلاً، جميلاً لأن الناس يتفهمون الأمر ويقبلون تصويري لهم. التقيت بالكثير من الأشخاص سواء ممن يعملون في المجال نفسه أو من الأشخاص العاديين. تعرفت على الكاميرا نفسها بشكل أكبر، شعرت أنها أداة كما هو القلم أو الفرشاة أو جهاز الكمبيوتر، جميعها أدوات، وعلينا أن نتعرف على الجوانب التقنية لها وعلى تقنيات استخدامها. كنت سعيداً بالتعرف على كل ذلك وبدخول هذا المجال، ولعل هذه السعادة وهذا الحماس هما ما جعلني أتمكن من تقديم صور ناجحة.
كيف استفدت من خبرتك السابقة في مجال التصميم الغرافيكي والتحريك الحاسوبي Computer Animation في مجال التصوير الفوتوغرافي الذي تخصصت فيه؟
- معرفتي بأساسيات وطرق تركيب الصور وتغيير أشكالها، وخبرتي في مجال استخدام الأطر المختلفة، ساعدني كثيراً. في عملي السابق كانت مهمتي تتركز في إنشاء القوائم الرئيسية لأفلام الدي في دي المخصصة للأفلام، وتصميم واجهة لها تعطي أسلوب واحساس الفيلم نفسه، ولذا فحين بدأت في التقاط صوري الخاصة، وجدت أنني قادر على إيجاد طريقة تميزني عن كثير من المصورين في هذا المجال.
كذلك فإن دراستي للضوء والتركيز على توظيفه بالشكل الصحيح في صوري، جعل صوري مميزة ومختلفة وجعل لي أسلوباً خاصاً بي. بالطبع استفدت من أعمال مصورين آخرين، لكن على رغم ذلك فإن في أعمالي لمسة وأسلوباً خاصين بي، بسبب خبرتي السابقة وبسبب تركيزي على موضوع الضوء والظل.
كيف تنظر إلى عملية التصوير الفوتوغرافي اليوم، هل تجد التصوير موهبة فنية ومعرفة تقنية أم إنها عملية توثيقية ذات رسالة مهمة، بالدرجة الأولى؟
- الأمران على ما أظن. يمكن لنا جميعنا أن نرسم لكن أولئك الذين يحملون قدرة إبداعية وقدرة على الابتكار وعيناً مختلفة هم من يمكنهم أن يقدموا أمراً مختلفاً. كذلك الأمر في الصور، جميعنا يمكن له أن يلتقط الصور لكن يتطلب الأمر عيناً مختلفة وذهناً مختلفاً وإبداعاً مغايراً لنتمكن من تقديم شيء مختلف يمكنه أن يلامس روح المتفرج.
لكن الموهبة والفن والقدرة الابداعية لا تكفي، هل تغفل أهمية الدراسة والمعرفة والدراية بأنواع الكاميرات وتقنيات عملها وما إلى ذلك؟
- هذه المعرفة هي ما تجعلنا قادرين على استخدام الأجهزة فقط، أما الصور المميزة والأعمال الابداعية فلا تحتاج إلا إلى عين إبداعية وقدرة على اختيار الموضوعات والزوايا والأوقات وما إلى ذلك.
فأنت تقول إن هناك مصوراً قادراً على التقاط الصور التي لا تشكل فرقاً كبيراً في مقابل مصور فنان قادر على إبهارنا والتأثير فينا بصوره؟
- نعم، وقد لاحظت هذا الأمر حين التحقت بمدرسة الفنون لتعلم تقنيات التصميم الغرافيكي والتحريك الحاسوبي، إذ إنني وجدت أن الكثير من الأشخاص يمكنهم استخدام التقنية بالشكل الصحيح وإنتاج أعمال تبدو جيدة لكن هذه الأعمال لا تنقل أي إحساس ولا توجد فيها أي روح، في المقابل هناك أشخاص قد يواجهون صعوبة في النواحي التقنية وانا اعتبر نفسي أحدهم، لكن هؤلاء يمكنهم أن ينتجوا أعمالاً تشد المتفرجين وتقول الكثير. التصوير فن، والمصور الفنان يضع قلبه وروحه في العمل الذي يقدمه. يحتاج لأن يعرف التقنيات لكنه قبل كل ذلك يحتاج عقلاً مبدعاً ينتج أفكاراً مختلفة فيها من الابتكار والجدّة الكثير.
ضوء
يشار إلى أن رينزي رويز، مصور أميركي مستقل، يعيش في مدينة لوس انجليس الأميركية. عرضت أعماله في صحيفة لوس انجليس تايمز ضمن زاوية So Cal Moments، إحدى زوايا معرض YOU ARE HERE الإبداعي، كذلك عرضت أعماله في جاليري هاتاكياما لصور الشوارع.
أقام أول معارضه الشخصية Street Zen في جاليريPerfect Exposure Gallery وهو أحد أشهر الجاليريهات الفنية في لوس انجليس. وبالإضافة إلى صور الشوارع، تشمل أعماله أيضاً بورتريهات، ومناظر طبيعية landscapes، وصور المدن والمناسبات وحفلات الزفاف.
درس رويز الفنون الجميلة في عدد من الكليات. تخصص في التصميم الجرافيكي والتحريك الحاسوبي في معهد الفنون في لوس انجليس. قضى عشرة أعوام في شركة تكنيكولور كمصمم غرافيكي ثم أصبح بعدها مديراً لدائرة الفنون التابعة إلى إدارة التصميم الغرافيكي. بعدها أصبح مهتماً بالتصوير الفوتوغرافي وعلّم نفسه كيفية استخدام الكاميرا. أنتج مجموعة من الأعمال الفوتوغرافية بنمط أصبح معروفا به بشكل واسع.