يُعرف عهد صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بعهد بناء دولة البحرين الحديثة المستقلة، فقد قضى سنوات حكمه في الفترة من العام 1961م إلى العام 1999م في العمل على بناء البحرين الحديثة، والعمل على استقلالها عن الحماية البريطانية.
وجد سموه أن مرحلة الاستقلال تسبقها بعض الأسس المهمة الداعمة، والتي من بين أهمها إصدار العملة الخاصة بالبحرين. فقد كانت الروبية الخليجية هي العملة المستخدمة في البحرين وبقية إمارات الخليج آنذاك، وبعد تولي سموه الحكم حظي الإصلاح النقدي باهتمام كبير، وعمل جاهداً على إصدار عملة خاصة بالبحرين تُميِّزها كدولة لها كيانها الخاص بها.
وبموجب أحكام المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 1964م بشأن طرح عملة ورقية، فقد تقرر إنشاء مجلس نقد البحرين، ومنحه صلاحية إصدار وتنظيم العملة، ومنح التراخيص المصرفية. كما تقرر استبدال الروبية الخليجية بالدينار البحريني المقسم إلى 1000 فلس.
خطط مجلس النقد للمسكوكات الجديدة مع دار الضرب الملكية في لندن، وتم بموجب ذلك التخطيط إعداد تصاميم متعددة لفئة المئة فلس، كان بعضها ذات طابع إبداعي وفني متميز. وفي الوقت نفسه أعدت دار الضرب الملكية قوالب من مختلف الأحجام للعملة الجديدة. وبعد اتخاذ الإجراءات الضرورية كافة وشحن العملة الجديدة إلى البحرين، تم طرح الدينار البحريني الجديد للتداول لأول مرة في شهر (أكتوبر/تشرين الأول من العام 1965م). وكانت الفئات التي طرحت هي فئة 10 دنانير، و5 دنانير، ودينار واحد، ونصف دينار، وربع دينار. أما النقود المعدنية فكانت من فئة 100 فلس، و50 فلساً، و25 فلساً، و10 فلوس، وفلس واحد.
كانت خطوته الثانية بعد إصدار العملة الخاصة بالبحرين إنشاء مجلس الدولة في العام 1970م، مصدراً سموه ثلاثة مراسيم. نص المرسوم الأول على إنشاء مجلس الدولة الذي يعد الجهاز التنفيذي والإداري الذي يتولى تنفيذ السياسة العامة للدولة وفق القوانين والمراسيم والأنظمة. وتناول الثاني التنظيم الإداري للدولة، واختص الثالث بتعيين رئيس مجلس الدولة وتسميته أعضاء مجلس الدولة كرؤساء للدوائر الحكومية، وتضمن تعيين صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيساً للمجلس، وتعيين الرؤساء الأحد عشر الذين يشكلون الفريق الحكومي.
ترأس سمو الأمير في (يناير/كانون الثاني من العام 1970م) الجلسة الأولى لمجلس الدولة وألقى كلمة سامية جاء فيها: «لقد جاء هذا المجلس كخطوة أولى لتحقيق الأهداف التي نسعى لها لخدمة هذا الوطن العزيز، ومهمتكم في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ هذه البلاد أن تتعاونوا مع زملائكم لتنسيق الأجهزة والخدمات، وألا تجعلوا تلك المهام والواجبات، مع أهميتها، تشغلكم عن الهدف الأهم من تشكيل هذا المجلس، وهو دراسة ما يتطلبه المستقبل من تنظيم، وما تحتاج إليه البلاد من تخطيط اقتصادي لرفع مستواها، ودفعها في طريق التقدم والرقي».
بعد بناء مؤسسات الدولة سعى سموه، طيب الله ثراه، إلى تحقيق الهدف الرئيسي الذي كان يخطط له منذ أن تولى سدة الحكم، والمتمثل في جعل البحرين دولة مستقلة، وهو الأمر الذي تطلب حل النزاع مع شاه إيران الذي كان يطالب بالبحرين، ففي (الرابع من يناير/ كانون الثاني العام 1969م) قام شاه إيران محمد رضا بهلوي بزيارة الهند وأعلن من هناك قبول إيران بحل النزاع مع البحرين عن طريق المفاوضات، كما أكد رغبته لتأييد حق تقرير المصير للشعب البحريني. وتجاوب أمير البلاد صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة مع المبادرة التي أطلقها شاه إيران.
ومن أجل تفعيل تلك المبادرة أنشأ سموه في (12 يناير 1969م)، دائرة الخارجية لتتولى العمل الدبلوماسي، وعين سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة مديراً للدائرة.
طلبت الأطراف المعنية، وهي البحرين والمملكة المتحدة وإيران، من الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك السيد (يو ثانت) أن يرسل ممثلاً شخصيّاً للتحقق من رغبات شعب البحرين. وقد وصلت بعثة الأمم المتحدة برئاسة ونسبير جويشياردي إلى البحرين في (العشرين من مارس/ آذار العام 1970م) وقام بالاتصال بالمؤسسات الرسمية، وتجول في المدن والقرى، والأسواق، والتقى ممثلين عن الأندية والجمعيات، مستطلعاً آراء المواطنين ورغباتهم.
وفي (11 مايو/أيار العام 1970م) عرض الأمين العام للأمم المتحدة تقرير ممثله الشخصي على مجلس الأمن الدولي للمناقشة وإصدار القرار. وقد رحب المجلس بالنتائج التي توصل إليها التقرير، بخاصة تلك التي تؤكد أن الغالبية الساحقة من الشعب البحريني ترغب في أن تنال الاعتراف بذاتها ضمن دولة مستقلة وذات سيادة تامة وحرة، بحيث تقرر بنفسها علاقتها مع الدول الأخرى. وعند التصويت نال القرار المصادقة بالإجماع ما جعل البحرين على طريق الاستقلال.
في (14 أغسطس/آب من العام 1971م) صدر البيان الرسمي من أمير البلاد صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بإعلان استقلال البحرين، وجاء فيه عزم الحكومة على اتخاذ الخطوات الآتية:
- إن البحرين الدولة العربية المستقلة هي صاحبة السيادة المطلقة على أراضيها، وان لحكومة البحرين دون غيرها حق تصريف شئونها الخارجية وتنظيم علاقتها الدولية.
- التقدم فوراً بطلب انضمام البحرين إلى عضوية كل من الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة.
- الطلب من الدول العربية الشقيقة والدول الإسلامية الصديقة ودول العالم الأخرى الاعتراف بوضع كيان البحرين كدولة عربية مستقلة ذات سيادة.
واستكمالاً لاستقلال البحرين، فقد صدر عن سموه مرسوم أميري رقم (1) لسنة 1971م في (15 أغسطس/ آب 1971م) جاء فيه يكون الاسم الرسمي لإمارة البحرين وتوابعها (دولة البحرين). ونصت المادة الثانية من المرسوم: يكون اللقب الرسمي لحاكم البحرين وتوابعها «أمير دولة البحرين».
تضمن المرسوم الثاني إنشاء مجلس الوزراء يخلف مجلس الدولة يرأسه رئيس يسمى «رئيس مجلس الوزراء»، ويسمى أعضاء المجلس «وزراء»، وتسمى الدوائر الحكومية «وزارات».
قبلت دولة البحرين عضواً في جامعة الدول العربية في (الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 1971م). وتقدمت البحرين بطلب الانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة في (سبتمبر العام 1971م)، وتمت الموافقة على انضمامها إلى عضوية الأمم المتحدة واعترفت جميع الدول بالبحرين.
وانضمت البحرين بعد نيلها الاستقلال إلى منظمات إقليمية وعربية، وعقدت في عهد سمو الشيخ عيسى عدة اتفاقات تعاون على الصعيد العربي والإسلامي والعالمي، وشاركت في الكثير من المؤتمرات الدولية لمناقشة قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية.
واستكمالاً لبناء دولة البحرين الحديثة المستقلة فقد صدر مرسوم أميري بقانون رقم (12) في (20 يونيو/ حزيران 1972م) يتعلق بإنشاء مجلس تأسيسي لإعداد دستور دولة البحرين، تلاه مرسوم بقانون رقم (13) في (16 يوليو/ تموز 1972م) يتعلق بأحكام الانتخاب للمجلس التأسيسي.
بذل أعضاء المجلس التأسيسي، الذي فاز برئاسته أديب البحرين إبراهيم العريض، جهوداً مضنية على مدى ستة أشهر كاملة تكللت بالنجاح. ففي (التاسع من يونيو العام 1973م) شهدت قاعة بلدية المنامة حفلاً تاريخيّاً بمناسبة انجاز مهمة المجلس المتعلقة بإعداد الدستور، وألقى رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة كلمة أشاد فيها بدور أعضاء المجلس التأسيسي والجهود التي بذلوها من أجل إعداد دستور دولة البحرين. وبعد انتهاء رئيس الوزراء من إلقاء كلمته، رفع المجلس جلسته الختامية، معلناً بذلك دخول البحرين العصر الديمقراطي الصحيح.
بعد انجاز الدستور أصدر سمو الأمير مرسوماً في (11 يوليو 1973م) بشأن أحكام الانتخابات للمجلس الوطني. وجاء في المادة الأولى «يتألف المجلس الوطني من ثلاثين عضواً ينتخبهم الشعب بطريقة الانتخاب العام السري المباشر، ويكون الوزراء أعضاء في المجلس الوطني بحكم مناصبهم».
وشهد (السابع من ديسمبر/ كانون الأول العام 1973م) بدء العملية الانتخابية حيث تم انتخاب ثلاثين عضواً. وأصدر أمير البلاد مرسوماً حدد (السادس عشر من ديسمبر 1973م) موعداً لدور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الأول – واستمر المجلس حتى (يوليو من العام 1975م)، حيث حل المجلس بسبب خلاف بين الحكومة والمجلس.
في (ديسمبر العام 1992م) تم تأسيس مجلس الشورى، وصدر الأمر الأميري رقم (9) لسنة 1992م بتعيين أعضاء مجلس الشورى، واشتمل هذا الأمر على أسماء ثلاثين عضواً للمجلس من ذوي الخبرة والكفاءة.
افتتح صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة مجلس الشورى لدور الانعقاد الأول للمجلس في (16 ديسمبر 1993م)، وقال في جانب من كلمته السامية: «يأتي مجلسكم الموقر هذا «مجلس الشورى» ليمثل الصيغة المناسبة والمتلائمة مع طبيعة هذه المرحلة، وما تتطلبه من وحدة وتكاتف على الصعيد الوطني من ناحية، وما تقتضيه في المقابل من حكمة وتأنٍ وتثبيت للاستقرار على الصعيدين العربي والدولي بصفة عامة. وبلا ريب فانَّ التقدير الموضوعي لهذه الظروف مجتمعة يرجح كفة الأخذ بمثل هذا النهج المتأني والمدروس في خطوات التطوير والإصلاح، وفي سائر مجالات العمل والتحرك في الداخل والخارج».
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 5214 - الخميس 15 ديسمبر 2016م الموافق 15 ربيع الاول 1438هـ