عبر محطات زمنية مختلفة، توقف وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة ليستحضر شريطًا من ذكريات الطفولة والصبا والشباب في مبادرة «لقاء الخميس»، ومن بينها محطات بارزة في مسيرة العمل، ولعل أبرزها تلك التي مثلت بوابة الدخول إلى عالم الدبلوماسية حيث لفت إلى أن ملف «جزر حوار» وضعه في واجهة أهم قضية وطنية.
تلك البوابة كانت تُفتح له من قبل نائب رئيس الوزراء سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة حينما كان وزيرًا للخارجية، فقد عمل معه ووجد منه كل الاهتمام والعون والدعم وتعلم منه الكثير، فتلك القضية الوطنية الكبرى جعلته قريبًا من المسئول الأول وهو عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ورأى كيف كان جلالته يتابع آنذاك الملف بدقة واستمرارية ويراجع العمل من كل جوانبه.
بين رجالات البلد
وبوصفه صديق الشباب في الخليج العربي خصوصًا والعالم عمومًا، استضاف شباب مبادرة «لقاء الخميس» وهي نشاط ابتكره مجموعة من شباب مدينة الرياض للبحث عن الناجحين وتقديمهم أمام الشباب لعرض تجاربهم والتحديات التي واجهتهم، وكما يقول القائمون على المبادرة، فإن عمر هذه المبادرة لا يتجاوز 4 سنوات، إلا أنها استطاعت الالتقاء بأكثر من 170 قصة نجاح في أكثر من 25 مدينة في: المملكة العربية السعودية، دولة قطر، مملكة البحرين وبريطانيا، ومن بين رواد أعمال ومبتكرين في شتى المجالات التي يزخر بها المجتمع الخليجي.
وفي اللقاء الذي عقد في فندق سوفوتيل الزلاق مساء الأربعاء (14 ديسمبر/ كانون الأول 2016) استهل وزير الخارجية حديثه بتوجيه الشكر إلى القائمين على المبادرة، ليبدأ في أول محطات الحديث وبدأها بالقول «أنا سعيد بوجودي معكم ولا أتكلم كإنسان ناجح لأنني لا أرى نفسي ناجحا، بل أرى أن من يرى نفسه ناجحًا فلن يتمكن من معرفة الطريق الذي يسير فيه بدقة وعليه أن ينطلق دون النظر إلى نفسه كناجح فقط»، وعن مرحلة النشأة والأسرة والطفولة (الوزير من مواليد أبريل/ نيسان 1960)، وصفها الوزير بأنها فترة تكوين الشخصية وهي أهم فترات حياتي حيث تربى في مدينة الرفاع الغربي في بيت محافظ هو بيت الجد، وكان يتعلم منه ومن رجالات البلد الذين كانوا يزورون مجلسهم الكثير من الأمور وأولها الأخلاق والقيم وكما نقول في اللهجة المحلية (السنع)، كما سمع منهم مواقف وحكم وحكايات وتاريخ كلها تترسخ في العقل لما فيها من العبر الكثيرة.
خزانة ملأى بالكتب
ويتوقف عند زاوية بعينها فيقول: «من أولئك الرجال، يشع المجلس بجلسات الحكمة والأدب والشعر والقراءة والاطلاع، وكان أغلبهم على اتصال بالمثقفين في بلدان المنطقة، أما والدي رحمه الله، فكان لديه في بيتنا خزانة ملأى بعناوين الكتب من الشعر ودواوينه خاصة للمتنبي وأبي تمام ومن تاريخ نجد والعراق ومصر، وتلك المكتبة لا تنتهي لو نهلت منها طيلة العام وكانت متجددة باستمرار، وكان الوالد يعود إلى البيت من عمله وفي يده صحيفة، وفي تلك الفترة، لم تكن هناك إلا الصحف الأسبوعية ومجلات يتم جلبها من مصر والكويت، وحتى إن لم يكن في يده صحيفة أو مطبوعة، فكان لا يدخل إلا وفي يده شيء للقراءة، فمسألة القراءة مهمة لتشكيل الشخصية، وكان لتلك المكتبة الأثر في اهتمامي بالمواضيع السياسية والأدبية والاجتماعية، والجميل جدًا، كان والدي يمتلك من السوالف والحكايات وكأنه معين لا ينضب، ولا نمل من سوالفه حتى لو يعيدها لعاشر مرة».
وللوالدة حفظها الله محيطً كريم من القيم، فهي بالنسبة للوزير مصدر تعلم الإيثار، فقد كانت تتسم بالإيثار بالنسبة لنا وللغير، علاوة على الرعاية والمثابرة والتشجيع وتنمية روح العطاء والعمل المخلص في نفوسنا، ذلك أن المحيط الأخلاقي الذي تربينا فيه شكل شخصيتنا، وتشكلت لدي منذ المرحلة الابتدائية حالة الشغف بالاطلاع والقراءة وأتذكر أحد المعلمين في المرحلة الابتدائية واسمه (علي سالم) هو الذي جعلني أحب التاريخ والاجتماعيات وخراط العالم.
شباب البحرين في صف واحد
ومرورًا بذكريات مرحلة الثانوية، يوجز الوزير تلك الصور الجميلة التي لاتزال ماثلة في ذاكرته، ففي الفصل الواحد، يجتمع: طلبة الرفاعين، مدينة عيسى، وطلبة المنطقة الشرقية من توبلي إلى سترة، وطلبة المنطقة الغربية بكل قراها مرورًا بعالي وصولًا إلى قرى شارع البديع، فالكل يشعر بأنه في أسرة واحدة ولم تكن هناك أمور تفرق بين الناس، ثم بعد ذلك انتقل للدراسة في قسم داخلي بمدرسة بالمملكة الأردنية الهاشمية، وتستمر ذكريات الشباب وصولًا إلى الدراسة الجامعية في ولاية تكساس الأميركية باستشارة رأي شقيقتي الكبرى التي كانت تدرس في جامعة بيروت الأميركية وحين اشتعلت الحرب في لبنان، تم نقل الطلبة إلى جامعات أميركية وذهبت شقيقتي معهم ثم لحقت بها، وهناك، كانت البيئة تناسبني والأهم أنني كنت محاطًا بطلبة بحرينيين من كل التوجهات والمذاهب، لكن كنا نشعر برابطة الوطن تجمعنا فهو هويتنا، وبعد 5 سنوات في أميركا، عدت إلى البحرين لفترة وجيزة ثم رجعت وعشت هناك لمدة 9 سنوات، وكل هذه السنوات في أميركا بعلومها وجامعاتها وصناعتها لم تؤثر في انتمائي وجذوري وهويتي لوطن يعيش في وجداننا.
ويلفت إلى نقطة مهمة، حيث يشير الوزير إلى أن الجو التعليمي في أميركا يمنحك حق التحدث والمناقشة مع الأساتذة والاختلاف معهم في الرأي، والعبرة التي تعلمتها من هذا الجو هو ألا تتردد في أن تقول رأيك ما دمت مؤمنًا به وصادقًا، ووجدت أيضًا الاهتمام بالأبحاث، فعلى سبيل المثال، طلب منا أحد أساتذة السياسة في الجامعة أن نبحث عن بعض الكتب في المكتبة، وبحوث معينة طلب منا أن ننسخها وتبين لنا أنها بحوث من إنتاج طلبة معنا في الجامعة، فمسألة احترام الفكر والأفكار حتى ممن هم أصغر منك أمر مهم.
رجل فاضل ودبلوماسي قدير
ويصرح الوزير أن عمله في وزارة الخارجية كان منطلقًا جديدًا في حياته لحبه العمل الدبلوماسي، إلا أن شخصية سمو الشيخ محمد بن مبارك حين كان وزيرًا للخارجية مثلت له القدوة «رجل فاضل بكل معنى الكلمة، ودبلوماسي من الطراز الأول ولا يفرق بين أحد، وحين يجد منك الجد والاجتهاد يعطيك حق حين (تستاهل) وقد أعطاني كل الفرص»، وفي فترة العمل بسفارتنا في واشنطن، أقضي بعض الأيام في الكونغرس الأميركي متنقلًا من مكتب إلى مكتب وأشاهد الكثير من المواقف والقراءات والتعامل الدبلوماسي وأتعلم منه، كما أن السنوات التسع في واشطن منحتني الفرصة للتعرف على نخب من الطلبة البحرينيين في مرحلتي البكالوريوس والماجستير، وحين رجعت إلى البحرين، عملت مع سمو الشيخ محمد بن مبارك في مكتبه، وكانت أهم قضية هي ملف (جزر حوار)، وتعلمت منه الكثير كما تعلمنا من جلالة الملك المفدى المتابعة والاهتمام والاستمرارية والمراجعة لكل جوانب القضية، أما الوالد الكبير سمو رئيس الوزراء الذي عاصر البحرين منذ بدايات تشكل الدولة الحديث فقد كان بمثابة الإلهام والرأي السديد في قضايا كبيرة وتحت قيادته وسياسته مضينا إلى الأمام، والحال ذاته مع سمو ولي العهد فهذه القيادة تسير معك في صياغة قضايا البلد بكل حرص واهتمام بكل الأمور المهمة التي تهم الوطن والمواطن.
مدرسة سعود الفيصل
لكن هناك شخصية أخرى، هي مسك ختام حديث الوزير، وهي الراحل سمو الأمير سعود الفيصل رحمه الله، فيصفه بالقول «تعجز الكلمات عن وصف أخلاق وقدرات وسياسة هذا الرجل، وصبره على «البلاوي» التي كنا نراها في الاجتماعات العربية، وجلده وصبره رغم أن صحته لم تكن تساعده لكنه كان يجلس بالساعات يعمل لأنه يحمل مسئولية وعهد لخادم الحرمين الشريفين، وما تعلمناه منه لا يعد ولا يحصى، فالسياسة تتطور، ثم الأخ عادل الجبير وهو خير صديق وزميل عمل ودراسة، تتلمذنا على يد الفيصل، وكنت أتواصل معه رحمه الله في بعض القضايا حتى ساعات الفجر الأولى وكان يعمل ويتصرف بقلبه مع البحرين، ومع كل قضايا أمته».
وعلى مسك ختام لقاء الخميس، كان الحضور يملك شغفًا للحديث أكثر مع وزير الخارجية، ومع أن مدة المداخلات والتساؤلات كانت متاحة، إلا أن الحديث مع هذه الشخصية بكل صراحة وشفافية، لا يمكن أن يحصرها لقاء واحد.
العدد 5214 - الخميس 15 ديسمبر 2016م الموافق 15 ربيع الاول 1438هـ
لقاء رائع وحميم مع معالي الوزير وبصراحة مداخلة مندوب الوسط حبيتها...كانت لها معاني جميلة وشكرا لمبادرة لقاء الخميس.
ام نوف...الرياض