أخيرا وضعت مملكة البحرين حدا نهائيا لمشكلة المقيمين فيها ممن لا يحملون الجنسية البحرينية، وهي مشكلة لها امتدادات خارج البلاد، اذ تشمل بعض الذين كانوا مقيمين في البحرين في وقت سابق، وآخرين ممن ولدوا فيها، وكذلك أبناء وأحفاد اشخاص، كانوا يقيمون في البحرين، ثم اضطروا للاقامة خارجها، لانهم لا يملكون الجنسية البحرانية، وقد حسم أمر هؤلاء جميعا بأمر من ملك البحرين الى الجهات التنفيذية لاعطاء هؤلاء الجنسية البحرينية، وتسوية أوضاعهم جميعا بمن فيها اوضاع المقيمين في الخارج.
وجاءت خطوة الملك لتضع حدا لمشكلة الـ «بدون» التي استمرت سنوات طويلة، حملت الكثير من المعاناة لبحرينيين، وجدوا أنفسهم بصورة أو بأخرى لا يحملون جنسية بلدهم وجنسية آبائهم وأجدادهم، مما جعلهم يواجهون صعوبات حياتية متعددة الابعاد، مست حياتهم في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي أمور دفعت ليكون مطلبهم في الحصول على جنسية بلدهم هاجسهم، وهمهم الأول لسنوات طويلة.
وعلى رغم خصوصية وأهمية حل مشكلة الـ «بدون» في البحرين، فانه لا يمكن النظر اليها بمعزل عن اجمالي التطورات الايجابية التي شهدتها البلاد في الاعوام الاخيرة، وتوجهت في الكثير من مجرياتها نحو وضع حد لمعاناة البحرينيين ممن كانوا خارج بلادهم مهجرين أو منفيين طوعا أو كرها. كما وضعت تلك التطورات البحرين ومواطنيها، أمام خيارات حياتية جديدة، لعل ابرزها مشاركة أكثر فعالية وتأثيرا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجاء حل مشكلة الـ «بدون» في اطارها وعلى ابواب الانتخابات التي ستعقد الشهر الجاري.
وحل مشكلة الـ «بدون» في البحرين، يعيد طرحها في مستواها العربي، اذ هي مشكلة في بلدان عربية اخرى، كما هو الحال في الكويت ولبنان وسورية، اذ يعيش مئات الآلاف من مواطني هذه البلدان مع ابنائهم وأحفادهم وهم لا يحملون جنسية البلد الذي يعيشون فيه. وبطبيعة الحال، فانهم لا يتمتعون بحقوق المواطنة كليا او جزئيا على رغم ان بعضهم يقدم كل ما يفرض عليه من واجبات ازاء الدولة والمجتمع الذي يعيش فيه سواء طوعا، او تحت سلطة القانون.
والمثال الذي يمكن التوقف عنده في مشكلة الـ «البدون» العرب، هو المثال السوري، اذ يعيش مئات الآلاف من ذوي الاصول الكردية المنتشرين في مدن وقرى شمال وشمال شرق سورية بصفتهم يقيمون بصورة مؤقتة، وهم من غير حاملي الجنسية السورية، والسبب الرئيس لحال هؤلاء، ان الاحصاء السكاني للعام 1962 لم يشملهم، وبالتالي فانهم لم يحسبوا في عداد السوريين، وزاد عددهم في الاربعين عاما التالية، فصاروا مئات الآلاف بعد ان كانوا اقل من ذلك بكثير.
وعلى رغم ان هناك آراء في تفسير الاسباب التي جعلت هؤلاء «السوريين» خارج احصاء العام 1962، فإن السبب الغالب هو سبب سياسي، اساسه مخاوف القائمين على السلطة في تلك المنطقة من زيادة اعداد ذوي الاصول الكردية من السوريين في تلك المنطقة، وتحولها إلى «منطقة كردية» على غرار ما هو قائم في شمال العراق وفي جنوب شرق تركيا، فتوجهوا إلى استبعادهم من تعداد السكان، وبالتالي تشميلهم في عداد حاملي الجنسية السورية.
وبطبيعة الحال، فإن سلوك المسئولين المحليين في شمال شرق سورية والذي وجد رضا وتفهم المسئولين السوريين الكبار آنذاك، كشف ضيق افق ورؤية القائمين على السلطة، ذلك ان غياب ذوي الاصول الكردية عن تعداد السكان لم يحل المشكلة، بل وضع اساسا لمفاقمتها، اذ صارت مشكلة لمئات الآلاف، وصار لها ذيول وتبعات هي خلاصة 40 عاما من عمر المشكلة.
وقريبا من المثال السوري، تقع مشكلة الـ «بدون» في البلدان العربية الاخرى (مكتوم الجنسية في لبنان) اذ تتداخل العوامل السياسية والاقتصادية والامنية في استمرار هذه المشكلة، وتفاقمها مع تقدم الوقت، وهو ما يتطلب من الحكومات العربية تدخلا سريعا لمعالجة هذه المشكلة بصورة جذرية ونهائية وتعطي «مواطنيها» و«المقيمين فيها» منذ زمن طويل جنسيتها، وتحولهم إلى مواطنين حقيقيين لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات.
ان حلولا جذرية في معالجة مشكلة الـ «بدون» في البلدان العربية، يمكن ان تدفع الواقع العربي خطوات في اتجاه اصلاح العلاقة بين السلطة ومواطنيها وداخل المجتمع، كما ان من شأنها تفعيل وتوسيع المشاركة الشعبية في الحياة العامة، وكلها خطوات، لم تحققها المعالجات الجزئية للمشكلة، التي قامت الحكومات العربية على مدار سنوات طويلة بتجاهلها او تأجيلها
العدد 33 - الثلثاء 08 أكتوبر 2002م الموافق 01 شعبان 1423هـ