العدد 33 - الثلثاء 08 أكتوبر 2002م الموافق 01 شعبان 1423هـ

حرب الـ «واسب»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حين فاز بيل كلينتون بالانتخابات الرئاسية في العام 1992 اندهش من النتيجة كل المتابعين.

تحت وقع الصدمة دخل كلينتون البيت الأبيض وأحدث منذ وصوله سلسلة تحولات أسهمت في تخفيف العجز في الموازنة الأميركية وإنعاش الاقتصاد بعد فترة ركود. هذا هو الجانب الظاهر من فترة كلينتون.

الجانب الخفي الذي يعتبر أخطر إنجازاته يتعلق بمسألة السلطة وتوازنها.

نقل عن كلينتون أنه وزّع وظائف الدولة في عهده على خمس شرائح أميركية متساوية. فكل شريحة يجب أن تتمثل في الدولة بالتساوي مع الأخرى. وتوزعت وظائف الدولة وهي بالآلاف على خمس فئات: الأفارقة، الهاسبانكس (اللاتين)، الانغلو - ساكسون، المرأة، الأقليات (يهود، عرب، ارلنديين، ارثوذكس).

أحدثت خطوة كلينتون ثورة سياسية صامتة في الدولة وعصفت بتوازن الأجهزة التي رأت فيها بداية تحول في شخصية السلطة ولونها. وقادت المنظمات المسيحية المتطرفة حملات سرية ضده اتهمته باليسارية، وطاولت زوجته هيلاري التي قيل عنها إنها وراء هذا التفكير «الليبرالي».

وشهدت فترته حوادث غريبة قادتها هيئات دينية وسياسية متطرفة ومضادة لفكرة الفيديرالية. فاقتحمت واحدة المبنى الحكومي في أوكلاهوما ودمرته، وانتفضت أخرى في «معسكر داود» في واكو... معلنة وجود تيار مضاد للدولة (الفيديرالية) والليبرالية الحاكمة في البيت الأبيض.

وعزز نزعة التطرف الانفصالي (تمرد الولايات على العاصمة) نهوض تجمعات مثل «التحالف المسيحي» الذي غذى نزعة العنصرية وكراهية الأجنبي.

ومن هذا الفضاء المشحون بالغضب جاء القس جيري فالويل الذي اشتهر بحقده على الإسلام وكراهيته لكل «أميركي» لا ينتمي إلى العرق الأصلي أو الجماعة المؤسسة للدولة.

وتصريح القس «العنصري المتطرف» ضد الإسلام ليس جديدا، فهو هاجمه إلى جانب مجموعة كتل بشرية تشكل غالبية المجتمع الأميركي. فالقس تناول الكثير من الأطراف والأقليات والهيئات والمنظمات في سياق رد فعل كتلة الـ «واسب» على نمو قوى أميركية فاعلة في السياسة والإدارة. وكتلة الـ «واسب» وهي اختصار لمجموعة كلمات (أبيض، انغلو، ساكسون، بروتستانت) ترى أنها المؤسس الحقيقي (التاريخي) للدولة الأميركية وتحولت مع الزمن من غالبية تحتكر السلطة من قمتها إلى قاعدتها إلى أقلية كبرى (70 مليونا) تنافسها مجموعات ملونة شقت طريقها في العقود الأخيرة من القاعدة إلى القمة.

عمليا هاجم القس قرابة 200 مليون أميركي ينتمون إلى مجموعات تقع خارج دائرة الـ «واسب» إلا أنه ركز هجومه النظري على الإسلام والمسلمين ونبيهم لإضفاء شرعية ثقافية على مشروع الـ «واسب» السياسي. فالإسلام هو المسمار الذي يعلق عليه المتخاصمون (المتنافسون على السلطة) مشكلاتهم بصفته نقطة اتفاق تجمع بينهم أكثر من نقاط الاختلاف التي تفرقهم.

الأمر نفسه حصل في أوروبا حين شهدت نهوض الحركة البروتستانتية. آنذاك قامت الكنيسة الكاثوليكية باتهام مارتن لوثر بأنه متآمر مع المسلمين على هدم الكنيسة لمصلحة الخلافة والجامع. واضطر لوثر وأتباعه إلى مهاجمة الإسلام والمسلمين ونبيهم لنفي تهمة بابا الكاثوليك في روما. فتحول الإسلام حتى في عصر بداية الحركة الإصلاحية إلى عدو مشترك بينما الواقع كان هو ضحية خلافات مسيحية ـ مسيحية لا علاقة للإسلام بها.

القس الأميركي نقل الحرب الداخلية من مستواها السياسي إلى الديني حتى يعطي مثلث الشر (تشيني، رامسفيلد، رايس) ذريعة (تاريخية) تبرر حربهم الوقائية وتعطيها بُعدها الثقافي.

المعركة ضد الاسلام هي العنوان، او رأس جبل الجليد، بينما الحقيقة هي بداية هجوم معاكس على «العدو» الداخلي..

وأمثال القس العنصري المذكور يعتقدون أن معركة «مثلث الشر» ضد العالم الثالث في الخارج قد بدأت فلماذا لا تبدأ ضد اشباه (مجموعات وأقليات) العالم الثالث في أميركا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 33 - الثلثاء 08 أكتوبر 2002م الموافق 01 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً