لقد جاء حادث قتل 25 وإصابة 50 مواطنا مصريا في الكنيسة القبطية، ليعيد تكرار الجرائم الإرهابية التي يستشهد كل يوم من جرائها أفراد من القوات المسلحة والشرطة الذين يدافعون عن الوطن بتفان وإخلاص.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي مبادرا في إعلانه الحداد 3 أيام. والمسلمون، صادقو الايمان والإسلام، أول من بادر لمساعدة إخوتهم الأقباط، وإدانة هذا العمل الإرهابي الإجرامي الذي ارتكبه أناس لا ينتمون للإسلام ولا للإنسانية، حتى وإن ادعوا خلاف ذلك. فالإسلام في مبادئه وفي سلوك وتصرفات قادته الأوائل ورجال الدين العالمين بتلك المبادئ الصحيحة، أمثال الأزهر الشريف، أكثر براءة من هؤلاء المجرمين وسلوكهم، مثل براءة المسيحية من الحرب الاستعمارية المسماة بالحروب الصليبية، التي قادها الأوروبيون في العصور الوسطى باسم الصليب، وهي لا تمت للصليب بصلة.
والأكثر أهمية أن أقباط مصر هم أكثر ولاء للوطن وحبا له من المتأسلمين السفاحين والإرهابيين الذين يعيثون في الأرض فسادا. وهذا ليس شيئا جديدا في سلوك المنافقين والمتأسلمين، فإن الطمع في السياسة والمال والسلطة والسعي لاغتصابها أعمى بصيرتهم وأبصارهم، فتبا لهم ولأمثالهم ممن يخونون أمانة الوطن، وممن يخرجون على تعاليم القرآن الكريم بقول الله تعالى «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، هذا هو الجرم في القتل كما وصفه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وكما وصفه بنفس الجرم الأكبر في التوراة والإنجيل. والله الذي خلق كافة البشر قال دون تمييز لخلقه في نظرته إليهم «الحمد لله رب العالمين»، ولم يقل إنه رب هذه الطائفة أو تلك وهو أرحم الراحمين، الذي وسعت رحمته كل شيء في الدنيا، وفي الآخرة سيكتبها لمن أراد بحكمته ورحمته.
والنبي الكريم كان سلوكه وخلقه القرآن، ولذلك قام احتراما لجنازة يهودي مرت بهم، وهو جالس مع أصحابه، ولما استفسر منه أصحابه لماذا يقف وهي جنازة يهودي؟ فقال تعبيرا عظيما ورائدا قبل ما يسمى بحقوق الانسان أليست نفسا؟ وعمر بن الخطاب عندما طلب راعي الكنيسة في القدس، أنه لن يسلمها إلا لأمير المسلمين، احترم عمرو بن العاص الذي فتح فلسطين إرادة القس، وكتب لعمر بن الخطاب الذي استجاب وذهب احتراما لقدسية الكنيسة، وبعد زيارته لها وحديثه مع راعي الكنيسة، حان موعد صلاة الظهر فخرج للصلاة فأبدى راعي الكنيسة دهشته، وسأله لماذا لا تصلي في الكنيسة أليست بيت الله؟ فقال عمر بن الخطاب نعم إنها بيت الله، ولكنني أخشى إذا صليت داخلها، أن يأتي مسلمون من بعدي ويستولون عليها ويحولونها إلى مسجد، ويقولون إن عمر صلى هنا. هذا هو خليفة المسلمين وسلوكه على هدي نبي الاسلام، وهو سلوك يستلهم روح الاسلام المتسامحة، والتي تحترم الأديان والعقائد الأخرى، بغض النظر عن أي أبنائها ومعتنقيها.
ونحن نشهد في أيامنا هذه مسلمين بغير إسلام في بلادنا، كما قال الشيخ الامام محمد عبده رحمه الله، عندما سئل عن فرنسا، وما شاهده إثر عودته إلى أرض الوطن، فقال حكمة بليغة رأيت في فرنسا مسلمين بلا إسلام، ورأيت في بلادنا إسلاما بلا مسلمين. فالإسلام هو القيم والأخلاق، والمعاملة، ولذلك وصف الله نبيه بقوله «وإنك لعلى خلق عظيم»، وفي أية أخرى وصفه بقوله «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، وقال له «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، ولم يقل له اقتل كل من يخالفك، ولم يقل له لا تكن رحيما بالناس، ونحو ذلك من سلوك المتأسلمين الجدد. والشيخ حسن البنا رحمه الله قال «إنهم لا إخوان ولا مسلمين»، بمعنى أن من يقتل لا يكون مسلما. ولكن شتان بين هذا وبين من ينتسبون زورا للإسلام، وهو منهم بريء، إنهم زمرة من المجرمين والقتلة، ولا علاقة لهم بأي دين ولا بأي وطن. فهم لا وطن لهم ولا دين ولا خلاق لهم. بل إنهم ليسوا من بني آدم؛ لسلوكهم البالغ السوء.
ونقول رحمة الله على شهداء مصر من القوات المسلحة، ومن الشرطة الذين يحمون أرض الوطن، ويحافظون على الأمن وعلى المسلمين والأقباط وغيرهم، ممن يقتلون بغير حق من تلك العصابات المجرمة. ونختلف مع من يشككون في أعمال أجهزة الأمن ويتهمونها بالتقصير فهم أنفسهم في الكمائن، ومواقع عملهم يقتلون من هؤلاء الأشرار، وهل نتهمهم بالتقصير في حماية كنيسة أو مسجد أو قسم شرطة أو معسكر من معسكرات الجيش، إن هذا لا يجوز، فهم يبذلون الغالي والنفيس من أجل حماية الوطن والمواطنين، ولكن المجرم مثل الشيطان له أساليب متعددة، ولا يوجد أمن كامل في أية دولة، ففرنسا وبريطانيا وأميركا وغيرها تعاني من الإرهاب، والدول الاسلامية تعاني أيضا، فالمجرمون عصابات عابرة للحدود ولا إيمان ولا دين ولا وطن ولا خلاق لهم. ورحم الله جميع الشهداء. أيا كانت مواقعهم وأديانهم وعقائدهم وأعمالهم، فالله رحمته واسعة، ولسنا مخولين بتحديد الرحمة الالهية، فالله هو صاحبها، وهو خالق جميع البشر والإنس والجن والطير والحيوان، وكل ما في الأرض والسموات. ولم يقل بالتعذيب حتى للمجرم أو الحيوان، فورد عن النبي الكريم قوله «إذا قتلتم -أي بالحق والقصاص كعقاب، وهذا موجه للسلطة صاحبة الأمر- فأحسنوا القتل وإذا ذبحتم -أي الحيوان أو الطير- فأحسنوا الذبح»، ولم يفوضنا في القتل إلا وفقا لتعليماته وترك ذلك لولي الامر وفقا للشرع والقانون.
ونداء لكل مواطني مصر، وكل الدول في العالم أيا كانت عقائدها، مراعاة التفرقة بين المبادئ الاسلامية الصحيحة، وبين هؤلاء السفاحين الذي يقتلون كحرفة، وهم مرتزقة من شتى الدول، ويتخذون من الإسلام ستارا لأعمالهم الدنيئة. وعزاء لأسر الشهداء من المسلمين والأقباط، ومن رجال القوات المسلحة والشرطة والقضاء، وأي شهيد هو من يقتل غيلة بدون جريرة، أو يقتل دون عرضه أو ماله أو دينه أو وطنه. كما ورد في الأثر النبوي. ونداء لهؤلاء القتلة ألا ينسبوا أنفسهم للإسلام، وإذا أرادوا أن يكونوا مسلمين فعليهم التصرف السليم وفقا لقواعد الإسلام الحنيف. وحقا قال البابا تواضروس لو هدمت كل الكنائس يمكن إعادة بنائها؛ ولكن لا ينبغي قتل أي مصري. والخليفة عمر بن الخطاب أمر بالقصاص من ابن عمرو بن العاص حاكم مصر؛ لأن ابنه أساء لمصري قبطي، وطلب من القبطي القيام به. وقال قولته المشهورة: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا». وفي رواية أخرى أنه قال: «متي استعبدتم الناس وقد خلقهم الله أحرارا». هذا هو الاسلام الصحيح. وندعو لهؤلاء المتأسلمين، والقتلة بالهداية، والقصاص ممن ارتكب الجريمة كما قال القرآن الكريم «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب».
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 5212 - الثلثاء 13 ديسمبر 2016م الموافق 13 ربيع الاول 1438هـ