من المتوقع ان يبدأ خلال ساعات الصباح الأولى من اليوم (الأربعاء) إجلاء الآلاف من مقاتلي المعارضة والمدنيين من شرق حلب، بموجب اتفاق تم التوصل إليه برعاية روسية تركية في عملية من شأنها أن تنهي وجود الفصائل في المدينة وتشكل أكبر خسائرها منذ بدء النزاع.
وأكدت كل من روسيا وتركيا والفصائل المعارضة التوصل إلى الاتفاق، بعد ساعات على إبداء الامم المتحدة خشيتها من تقارير وصفتها بالموثوقة تتهم قوات النظام بقتل عشرات المدنيين بشكل اعتباطي، بينهم نساء وأطفال، في المدينة.
وقال عضو المكتب السياسي في حركة نور الدين الزنكي المعارضة، ياسر اليوسف لـ «فرانس برس»: «تم التوصل إلى اتفاق لإخلاء أهالي حلب المدنيين والجرحى والمسلحين بسلاحهم الخفيف من الأحياء المحاصرة في شرق حلب».
وسيتوجه هؤلاء، على حد قوله، إلى ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب (شمال غرب) الواقعين تحت سيطرة الفصائل المقاتلة.
ويتضمن الاتفاق وفق اليوسف «إجلاء المدنيين والجرحى خلال الدفعة الأولى، ومن بعدهم يخرج المقاتلون بسلاحهم الخفيف، على أن يبدأ تطبيقه خلال ساعات».
وأكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن أن عملية الاجلاء ستبدأ عند الساعة الخامسة صباح اليوم (الأربعاء).
وشاهدت مراسلة «فرانس برس» في حي صلاح الدين الذي من المقرر أن تتم عملية الإجلاء عبره عشرات الحافلات الخضراء المتوقفة بانتظار بدء تنفيذ الاتفاق.
ونقلت مشاهدتها لست حافلات دخلت إلى الجهة الشرقية إلا أنها عادت خالية.
وتم التوصل إلى الاتفاق «برعاية روسية تركية»، وفق اليوسف.
وأكد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين من مقر الأمم المتحدة في نيويورك، التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية لإجلاء المقاتلين المعارضين، موضحاً أن عملية الإجلاء قد تتم «خلال الساعات القليلة المقبلة».
«مراقبون دوليون»
وأكدت أنقرة بدورها الاتفاق. وقال المتحدث باسم الخارجية التركية، حسين موفتو أوغلو إنه ينص على إجلاء المدنيين ثم المقاتلين.
وأضاف «برغم أننا راضون عن الخطوة التي تم التوصل إليها اليوم (أمس) لضمان وقف لإطلاق النار، علينا أن نبقى يقظين بسبب الوضع الهش الذي نشهد عليه».
وبحسب تشوركين فإن «المعارك حول حلب الشرقية انتهت».
وأفادت مراسلة «فرانس برس» في غرب حلب بعدم سماع دوي اشتباكات أو قصف منذ الساعة 15،00 عصراً (13,00 تغ).
وأكد المرصد السوري وقف إطلاق النار، مشيراً إلى توقف المعارك والغارات.
وطالبت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، سامنثا باور بدورها بنشر «مراقبين دوليين حياديين» في حلب للإشراف على إجلاء المدنيين بـ «أمان تام».
وقالت في كلمتها أمام مجلس الأمن الدولي، خلال جلسة طارئة بشأن حلب، إن المدنيين الراغبين بالخروج «خائفون، وهم محقون في ذلك، من تعرضهم للقتل على الطريق أو من نقلهم إلى أحد معتقلات الأسد».
«لا أحد يفرح بمغادرة بلده»
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني في حلب (الخوذ البيضاء) إبراهيم ابو الليث لـ «فرانس برس»: «لا تظنوا أننا فرحون بالخروج، لا أحد يتهجر من بلده ويكون فرحاً».
وأضاف «إذا اردت الخروج يكون ذلك بسبب الأطفال الجوعى والعائلات الباقية تحت المطر».
ويأتي الإعلان عن التوصل إلى هذا الاتفاق مع سيطرة قوات الجيش السوري على أكثر من 90 في المئة من الأحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة منذ العام 2012، تاريخ انقسام المدينة بين الطرفين.
ويتكدس آلاف المدنيين في حي المشهد وأجزاء من أحياء أخرى في شرق حلب لا تزال تتواجد فيها فصائل المعارضة، بعضهم لا مأوى له، ينامون في الشارع. ويعاني الجميع من الخوف والجوع والبرد.
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) الذي يضم مجموعة من المتطوعين في شرق حلب إبراهيم ابو الليث لوكالة «فرانس برس» أمس (الثلثاء) «نهايتنا تقررت (...) لماذا نختبئ؟ لا شيء سينفع. نهايتنا الموت أو الأسر».
«القتل الفوري»
وخلال مؤتمر صحافي في جنيف، قال المتحدث باسم مجلس حقوق الإنسان، روبرت كولفيل نقلاً عن مصادر موثوقة «الليلة الماضية، تلقينا معلومات تقول إن القوات الحكومية قتلت 82 مدنياً على الأقل، بينهم 11 سيدة و13 طفلاً، في أحياء بستان القصر والفردوس والكلاسة والصالحين».
وأضاف كولفيل «تم إبلاغنا أن قوات النظام تدخل بيوت المدنيين وتقتل الأفراد الموجودين هناك، بما في ذلك النساء والأطفال»، مشيراً إلى أن بعض المدنيين «تمكنوا من الفرار»، إلا أنه تم «اعتقال آخرين وقتلهم على الفور، أو توقيفهم».
وقال يان إيغلاند الذي يرأس مجموعة العمل حول المساعدة الإنسانية في سورية لوكالة «فرانس برس»: «نحن بطبيعة الحال قلقون للغاية إزاء التقارير بشأن الفظائع بحق المدنيين والمقاتلين الذين تخلوا عن أسلحتهم»، مضيفاً «من المهم أن يعي المقاتلون الذين يربحون هذه المعركة أنهم وداعموهم قيد المساءلة لما يحصل للمدنيين والمقاتلين السابقين».
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» عن «تقارير مقلقة» نقلها أحد الأطباء في مدينة حلب عن أكثر من مئة طفل من دون مرافقين أو عائلاتهم عالقين في مبنى وسط قصف عنيف.
وفي باريس، ندد رئيس الوزراء الفرنسي الجديد، برنار كازنوف الثلثاء «بفظاعات لا تحصى وبالمجازر» التي يرتكبها النظام السوري في حلب، مشيراً إلى أنه يمكن أن تشكل «جرائم حرب أو حتى جرائم ضد الإنسانية».
وأعلنت لندن بدورها عن رغبتها في تنحي الرئيس السوري بشار الأسد بعدما تعامل بـ «قسوة وحشية» مع الشعب، وفق ما قالت متحدثة باسم رئاسة الوزراء البريطانية.
وعملت قوات النظام السوري والمقاتلون الموالون لها صباح الثلثاء، وفق ما أوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، على «تثبيت مواقعها وتمشيط الأحياء التي تمكنت من السيطرة عليها في الساعات الأخيرة».
وحذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بدورها من أنه «مع بلوغ المعركة مستويات غير مسبوقة من التصعيد وانزلاق المنطقة في دوامة من الفوضى، يظل الآلاف ممن لا يد لهم في العنف لا يجدون بقعة آمنة يلوذون إليها بالفرار».
وبث التلفزيون السوري مشاهد أمس (الثلثاء) تظهر مئات من المدنيين معظمهم من النساء يحملون أطفالهم وحقائبهم ويسيرون تحت المطر في طريق تحيط به أبنية مدمرة بإشراف الجيش.
وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن ثلاثة آلاف شخص خرجوا الثلثاء من القسم الجنوبي الشرقي حيث لا تزال تتواجد الفصائل المعارضة.
ويقدر المرصد السوري عدد المدنيين الذين فروا من الأحياء الشرقية خلال نحو شهر بأكثر من 130 ألف شخص، نزحوا بمعظمهم إلى مناطق تحت سيطرة قوات النظام في غرب حلب أو تلك التي استعادها في شرق المدينة.
العدد 5212 - الثلثاء 13 ديسمبر 2016م الموافق 13 ربيع الاول 1438هـ