العدد 32 - الإثنين 07 أكتوبر 2002م الموافق 30 رجب 1423هـ

الجنون الأميركي... وشبح ابن لادن في جسد صدام حسين

نادر الملاح comments [at] alwasatnews.com

ينبني الحكم في فقه القضاء سواء في التشريع الاسلامي أو التشريعات الوضعية أو السماوية الأخرى على قيام الدليل ثم صدور الحكم، إلا أن هذه المعادلة لا تنطبق على الفقه السياسي: فكما يقول مفكرو السياسة ومنظروها فإن الحكم السياسي يصدر ثم يتم البحث عن الدليل، فإن لم يقل الدليل الذي يدعم الحكم تم اختلاقه. هذه الفلسفة تترجمها السياسة الاميركية حرفيا إلى واقع ملموس.

ولم تأت هذه المنهجية السياسية بعد أحداث 11 سبتمبر/ ايلول وإنما هي منهجية قائمة من عهد الإمبراطوريات القديمة، إلا أن الجديد في الأمر هو الهوس الأميركي الذي يسعى إلى رسم خريطة جديدة للعالم تضمن احتفاظ الولايات المتحدة الأميركية بالقيادة العالمية اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، ولا سيما بعد أن بدأت بوادر انسحاب هذه الزعامة بالظهور والتشكل.

كانت أحداث 11 سبتمبر فرصة ثمينة بالنسبة للنظام الاميركي استثمرها بشكل ايجابي ليحول خسارته إلى مكاسب وهزيمته إلى انتصار، فآثر أن يدير خده لتلقي لطمة قوية ليبدأ في العالم رفسا وركلا.

القاعدة. كانت الانطلاقة الأولى والمنطقية للحرب الاميركية على العالم التي اسمتها اميركا (الحرب على الارهاب)، إلا أن الرئيس الاميركي عاد ليعرف الإرهاب على أنه كل فكر أو توجه لايندرج تحت المظلة الاميركية (إما معنا أو مع الارهاب). وبذلك تكون الملامح العامة للمخطط الاميركي واضحة ولا تحتاج إلى التفاصيل. فالقاعدة والعراق وايران وسورية ولبنان والسعودية واليمن كلها أهداف عكسرية مرتقبة. القاسم المشترك بينها ليست العروبة وإنما الاسلام الذي اعتبره الرئيس الاميركي خصمه اللدود عندما زل لسانه بما يجول في خاطره والعصابة المحيطة به واصفا حربه هذه (بالحملات للحرب الصليبية).

وعلى رغم التحذيرات الروسية بالذات للنظام الاميركي من مغبة دخول افغانستان، وليس أكثر من الروس من يعلم بتبعات الاقدام على مثل هذه الخطوة، إلا أن الكبرياء الاميركي حشى أذن النظام بالقطن لتمضي أميركا في إعادة كرامتها التي بعثرها 19 شابا لم تتجاوز أعمارهم الثلاثين سنة، لا تدعمهم دولة عظمى ولا سلاح جوي متطور ولا مضادات أرضية عالية الدقة ولا قوة صاروخية كاسحة ولا بحرية مدججة.

وما هي إلا ليال وأيام قلائل حتى دارت رحى الحرب (ضد الإرهاب) طاحنة بين قطبيها أطفالا ونساء وأبرياء، ومهدمة دولة بأكملها لتضع فيها صورة حاكم على أنقاض أسمتها أفغانستان الجديدة، معلنة انتصاراتها المظفرة. إلا أنها في حقيقة الأمر بدأت تدرك تلك النصائح الروسية والتحذيرات الأوروبية حيث اكتشفت ولكن بعد فوات الأوان أنها إنما ارتكبت حماقة ليس بعدها حماقة، فالدولة العظمى باتت تطارد شبحا اسمه (بن لادن).

أدى ولوج النظام الاميركي في هذا الخندق إلى احاطته بهالة كبيرة من الاحراج على الصعيدين الداخلي والخارجي لا سيما بعد أن مني النظام بالفشل في السيطرة على الأزمة الاقتصادية الداخلية المتفاقمة، إلى جانب فشله في احتواء النظام الايراني على رغم تعدد محاولاته، وكذلك فشله في السيطرة على عدد من الدول الاوروبية والافريقية والشرق آسيوية كالصين واليابان، في الوقت الذي نجحت فيه هذه الدول في بناء اقتصاديات قوية وتعديل سياساتها الخارجية على نطاق واسع في مقابل الفشل الاميركي. وبذلك يكون شبح بن لادن بمثابة القشة التي قصمت ظهر الحمار، عفوا البعير.

وعلى هذا الاساس كان لابد للنظام الاميركي من مواجهة فشله والتخلص من هذا الاحراج بأن يحول حربه ضد الشبح إلى حرب ضد جسم مرئي، فكان الخيار الاسهل والابرز هو ضرب العراق. ولعبت بطبيعة الحال في صوغ التصور عدة عوامل استراتيجية تضمن من وجهة النظر الاميركية تحقيق الاهداف غير المعلنة. ولعل أبرز هذه العوامل هو الضغط الصهيوني الذي يعتبر المحرك الاساسي للسياسات الاميركية نظرا لسيطرة اللوبي الصهيوني واحتكاره القوة الاقتصادية داخل الولايات المتحدة. العامل الآخر هو المعاناة الاقتصادية التي اوشكت على شل الحركة الاميركية والتي نتجت في الاساس عن حماقة سابقة من النظام الاميركي هي توقف النفط العراقي، لا سيما وأن الانتاج العراقي يحتل مركز الصدارة بين الدول المنتجة والمصدرة للنفط عالميا... فالحصار الاميركي على العراق تسبب إلى جانب خفضه الإنتاج العراقي من النفط في عدم مقدرة العراق بإمكاناته المحدودة وعلاقته المحصورة على رفع هذا الانتاج بمعدلات كبيرة نتيجة ما لحق بمعامله من اعطاب واستهلاك في سنوات الحصار الماضية، وكذلك عدم مقدرته على استيراد قطع الغيار الضرورية أو المعدات الحديثة لضخ وتكرير النفط.

وعلى رغم أن هذا الأمر كان عاديا جدا في الفترة الماضية، إلا أنه اصبح غير ذلك في هذه الفترة حيث إن الحاجة الاميركية لرفع انتاج العراق من النفط باتت ماسة وظاهرة إلا أنها في الوقت ذاته غير ممكنة بسبب الحصار من جهة والذي يعتبر رفعه خصوصا في مثل هذا الوقت احراجا جديدا للولايات المتحدة، وعدم ثقة النظام الاميركي في النظام العراقي من الجهة الأخرى، وعليه فإن الخيار الوحيد يتمثل في استبدال النظام العراقي بنظام آخر، شبيه بالنظام الصوري في أفغانستان. وتكون الولايات المتحدة وفق حساباتها حققت عدة مكاسب من هذا العمل، تتمثل في الآتي:

1- إعادة رفع الانتاج النفطي للعراق مما يسهم في خفض أسعار النفط في السوق العالمية وبالتالي تخفيف الأعباء الاقتصادية على النظام الاميركي وتحجيم المشكلة الاقتصادية الداخلية.

2- التخلص من النظام العراقي الذي يشكل وجوده احراجا كبيرا هي في غنى عنه.

3- ضمان السيطرة المستقبلية على الموارد العراقية من نفط وزراعة وغيرها، ذلك أن الحكومة الجديدة مهما كان ثوبها فإنها ستكون العبد المطيع للسيد الاميركي.

4- السيطرة الاستراتيجية على الأرض العراقية يعني تهيئة الهدف التالي للحرب الصليبية الذي يتمثل في ايران. فأفغانستان اصبحت ولاية اميركية ثم العراق وقبلها عروس أوروبا الخجولة تركيا، وقبل هؤلاء منطقة الخليج.

5- الإطاحة بنظام صدام حسين أو بصدام حسين نفسه تعني من المنظور الاميركي القضاء عل شبح بن لادن، وهذا المعنى يتجلى بوضوح في استمرارية الربط الاميركي المتكرر بين بن لادن وصدام حسين، بين الشبح الخفي والجسم المرئي.

وبذلك يكون المشعوذ الاميركي قد قضى على الجني (بن لادن) بقضائه على الجسد الذي حل فيه وهو (صدام حسين)

العدد 32 - الإثنين 07 أكتوبر 2002م الموافق 30 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً