العدد 32 - الإثنين 07 أكتوبر 2002م الموافق 30 رجب 1423هـ

الحرب الثقافية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الكلام الذي قاله القس الأميركي جيري فالويل عن الإسلام ونبيه في محطة (سي.بي.اس) ليس جديدا. فالهجوم هو محاولة لاستعادة زمن مضى باستخدام مفردات سلبية ضد المسلمين كررتها أوروبا في فترة القرون الوسطى.

أوروبا بعد قيام نهضتها تراجعت عن تلك اللغة واستبدلتها بمصطلحات علمية تتناسب مع حركة التنوير والإصلاح. ففي تلك الفترة ظهرت مدارس أوروبية أخضعت كل شيء للدراسة العقلانية والتحليل الاجتماعي والمناهج التاريخية فجاءت قراءاتها الجديدة لكل الأفكار والمعتقدات ضمن سياق مختلف عن تلك التي سادت أوروبا قبل اكتشافاتها الجغرافية ونهضتها العلمية. والنقد الذي مارسته أوروبا الحديثة لم يقتصر على الإسلام فقط بل طاول كل الديانات والمعتقدات الشرقية ومنها المسيحية واليهودية.

وعلى رغم الغبن الذي طاول الإسلام والمسلمين قياسا بغيرهم، نظرا إلى حساسية العلاقة بين العرب وأوروبا والصراع الدائم على البحر المتوسط وخطوط مواصلاته، فإن الأمور اتجهت لاحقا نحو نوع من المصالحة في وقت نجحت أوروبا في التقدم بينما العالم الإسلامي واصل زحفه نحو التخلف.

وأهم ما في تلك العلاقة الصاعدة/ الهابطة بين أوروبا والعرب اتجهت القراءة الأوروبية للإسلام من السلبية إلى الإيجابية ومن الانقطاع إلى التواصل بلغت أحيانا عند المفكرين الشرفاء (أصحاب الرأي الحر) حد الاعتذار عن تلك السلبيات وتحديدا عن فترة حروب الفرنجة (الصليبية كما تعرف في الغرب).

أميركا كانت بعيدة عن ذاك الفضاء الثقافي المشحون بالتوتر السياسي بين العرب وأوروبا ولذلك شكلت عند البعض «شخصية نموذجية» قريبة من أوروبا حضاريا وبعيدة عنها سياسيا. فالصراع العربي ـ الأميركي لا ينتمي إلى تاريخ مديد بل هو نتاج سياسات غير مفهومة لجأت إليها إدارات واشنطن معتمدة على تأييد مطلق لإسرائيل وتفهم نسبي لحاجات الدول العربية وظروفها.

إلا أن المشكلات العربية - الأميركية اقتصرت على السياسة ولم تمتد كما حصل سابقا مع أوروبا في قرونها الوسطى إلى الدين.

دائما كانت العلاقة العربية - الأميركية تقوم على مبدأ فصل السياسة عن الدين والثقافة عن الاقتصاد.

ربما لجأت الولايات المتحدة اضطرارا إلى تلك «الحيلة» بسبب حساسية الموضوع الديني ـ الثقافي عند المسلمين وخوفا من إنعاش الذاكرة العربية وربطها مجددا بالتاريخ الأوروبي. إلى تلك المخاوف كانت الولايات المتحدة حريصة على «مسايرة» الفضاء الثقافي العربي وتديّن المجتمعات خوفا من استغلال الاتحاد السوفياتي آنذاك تلك المسألة (وتحديدا الإسلام) لمصلحته. لذلك استخدمت واشنطن مجموعة أدوات أيديولوجية في حربها ضد المعسكر الاشتراكي لمحاربة نفوذه في المنطقة وأبرزها كان موضوع «الإلحاد الشيوعي».

ورأت واشنطن أن فصل سياستها عن الدين ومصالحها الاقتصادية عن الثقافة أفضل وسيلة لمواجهة المد الشيوعي. وتظاهرت مرارا بأنها لا تمزج بين المسائل وتترك إلى الشعوب حرية تديّنها وخياراتها العقائدية. فهي فقط تريد النفط، مقابل الدولار، وتريد الاستثمار وتسويق أسلحتها ومنتوجاتها، وغير ذلك لا مطامح ولا أهداف أخرى لديها.

وبسبب ذاك الخداع الأميركي تضررت المصالح الأوروبية كثيرا نتيجة الامتزاج التاريخي بين حروبها الدينية وحروبها الاقتصادية (التجارية) كذلك تضرر الاتحاد السوفياتي، إذ على رغم تأييده السياسي للقضايا العربية لم ينجح في تعزيز نفوذه بسبب الحاجز الأيديولوجي (الإلحاد) ورفضه للتفكير الديني والتدين.

الآن يبدو أن الولايات المتحدة تخلت عن تلك «المراوغة» بعد أن ارتاحت من عدوها الأيديولوجي وتبعثر معسكره إلى دويلات تتنافس على الدخول في الحلف الأطلسي. فهي الآن في طور إعادة تأسيس ثقافة بالية كانت سائدة في أوروبا القرسطية عشية «حروب الفرنجة» وبعدها.

إنها حرب شاملة. والحرب الثقافية عادة هي جزء من أجزاء الهجوم المعاكس... حتى لو كان مجرد جواب عن سؤال تافه في برنامج تلفزيوني تافه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 32 - الإثنين 07 أكتوبر 2002م الموافق 30 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً