قال تقرير نشره موقع قناة "الجزيرة" إن قضية فوز فنانين مغاربة في الانتخابات البرلمانية السابقة وحصيلة عملهم سواء داخل البرلمان أو العمل الحكومي، وتداخل ما هو سياسي بما هو فني تثير جملة تساؤلات، ويستحضر المغاربة تجارب لثلاثة فنانين، اختلفت آراؤهم بشأن تجربتهم في العمل البرلماني والحكومي.
فقد دخلت الفنانة الأمازيغية فاطمة شاهو، المعروفة باسم "تبعمرانت" مجلس النواب تحت مظلة حزب التجمع الوطني للأحرار في انتخابات 2011، وفي أول جلسة للبرلمان تخلت عن لحافها الخاص بقبائل آيت بعمران (جنوب البلاد)، وهو ما رأى فيه متتبعون توديعا منها للغناء بعدما لبست "جلباب السياسة".
لكن تبعمرانت كذبت هذه التكهنات، وقالت إن الحياة البرلمانية "لن تحيد بها عن مسارها الفني"، الذي تعده محور اهتماماتها، وتضيف "عمر الولاية البرلمانية خمس سنوات، لكن الفن لا عمر له".
دخلت ابنة منطقة سوس غمار السياسة للدفاع عن القضية الأمازيغية تحت قبة البرلمان بطريقتها الخاصة بعدما دافعت عنها عن طريق ما أنتجته شعرا ولحنا وغناء.
سؤال بالأمازيغية
ويتذكر المغاربة كيف وقفت فاطمة مستجمعة أنفاسها لتلقي سؤالاً شفوياً باللغة الأمازيغية بإحدى الجلسات العامة للمؤسسة التشريعية، بعدها عمّ صمت رهيب بالقاعة تلاه سجال ونقاش واسع حول تنزيل القوانين التنظيمية للأمازيغية.
كما شكلت القضية الأمازيغية أحد مواضيع ألبومها الغنائي "لا تلمس هويتي" الذي أصدرته بعد نهاية ولايتها البرلمانية، وانتقدت فيه تأخر قانون ترسيم اللغة الأمازيغية.
ولعل من أكثر الفنانين الذين أثار فوزهم بالانتخابات نقاشا الممثل الشاب ياسين أحجام، الذي فاز في انتخابات عام 2011 باسم حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية.
وفي الوقت الذي يعبر فيه ياسين أحجام عن اعتزازه بالدخول للمعترك السياسي من بوابة البرلمان، فإنه يرفض الوقوع في شرك ما سماه بـ"احتراف السياسة"، فتراجع عن الترشح لولاية ثانية، واكتفى بانشغالاته الفنية.
ويقول الفنان الشاب إنه واكب وهو برلماني مقترح قانون الفنان والمهن الفنية إلى أن أصبح قانونا ساري المفعول، وهو الأمر الذي ظل الفنانون المغاربة ينتظرونه منذ سنوات.
فن وسياسة
لم يعتزل ابن مدينة شفشاون، الواقعة شمالي البلاد، الفن بعد اعتماره قبعة البرلماني، بل حاول أن يظل ممثلا على خشبة المسرح وشاشة التلفزة، وممثلا للمواطنين تحت قبة البرلمان، ويقول للجزيرة نت "أنا فنان قبل أن أكون سياسيا، ولا معنى أن تنتهي مهمتي بالبرلمان بتخريب مساري الفني".
ويعترف الفنان بقلق الأسئلة التي واكبت انتدابه البرلماني، وتتعلق بـ"حدود الفني والسياسي في تجربته". لكن سرعان ما اعتاد جمهوره أن يراه "فنانا بتوجهٍ سياسي"، بل ظلت شخصية الفنان غالبة على شخصية البرلماني.
ونجح أحجام في نهاية ولايته البرلمانية أن يعقد "قرانا ثقافيا"، كان في جانب الفن أحلى من طعمه في السياسة، إذ أخرج مسرحية "العريس" اقتباسا من رواية الكاتب صلاح الوديع المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة الغريم السياسي للعدالة والتنمية.
ثريا جبران
تجربة مغايرة جسدتها الممثلة المسرحية المعروفة ثريا جبران، التي وجدت نفسها وهي في أوج عطائها المسرحي بطلةً من أبطال المسرح السياسي الكبير، عندما عينت وزيرة للثقافة باسم حزب الاتحاد الاشتراكي في العام 2007.
ورأى الكثيرون أن ضوءا قليلا بدأت خيوطه تتراءى في تجربة سيدة المسرح المغربي على رأس الوزارة، والقيام بمسؤولتها بمعية الفنانين المغاربة وهيئاتهم المهنية إزاء بعض القضايا الحيوية مثل وضع قانون للفنان، وإقرار بطاقة مهنية له تخوله بعض الحقوق وإحداث التعاضدية الوطنية للفنانين (مؤسسة للتأمين الصحي).
لكن المرض أرغم ثريا على التخلي عن منصبها الوزاري بعد سنتين فقط من توليها له، ليسدل الستار على مشهد سياسي مرّ عابرا في حياتها الفنية التي تمتد لأزيد من ثلاثة عقود. ولم تعد بعدها ثريا جبران إلى المسرح، وظهرت مؤخرا في الساحة الثقافية بحضورها فقط لبعض المهرجانات.
ورغم أن تجربة دخول فنانين معترك السياسة ظلت محدودة في المشهد السياسي المغربي، فإنها لم تلق الترحيب المطلق، فقد سبق للفنان الأمازيغي محمد مستاوي أن انتقد خلال مشاركته ببرنامج تلفزيوني دخول الفنانة تبعمرانت للبرلمان، وقال "الفنان لا يكون سياسيا، والسياسي لا يكون فنانا".