العدد 32 - الإثنين 07 أكتوبر 2002م الموافق 30 رجب 1423هـ

آلو... من هو مخترع الهاتف بيل أم ميوتشي؟

الايطاليون الذين يشتهرون كشعب يعشق الكلام يعتبرون انه لأمر طبيعي ان يكون مخترع الهاتف واحدا منهم.

والآن، بعد حوالي 113 سنة من وفاة ميوتشي فقيرا معدما على جزيرة ستاتن في نيويورك هناك نوع من الاقرار بفضله. ففي شهر يونيو/حزيران الماضي اعلن مجلس النواب الاميركي، ان بيل الاسكوتلندي سلب الايطالي حقه.

والقرار الذي تبناه الكونغرس رعاه العضو الجمهوري في مجلس النواب فيتو فوسيللا الاميركي الايطالي الاصل في جزيرة ستاتن الذي دعمته المنظمات الاميركية الايطالية. وقد اوجز البيان الذي كتب بالاسلوب الحكومي الثقيل - تاريخ ميوتشي سيئ الحظ على النحو الآتي:

«لما كان ميوتشي لم يتعلم اللغة الانجليزية على النحو الكافي ليبحر في مجتمع الاعمال الاميركي المعقد... ولما كان ميوتشي قد عجز عن جمع الاموال اللازمة ليتحمل مصاريف معاملات طلب براءة الاختراع... ولما كانت الحكومة الاميركية قد تحركت في 13 يناير/ كانون الثاني 1887 لالغاء براءة الاختراع المعطاة لبيل على اساس من الغش وتحريف الحقائق... ولما كان ميوتشي قد توفي في أكتوبر/تشرين الاول 1889، انتهى اجل براءة اختراع بيل في يناير 1893. أحيلت القضية إلى الحفظ». وخلص المشترعون في اجواء كل الفرص الضائعة إلى انه «يجب الاعتراف بحياة وإنجازات ميوتشي والاقرار بالعمل الذي قام به لاختراع الهاتف».

وطبعا كان هناك معارضون، فبعد وقت قصير في يونيو الماضي اقر مجلس العموم الكندي مشروع قانون يعترف ببيل كمخترع الهاتف. وقد توفي بيل - الذي جاء إلى اونتاريو مع والديه في شبابه - في العام 1922 في نوفاسكوتيا حيث كان يملك منزلا صيفيا.

وفجأة انتهت التغطية الاخبارية المشحونة بالمشاعر الوطنية للقضية. وفي الحقيقة انه - بصرف النظر عن الكتب المدرسية والموسوعات - لم يفعل الايطاليون شيئا يستحق الذكر دفاعا عن قضية ميوتشي الذي بذل الغالي والنفيس من اجل مواطنيه.

في العام 1878 عندما ظهر الهاتف لاول مرة في ايطاليا، بحضور العائلة المالكة تم استعمال جهازي بيل حيث انه قبل سنة، كان شقيقان ايطاليان من ميلانو قد استعملا براءة اختراع بيل لصنع اجهزة الهاتف الايطالية الاولى.

وقد ظل ميوتشي منسيا في وطنه الاصلي فيما سعى ماركوني خلال حملة موسوليني الفاشية لتمجيد الانجازات الايطالية، ان يكسب بعض الفضل لمواطنه. ولم ينجح ماركوني في مسعاه - على ما يبدو من رسالة في أرشيف المتحف كتبت في العام 1954.

وتنصح الرسالة متحفا ايطاليا بتوخي الحذر في اعداده لأي جناح لمعروضات ميوتشي لان ما هو معروف عن معركة براءة الاختراع «لايزال غامضا»، وإن شركة بيل قد تثير اعتراضات اذا جاء العرض مفتقرا إلى التوثيق المناسب.

وقبل حوالي عشر سنوات اخذ مهندس الكتروني - على وشك التقاعد من شركة الاتصالات البعيدة الحكومية في تورنتو - على عاتقه التحدي الكبير لاعداد قصة ميوتشي مسندة بالوثائق المطلوبة. وقد تذكر المهندس باسيليو كاتانيا كيف انه صدم بشيء من العنف عندما بدأ يقرأ كل ما استطاع العثور عليه عن ميوتشي.

وقال كاتانيا في اتصال هاتفي: «كل الآراء عن ميوتشي جاءت متضاربة. قال البعض انه دجال وانه لم يفعل شيئا سوى تقليد لعبة الاطفال التي تتمثل في وصل علبتين بخيط. وقال اخرون انه عبقري جرى تشليحه».

ميوتشي واجه المشكلات منذ حداثته. فكطالب كيمياء اختراع جهاز دفع قوي للالعاب النارية. ولاحقا عندما سبب صاروخ مدفوع بجهازه بعض الضرر خلال احتفال لاستقبال لدوقة فلورانسية انتهى به المطاف امام المحكمة. ولاحقا دخل السجن بسبب نشاطه من اجل تحرير ايطاليا من حكم الاجانب.

وقد تساءل ميوتشي ما اذا يمكن استعمال الكهرباء في الطب. وعندما اصيب احد العاملين معه بتوعك وضع ميوتشي طرف سلك نحاسي في فم الرجل وأرسل شحنة كهربائية من الطرف الآخر. وقد انتقل صراخ الرجل المسكين عبر السلك فكان ذلك بداية انطلاق ميوتشي لاستخدام الكهرباء لنقل الصوت البشري.

وكانت نيويورك تنتظر. وتقول كاتانيا ان ميوتشي اعتقد انه يستطيع ان يستغل عبقريته على نحو افضل هناك. ولكنه لسوء الحظ وجد هناك اشياء لم يكن ينتظرها: مئات الايطاليين - من ارستقراطيين وجنرالات - يحتاجون إلى المساعدة في المنفى في سعيهم لوضع استراتيجية لتوحيد ايطاليا.

وإلى جانب منزله في جزيرة ستاتن، حيث استقر في العام 1850، افتتح ميوتشي معملا لصنع نوع جديد من الشموع ابتكره. ووفر للمنفيين فرصة العمل. ولكن تجارة الشموع انهارت في وجه المنافسة مما اضطر ميوتشي في العام 1861 إلى بيع ممتلكاته الشخصية من الاواني الفضية وبيانو بل ونماذج خشبية اولية لأجهزة الهاتف لتأمين ثمن الدواء لزوجته المريضة.

وفي العام 1871 توجه ميوتشي إلى المحكمة - لاستصدار تحذير من استعمال اختراعه بدلا من طلب براءة الاختراع المكلفة، وذلك بعد ان رفض مواطنوه الايطاليون تقديم قرض له بقيمة 200 دولار لتكاليف الطلب. وبعد ثلاث سنوات عجز حتى عن تأمين عشرة دولارات لتجديد التحذير.

وعندما تناهى لميوتشي ان بيل حصل على براءة اختراع هاتف في العام 1876 بعث برسالة إلى محاميه وبدأ حملة في الصحف ليدعي انه اول من اخترع الجهاز. وفي العام 1887 اتخذت الحكومة الاميركية موقفا مؤيدا لميوتشي غير ان الايطالي توفي بعد سنتين ولم يكن له يومه امام المحكمة الاستئنافية.

خدمة (ا.ب

العدد 32 - الإثنين 07 أكتوبر 2002م الموافق 30 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً