أمل دنقل: وعلى كَتفيها يحطُّ اليمامُ الغريبُ. أَلْفَيْتَنيْ... وإِذا بِحَرفِكَ يَهْطِلُ
مَاءً، فَيَنْمُو بالقَصِيْدِ قُرُنْفُلُ
وَكَتَبتَنِيْ حَقلاً يَفِيْضُ بِسُنْبُلٍ
مُذْ جَفَّ مِنْ رَملِ الحُرُوفِ السُنْبُلُ
وَوَهَبْتَ أَجْفَانَ الحَقِيْقَةِ كُحْلَهَا
لَمَّا تَزَلْ - فِيْ عُمْرِنَا - تَتَكَحَلُ
جِئنَاكَ والوَجَعُ النَّبِيُّ يَلُفُنَا
بالوَقْتِ، والحُلمُ الشَّهِيُّ مُؤجَّلُ
جِئنَا و (زَرْقَاءُ اليَمَامَةِ) خَلْفَنَا
وَلها عُيُونٌ مِنْ عُيُونِكَ تَخْجَلُ
مَصْلُوْبةَ العَيْنَينِ، غَيَّبَهَا المَدَى
وَبُكَاؤهَا - خَلفَ الغِيَابِ - يُجَلْجِلُ
في جَفْنِها (البِئرُ الكَلِيمُ)... وَدَمْعُهَا
يُصْغِيِ إِليكَ، وبالدّلاءِ مُحَمَّلُ!!!
أَسْمَعْتَهَا - كَاليَاسَمِينِ - قَصِيْدَةً
(عَرَبِيَّةً) مَا زلتَ فِيها تَغْزلُ
أَخْبَرتَهَا عَنْ قَافِلاتٍ لَمْ تَزَلْ
تَدنُو لأَشْجَارِ الحَنِيْنِ... وَتَقْتُلُ
عَنْ جَارِكَ، الآلامُ تَحْفرُ وَجْهَهُ
والمَوْتُ مِنْ خَلفِ النَّخِيْلِ يُهَرْوِلُ
عَنْ صُوْرَةِ الأَطْفَالِ، عَنْ أَزْهَارِهَا
كَالحُلْمِ قَطَّعَهَا هُنَالِكَ مِنْجَلُ
عَنْ نَظْرَةٍ (عَزْلاءَ) قَدْ آوَيتَها
دِفْئاً، ومِنْ عَيْنَيْكَ يَهرُبُ جَدْوَلُ
وَطَنٌ يُبَلِّلُ بِالصَّنُوبرِ عَيْنَهُ
والدَّمْعُ - مِنْ وَجَعِ التُرَابِ - مُبَلَّلُ
ويطلُّ، و(الزَّرْقَاءُ) تَحْرِثُ غُربَةً
للحَقلِ، والوَردُ المُسَافرُ يَذْبُلُ
فَنَهَضْتَّ تَعْصرُ مِنْ حُرُوْفِكَ مَوْطِنِاً
وَقَصَائِدُ الزَّيْتُوْنِ - مِثلُكَ - تَسْألُ:
يَا أَيُّها الآتُوْنَ .. أيُّ سَفِيْنَةٍ
تَطْوي العَوَاصِمَ والبِحَارَ تُقَبِّلُ؟!
قَالتْ لَكَ الريحُ: ارْتَحِلْ بِنِبُوَءةٍ
وَإِلَيْكَ (طُوْفَانُ اليَمَامِ) سيَرْحَلُ
لِتَرَى عَلى (الجُوْدِيِّ) غُصْنَ حَمَامَةٍ
ونَرَى الحَقِيْقَةَ مِنْ سَمَائكَ تَنْزلُ
فَلأَنتَ و(الزَّرْقَاءُ) عَينُ حِكَايَةٍ
مَا عَادَ يَسْكُنُها البُكَاءُ الأَوَّلُ
والدَّمعُ عَاصِمَةٌ تفِيْقُ غُيُوْمُهَا
طِفْلاً، وَأَنتَ عَلى العُيُونِ تُظَلِّلُ
لا زلْتَ تَخْطُو والمَسَافَةُ دَهْشَةٌ
والحُزنُ فِيْ صَمتِ الطَّرِيقِ يُعجَّلُ
أَمْطَرْتَ فيَّ الحَرْفَ أَجْمَلَ لَوْحَةٍ
رُسِمَتْ بِضَوْئِكَ، حَيثُ حَرْفُكَ مِشْعَلُ
كُلُّ الجِهَاتِ عَلى يَدَيكَ خَمَائِلٌ
تَخْضَرُّ، والإِنْسَانُ حُلْمٌ مُخْمَلُ
فعَلَى جُفُونِكَ تَسْتَفِيْقُ شَوَاطِئٌ
وَكَأَنَّ دَمْعَكَ بالسَّفِيْنَةِ مُرْسَلُ
قَد جَاءَ جَدْوَلَكَ النَّبِيَلَ مُتَيَّمَاً
وَطَنٌ هُوَ العِشقُ الأَجَلُّ الأَنْبَلُ
حَتَّى تُعَلِّمهُ الوَفَاءَ هُوِيَّةً
إِنَّ الوَفَاءَ عَلَى ضُلُوعِكَ مَشْتَلُ
عَلَّمتَ ثَغْرَ الدَّمْعِ نَغْمَةَ بُلْبُلٍ
فَشَدَا عَلَى شَفَةِ الحَيَاةِ البُلْبُلُ
يَا (يُوْسُفَ الأَوْطَانِ) جُرْحُكَ جَنَّةٌ
وَبِهَا يَفِيْضُ عَلَى المَوَاسِمِ مَنْهَلُ
مَرَّتْ بـ (ِبِئركَ) قَافِلاتُ شَتَاتِنا
فَكَبَتْ عَلَيكَ (رَوَاحِلٌ)... تَتَوَسَّلُ
فَامْنحْ لَنَا الكَيلَ/ الحَيَاةَ تَصَدُّقَاً
قَدْ مَسَّنَا ضُرٌّ وَمَوْتٌ مُوْغِلُ
هَبْنَا - (عَزِيْزَ الرَّمْلِ) - قَمْحَاً، واسْقِنَا
مَاءَ الحَقِيْقَةِ، فَالحَقِيْقَةُ أَجْمَلُ
وَازْرَعْ جِرَاحَ الكَادِحِينَ سَنَابِلاً
إِنَّ الجِرَاحَ بِكُلَّ أَرْضٍ سُنْبُلُ