العدد 5208 - الجمعة 09 ديسمبر 2016م الموافق 09 ربيع الاول 1438هـ

القرية الإسلامية المبكِّرة في سار

آثار القبور والأضرحة في موقع سار الأثري (متحف البحرين الوطني)
آثار القبور والأضرحة في موقع سار الأثري (متحف البحرين الوطني)

المنامة-حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

تناولنا في الحلقة السابقة تفاصيل الحياة في القرية الإسلامية المبكِّرة في عالي، والتي سبق أن ذكرنا أنها تقع في الشمال الغربي لقرية عالي، وكان يمرّ بالقرب من موقعها وادٍ كان يمتد شمالاً حتى موقع المدينة الدلمونية في سار. يذكر، أنه في الموقع الأثري الأخير في سار عُثر على آثار دالة على وجود استيطان في الحقب الإسلامية الثلاث، أي المبكّرة والمتوسطة والمتأخرة. وتنتشر هذه الآثار في جنوب ووسط وشمال سار. هذا ولا يوجد وصف شامل لهذه اللقى الآثارية، باستثناء بعض الآثار التي تم وصفها بالتفصيل، ويمكننا إجمال تلك الآثار بحسب الحقبة الإسلامية كما يأتي:

الحقبة الإسلامية المبكِّرة والمتوسطة

على رغم تعدّد المناطق الاثرية الإسلامية التي تم تحديدها من خلال عمليات المسح الأثري، إلا أنه، للأسف الشديد، لا توجد عمليات تنقيب جادّة في هذه المواقع. ففي الغالب كان يتم إزالة الطبقات الإسلامية دون أي عمليات تنقيب فيها؛ لأنها تغطي طبقات آثارية أكثر قدماً، وهي الفترات الدلمونية، والتي كانت تسعى فيها البعثات إلى التنقيب فيها بصورة أساسية.

وعلى رغم ذلك، فإن ما تم العثور عليه من آثار تعود للحقب الإسلامية في منطقة سار، كافية لأن تعطينا صورة واضحة لعمليات الاستيطان في هذه المنطقة؛ حيث تشير نتائج التنقيب والمسوحات إلى وجود قرية/مدينة إسلامية في هذه المنطقة والتي بدأ تأسيسها في وسط منطقة سار قرابة القرنين التاسع/العاشر الميلاديين. وقد توسّع الاستيطان في هذه القرية/المدينة باتجاه الجنوب والشمال، ووصل الاستيطان إلى ذروته في الحقبة ما بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر الميلاديين.

وتمتدّ آثار الاستيطان من وسط سار باتجاه الشمال؛ وصولاً إلى مقابة في الشمال الشرقي؛ والمرخ في الشمال الغربي. كما أنها تمتدّ جنوباً وصولاً لقرية بوري، وبعدها تتداخل في حدود قرية بوري. وقد كانت هذه المنطقة التي تمتدّ في شمال قرية بوري وتتداخل مع سار في الجنوب تعرف باسم «عالي حويص»، ويشار لها عادة باسم «حويص»، حتى أن المنطقة التي توجد في أقصى جنوب سار أطلق عليها اسم حويص، وذلك في تقرير المسح الآثاري الذي قامت به البعثة البريطانية في السبعينيات من القرن الماضي؛ إلا أن الاسم ورد بالخاء أي «خويص» (Larsen 1983, appendix II).

ومن أهم الآثار التي عثر عليها وتعود للحقبة الإسلامية المتوسطة، مقبرة إسلامية صغيرة عبارة عن مجمّع من القبور أو الأضرحة المبنية.

المقبرة الإسلامية في سار

بالقرب من موقع المدينة الدلمونية في سار تم العثور على مقبرة إسلامية صغيرة عبارة عن مجموعة من القبور المبنية المتقاربة من بعضها بعضاً، وهي، في الواقع، عبارة عن مجمّع لأضرحة؛ حيث يوجد كل قبر في حجرة صغيرة مبْنيّة حوله، ويوجد بهذا المجمّع بضع غرف متجاورة بها قبور إسلامية، منها ما له ساجة جميلة مزينة بكتابات إسلامية منقوشة عليها. وبحسب Kalus، من البعثة الفرنسية، والذي درس النقوش الإسلامية في البحرين، فإن هذه الأضرحة تعود إلى الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين (Kalus 1990, p. 75).

وقد نقش على هذه الساجات بالخط الكوفي المورق، ومما تم قراءته على إحدى الساجات «أوليائكم» و «آبائكم»، وعلى ساجة أخرى أمكن قراءة سطر واحد هو «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصْراً كما...» (Kalus 1990, p. 76). للأسف، لا توجد أي تفاصيل أخرى حول هذه المقبرة، فقد تمت عملية إزالتها في موسم التنقيب 1984م/1985م، وذلك للوصول إلى الآثار الأقدم منها، وقد نقلت ساجات القبور المتكسّرة إلى متحف البحرين الوطني.

وتعتبر هذه الأضرحة، إن صحّت ترجيحات Kalus حول تاريخها، أقدم أضرحة تم العثور عليها في البحرين، وللأسف لم يتم التنقيب حولها بصورة منهجية، ولم تنشر تقارير التنقيب عن الحقب الإسلامية في هذا الموقع. كما أن الساجات التي عثر عليها في هذا الموقع تعتبر أقدم الساجات التي عثر عليها في البحرين، ويبدو أن حرفة صناعة الساجات قد بدأت في البحرين منذ قرابة القرن الحادي عشر الميلادي.

كما تجدر الإشارة هنا إلى أن نموذج الاستيطان في الحقبة الإسلامية المبكرة والمتوسطة في سار يتشابه مع نموذج الاستيطان حول مسجد الخميس، وربما لو تم التنقيب عن الآثار الإسلامية حول هذه المنطقة في سار لعثر على آثار مسجد كمسجد الخميس؛ فمن خلال ما عثر عليه من أضرحة وقبور إسلامية، يبدو أن هناك مدرسة فقهية تم إنشاؤها في موقع سار في مطلع الحقبة الإسلامية المتوسطة، وقد كان بها عدد من العلماء.

الحقبة الإسلامية المتأخرة

عُثر في وسط سار أيضاً على لقى آثارية دالة على الاستيطان في الحقبة الإسلامية المتأخرة، أي ما بعد القرن الخامس عشر الميلادي، والمرجّح أن هذا الاستيطان هو امتداد لعمليات الاستيطان القديمة.

الخلاصة: مما سبق نلاحظ وجود امتداد للقى الآثارية الدالة على الاستيطان في وسط منطقة سار بدءاً من القرنين التاسع/العاشر الميلاديين. وبعد ذلك بدأت عملية انتشار الاستيطان باتجاه الشمال والجنوب. كما أن نتائج عمليات المسح والتنقيب تشير إلى وجود نمط معيّن من الانتشار أو التوسّع في الاستيطان من مناطق الاستيطان الإسلامية المبكِّرة، وهذا ما سنتناوله بالتفصيل في الحلقة المقبلة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً