الافتتان بالضوء وحده هو ما أخذ الفنانة المغربية منية تويس، نحو الألوان. الألوان ولا شيء آخر. هو الضوء المتوسطي، الذي تجده تويس، يحمل بهاءً مختلفاً، لا يشبه بهاء أي ضوء آخر، وهو ما جعلها تبحر في اللون، درجاته، وشفافيته، الشفافية التي أبهرتها وحرصت على الحفاظ عليها دائماً حتى بعد مزج الألوان وتقريبها وتقطيعها.
منية تويس، التي افتتح معرضها «نبضات» Pulses في البارح للفنون مساء الثلثاء الماضي (6 ديسمبر/ كانون الأول 2016)، ويستمر حتى 29 من الشهر نفسه، تحدثت لـ «فضاءات الوسط» عن فوضى الضوء واللون بداخلها وعن تحويلها تلك الفوضى «الخلاقة» لاشتغال فني مختلف.
تتدفق الألوان في لوحاتك، تمزجينها بشكل مختلف، تبدو لوحاتك المليئة ضوءاً ولوناً، وكأنها ترسم أشكالاً مختلفة وتملي قراءات لا حصر لها، هل هذا هو التجريد اللوني؟
- لا أظن أن هذا تجريد لكنها طبقات لونية. ألوان لوحاتي هي مزيج من درجات لونية مختلفة. فأنا في بحث دائم في اللون وحساسيته، وفي الضوء على وجه الخصوص، فالأسود قد يكون قاتماً في الضوء ولكن هذا لا يعني أنه لون قاتم. كما أنني لا أتحدث عن ألوان بحد ذاتها، بل في الطبقات اللونية وما وراءها. فحين أنظر إلى السماء بالعين المجردة فلن أجد لوناً واحداً بل ألوان كثيرة أبيض، أزرق، رمادي، أخضر، أحمر، برتقالي، هذه الطبقات اللونية هي وسيلتي في البحث عن عملي الفني.
لكن ألا يعد تركيزك على اللون وغياب الأشكال من لوحاتك تجريداً؟
- أنا لا أدرى أية مدرسة تقدم أعمالي، ممكن أن تكون أعمال تجريد، لكن الفكرة التي تكون موجودة لدي حين أعمل هو أني أنطلق من إلهام الطبيعة فحين أنظر إلى منظر ما، لا أرسمه بالكامل بل أركز على مقطع منه. وإذا تحدثنا فلسفياً فإن تصغير الموضوعات بهذا الشكل، يجعلها تكبر فنياً، وربما هذا ما يجعل أعمالي تبدو للآخرين كتجريد، ولكنها بالنسبة لي ليست كذلك.
كانت الأشكال واضحة في أعمالك الأولى، لكن نقلة فنية في أعمالك غيبت الأشكال، ما الذي حدث بالضبط؟
- تغير المسار التشكيلي لدي، وتغيرت علاقتي مع المرسم والأدوات والألوان، وبدأت أنحو نحو المسار التجريبي، وهو مسار لا ينتهي ولا يتوقف أبداً لدي، فهناك دائماً الجديد وأنا أحب البحث والابتكار.
كيف تأثر هذا المسار التجريبي بالنقلة الفنية والجغرافية التي قمتِ بها بعد انتقالك من المغرب إلى إسبانيا، وتأثرك بمدارس فنية مختلفة هناك، مع العلم أنك خريجة إحدى أهم أكاديميات تعلم الفنون في المغرب، وهو ما منحك أساساً أكاديمياً قوياً؟
- قد يكون تأثير الأولى وهي المغرب أكاديمياً وهو ما لن أنساه أبداً، ولذا فمهما بدت أعمالي تجريدية إلا أن النظرة الأساسية لهذه الأعمال هي نظرة أكاديمية لا يمكني أن ألغيها، مهما يكن عملي اليوم واحتكاكي بالمواد والموضوعات المختلفة ومهما يكن تأثري بالحساسيات والفنانين والثقافات والحضارات واللغات. بالطبع كان الوضع في غرناطة أكاديمياً أيضاً فقد وجدت المنهج نفسه الذي درسته في المغرب، لكني حين ذهبت إلى برشلونة وجدت الأمور مختلفة قليلاً، إذ لم نكن نتعلم الرسم بل كنا نتعلم أن نرى، كنا نهتم بالتفاصيل بشكل أكبر، التفاصيل الحية وهي الأصعب وليس مجرد القياسات والأحجام التي تجعل الرسم يبدو كعملية حسابية أكثر من كونها فنية.
شغفك بالألوان واضح، يتجلى في استخدامك لطبقات هذه الألوان وتموجاتها، وفي الأشكال غير الواضحة التي تصنعها ألوانك. حدثيني عن هذا الشغف وعن فلسفة اللون لديك.
- كأي موضوع أدبي أو شعري، فإن الفن يُقرأ بشكل مختلف بحسب مستوى تفكير المتفرج وإحساسه. والفن مثل كلمات الأغاني التي قد لا تفهم معناها حين تأتي بلغة لا تتقنها لكنك تتذوق الموسيقى المصاحبة لها وكذلك اللحن.
أما عن الألوان فإن شفافيتها هي ما أركز عليه. أنا دائمة البحث فيها وعن بهائها الذي يشبه بهاء الضوء المتوسطي وهو الذي يختلف عن ضوء أميركا مثلاً. أحب الألوان، وفي داخلي فيض منها، ومنذ أيام دراستي في برشلونة لاحظت هذا الفيض ووجدت الطبيعة تملي عليّ وتجعلني غير قادرة على الفصل بين طبقات الألوان وشغفتني بمزجها، سألت أستاذي في برشلونة عن ذلك فقال لي الألوان بداخلك. وفي الواقع فإنني في كل مرة أرسم أشعر بأن الفوضى اللونية بداخلي تنقص، وهي فوضى مركزة في الألوان، لكن هذه الفوضى يوازيها أساس أكاديمي قوي، يخلق لدي توازناً بصرياً في الرؤية وفي اختيار المواد التي تخرج الألوان من داخلي.
يشار إلى أن الفنانة منية تويس، تعيش ما بين إسبانيا وبلدها الأم المغرب، وهي حاصلة على شهادة بكالوريوس الفنون الجميلة في الرسم من الأكاديمية الوطنية للفنون الجميلة في المغرب، وعلى شهادة الفنون الجميلة من جامعة غرناطة في إسبانيا، وشهادة أخرى في الفنون الجميلة والرسم من جامعة برشلونة بإسبانيا، كما حصلت على الدكتوراه وعلى الدبلوم العالي من الجامعة نفسها.
وعرضت تويس أعمالها في عدد من المعارض الشخصية أو الجماعية في دول عديدة من بينها البحرين، كولومبيا، مصر، فرنسا، ألمانيا، إيران، إيطاليا، المغرب، قطر، إسبانيا، سويسرا والإمارات العربية المتحدة. وحصلت تويس على عدد من الجوائز الفنية من إسبانيا وفرنسا وبلدها الأم المغرب.
اعانك الله يا منية، فنانة و انسانة
حوار شيق ومميز بين الفن والصحافة..
رائع..
دائما متألقا
فنانة راقية و مبدعة. وفقك الله