العدد 31 - الأحد 06 أكتوبر 2002م الموافق 29 رجب 1423هـ

حرب الأيام الستة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حين وقعت حرب يونيو/حزيران 1967 وانهزمت الدول العربية الثلاث في أقل من اسبوع اندلعت بين الشارع السياسي العربي معركة من نوع جديد تركزت على معنى الضربة العسكرية. وكانت معركة المصطلحات غير منفصلة عن الحرب. أطلق على الهزيمة مسميات كثيرة. عبدالناصر قال عنها نكسة. الناس أطلقوا عليها هزيمة. البعض أطلق عليها عدوان. واختلاف المصطلحات كان يعكس ضمنا الاختلاف في التوجه السياسي (الأيديولوجي). فلكل فريق سياسي مصطلحه الخاص الذي يطل منه. والمصطلح كان يحدد الموقف الأيديولوجي من المعركة.

انفردت «إسرائيل» بمصطلحها. أطلقت على حرب يونيو (حرب الأيام الستة) وقصدت من تلك الجملة الطويلة (القصيرة) الإمعان في إذلال العرب أمام العالم. فالقصد من (حرب الأيام الستة) القول للعالم: هزمت «إسرائيل» وحدها ثلاثة جيوش عربية في ستة أيام.

احتلت القدس في اليوم الأول، والضفة الغربية في اليوم الثاني، وغزة في اليوم الثالث، وسيناء في اليوم الرابع، ووصلت إلى الضفة الغربية من قناة السويس في اليوم الخامس، واحتلت الجولان والقنيطرة في اليوم السادس. واستراحت في اليوم السابع حين وافق العالم على القرار الدولي 242.

كان الجيل العربي (جيل 5 حزيران) يكره تلك الأرقام وتلك التسمية الإسرائيلية. كان يتصور رقم 5 وكأنه حلقة (حبل) المشنقة. وكان يخجل من تلك القرارات والأرقام التي قبلها العرب غصبا عنهم ورفضت «إسرائيل» تطبيقها.

انتظر الجيل المهزوم كثيرا وسمع مرات ومرات عن استعدادات الحرب... وانتظر يعد الأيام وينتظر البلاغات إلى أن وقعت حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973. واندلعت من جديد معركة المصطلحات.

وحده المفكر المصري محمود حسين لم يكترث للمصطلحات ولا لمعادلات الربح والخسارة ولا لثغرة الديفرسوار. كان محمود حسين يعد الأيام. ينتظر لحظة كسر حاجز الزمن. وبعدها ليس مهما من انتصر في المعركة.

وحده محمود حسين خرج على قاعدة المألوف وقعد يعد الأيام: واحد، اثنين، ثلاثة...

... وحده محمود حسين نظر إلى المسألة من زاوية مختلفة. لم يكترث لكل ما قيل عن كيسنجر، نيكسون، المؤامرة الأميركية، الديفرسوار، مفاوضات الكيلو 101. كلها تفاصيل وليست مهمة. تابع محمود حسين يعد الأيام: أربعة، خمسة، ستة.

... واصل محمود حسين عدّ الأيام: سبعة... ثمانية. لم يصدق أنه وصل إلى الرقم سبعة، ثمانية، تسعة، عشرة. انتصر العرب.

محمود حسين كان الوحيد الذي نظر إلى الحرب من منظار الحاجز الزمني وحين تجاوز العرب «حرب الأيام الستة» رأى أن تلك المسألة كافية. فالعرب انتصروا على أنفسهم وكسروا الحاجز الزمني. والديفرسوار ليست ثغرة بل «كوة» عربية على المستقبل. كانت المسألة عند محمود حسين زمنية (نفسية) فإذا استطاع العرب الصمود في المعركة لمدة تزيد عن ستة أيام تكون الأمة دخلت مجددا التاريخ بعد أن خرجت عنوة في يونيو.

منذ اليوم السابع بدأ محمود حسين تأليف كتابه عن الحرب. أعلن فوز العرب في معركة الزمن قبل أن تتوقف. نجحنا في كسر الرقم ستة، وأثبتنا للعالم أننا أمة نستطيع أن نقاتل لمدة أسبوع وأن نصمد أمام أميركا أكثر من أسبوع.

قعد محمود حسين يعد الأيام. بينما جيلنا المهزوم أخذ يحسب الخسائر والأرباح ويعيد قراءة المعركة بحسابات اقتصادية واستراتيجية عسكرية وسياسية ونفطية.

وحده محمود حسين أعلن انتصار العرب بعد اليوم السادس. فالحرب عنده تفاصيل، والزمن هو المهم. المسألة أن نخرج منه أو نستمر نعاند ونمانع.

حسب محمود حسين المعركة بالأيام وكادت أنفاسه تنقطع قبل أن يصل إلى يومه السادس وعندما وصل، أقفل المذياع وبدأ يكتب عن انتصار العرب. عن كسر العرب الحاجز الزمني. عن الكوة التي فتحها الصمود على المستقبل. وصف في كتابه الأيام بلحظاتها وساعاتها وتفاصيلها.

... ومرّت الأيام. ورحل محمود حسين مطمئنا بعد أن خرج كتابه إلى النور.

انتهت الحرب، ورحل محمود حسين... ومازالت الأمة تعدُّ الأيام

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 31 - الأحد 06 أكتوبر 2002م الموافق 29 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً