العدد 31 - الأحد 06 أكتوبر 2002م الموافق 29 رجب 1423هـ

لسنا ملزمين بتحقيق النبوءات السلبية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في دراسات أعدتها جامعة هارفرد الأميركية قبل أكثر من ثلاثين سنة على مجموعة من المدرسين والطلاب وجدت ان الطلاب يتأثرون مباشرة بالتوقعات التي يحملها عنهم أساتذتهم. فإذا كان المدرس يعتقد بأن الطالب ذكي وله مستقبل زاهر فإنه يسعى إلى تطوير التلميذ بكل قدراته ولا يقبل بأي شيء أقل من نجاح التلميذ. وعلى العكس من ذلك إذا كان الأستاذ يعتقد ان التلميذ غبيّ وليس له مستقبل فإنه يسعى إلى تحقيق تلك النبوءات السيئة بكل ما لديه. وعلى هذا الأساس استنتج علماء النفس ان النبوءات الصارمة التي يحملها الإنسان تؤدي به إلى السعي الحثيث لتحقيق تلك التوقعات، سواء كانت سلبية أم إيجابية.

وجاذبية هذا النمط من التفكير انه يبسط الأمور إلى أسود وأبيض، ويساعد المرء على تفسير كل ما يواجهه في حياته على أساس التصنيف شبه اليقيني الذي بناه في فكره تجاه موضوع ما. كما ان هذا الأسلوب في التعامل مع الآخرين ومع الأوضاع يسقط طبيعة الإنسان على الآخرين. فالشخص الذي يعتقد انه غير قادر على تحقيق الشيء الأفضل، فإنه يتوقع غيره أيضا لا يستطيع تحقيق ذلك الشيء الأفضل، وعلى أساس هذا التوقع والتنبؤ يسعى جاهدا إلى تحقيقه وتأكيده على أرض الواقع.

والحديث أعلاه ينطبق على المشروع الإصلاحي في البحرين، إذ ان هناك من يتنبأ بصورة صارمة ان الوضع لا يمكن ان يصلح، وعلى أساس هذا التنبؤ يسعى جاهدا إلى تحليل وتوجيه كل شيء لإثبات استحالة الإصلاح واستحالة وجود المستقبل الأفضل. ومثل هذا التحليل يريح الشخص من أي التزامات معقدة، فمادام الأمر مستحيلا، فإن القضية سهلة التحليل، وهي «أسود وأبيض» وبالتالي يمكن له ان يتخذ الموقف الثابت مهما تغيرت الظروف. وعلى هذا الأساس فحتى لو تبدلت الدنيا فإنه غير معني بهذا التبدل، لأنه مهما حصل فإن النهاية التي ستصل إليها الأمور ستكون سيئة، بحسب التوقعات والنبوءات التي يحملها في رأسه.

والحل لهذا النمط من التعامل مع الأمور ليس في قلب المعادلة ومن ثم الادعاء بأن كل شيء سيكون إيجابيا وان المحصلة النهائية مؤكدة وستكون لصالح الأمر الأفضل. ولعله لا يوجد حل واحد لأن الأمر ليس بالسهولة والبساطة التي يتمناها المرء لتخليص نفسه من أعباء بالغة التعقيد تتطلب التعامل مع كل قضية على حدة وفي الوقت ذاته التعامل مع مجمل الأمور ضمن تصور أكبر.

التصور الاجمالي للمشروع الإصلاحي الذي نؤمن به هو ان البحرين بدأت تنحو نحو الاتجاه الأكثر صحة من الماضي، وعليه فإن علينا واجب مساندة هذا المنحى ودعمه. أما على المستوى التفصيلي للأمور، فإن هناك أمورا قابلة للإصلاح أكثر من غيرها، وهناك أمور ربما يصعب إصلاحها لتجذرها.

كما ان هناك تراجعات حصلت بعد التصويت على الميثاق، ولكن أيضا هناك تطورات أخرى لم نتوقع حدوثها بالسرعة التي شاهدناها.

والميزان الذي نزن به الأمور هو مقدار الحقوق الأساسية التي يحصل عليها المواطن مثل حرية التعبير، وحرية التجمع والمساواة أمام القانون والتعامل معه على أساس الكفاءة بغض النظر عن أصله وفصله. وبالإضافة إلى تلك الحقوق الأساسية الداعمة لكرامة الإنسان، توزن الأمور بمقدار النفوذ الذي يحصل عليه المواطن في اتخاذ القرارات الوطنية وفي التوزيع العادل للثروات.

قد نختلف على التفاصيل في مقدار ما حصل عليه المواطن البحريني - من تعزيز لكرامته وتمكين له - للتأثير على القرارات الوطنية الكبرى، ولكن لا نختلف على أن ما لدينا اليوم هو أفضل مما كان لدينا قبل سنتين.ومن هذا المنطلق فإننا ندعم المشروع الإصلاحي وندعم كل الخطوات التي تعزز حقوق المواطن المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ونقف أمام أي محاولة لعرقلة الحصول على المزيد من هذه الحقوق التي آمنت بها شعوب العالم ودوّنتها المعاهدات الدولية ووقعت عليها أكثر دول العالم

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 31 - الأحد 06 أكتوبر 2002م الموافق 29 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً