توجد في الوقت الحاضر حراكات ومناقشات كثيرة لمختلف مؤسسات وتجمعات المجتمع المدني في دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بشأن ضرورة قيام وحدة بين هذه الدول.
المنطلقات النظرية لهذا التوجه والمشاعر الشعبية الواسعة التي تسانده لا تختلف عن مثيلتها بالنسبة لوحدة الأمة العربية وتوحيد الأقطار العربية في كيان قومي واحد. هناك حقائق التاريخ الواحد المشترك، والثقافة الواحدة، والخروج من ضعف التمزق وتدخُلات الخارج، ومواجهة الأعداء المشتركين، والتخلُص من التخلُف الحضاري التاريخي من أجل الانخراط الندي الفاعل في حضارة العصر الذي نعيش. وبالتالي فوحدة دول الخليج هي قضية وجودية بامتياز، كما هو الحال بالنسبة للوحدة القومية العروبية الأم.
وهو ما سيعني أيضاً أن وحدة دول مجلس التعاون هي جزء من خطوة واحدة من مسيرة أمة العرب نحو وحدة وطنها العربي الكبير. إذ تبني وجهة النظر هذه سيبعده عن الانغلاق على نفسه، كما يريد له البعض، وسيبقيه معنياً وفاعلاً ومتناغماً مع ما يجري في كل الأرض العربية.
من هنا فان أي تعثُر في الاتحاد العربي المغاربي سيقلقه، وأي ضعف في اقتصاد مصر سيوجعه، وأي محاولات لتمزيق أقطار من مثل العراق أو سورية أو اليمن أو ليبيا سيحاربها كما لو كانت محاولات لتمزيق دوله، وأي تعايش من أي نوع كان مع الوجود الصهيوني في فلسطين العربية هو من الخطوط الحمر والفضائح الأخلاقية القومية. وهذا الاتحاد، المستقوي بأمته العربية والمستظل بجناح وطنه العربي الكبير، سيسعى لأن تكون ثرواته البترولية لا لمواطنيه فقط وإنما أيضاً للمساهمة في تنمية مجتمعات العرب، وذلك من منطلق الأخوة أولاً، ومن منطلق المصير المشترك ثانياً، وثالثاً من منطلق أن القصر الذي تحيط به أكواخ الحاجة والفاقة هو في خطر مادي وقحط روحي.
بدون تلك الصورة البهية الإنسانية الملتزمة قومياً سيكون الاتحاد المنشود اتحاد يباب موغلا في أنانيته فقيرا في انطلاقات ضميره.
هذا ما يرجوه الكثيرون من مثل هذا الاتحاد على المستوى القـــومي. لكن هناك ما يرجوه الكثيرون على مستوى المجلس وهو في طريقه لاتحاد دوله.
فأولاً، لا يحتاج المجلس أن يبدأ من الصفر. فهناك دروس كثيرة يمكن أن يستفيد منها ويأخذ بها في الكثير من الاتحادات، الاتحاد الماليزي أو الأوروبي أو السويسري على سبيل المثال. ثمُ هناك بعض محاولات الاتحادات الثنائية العربية التي تعثرت والتي يمكن الاستفادة منها لتجنُب عوامل إخفاقاتها السابقة.
ولاتوجد ضرورة للدخول في نقاشات بشأن اسم أو نوع الاتحاد. فسواء أكان كونفدراليا أو فدرالياً أو اندماجيا أو غيره من المسميات، فإن المهم ليس الاسم؛ وإنما المحتوى ومدى الصلابة وتجنب أسباب الانتكاسات.
وعليه، فثانياً، فإن التدرُج في التوجه نحو الاتحاد مقبول، بل ومستحب، لكن بشرط أن تكون الخطوات تراكمية والأولويات واضحة والمظهريات التي لا تسمن ولاتغني من جوع نادرة.
ضمن هذا المنظور التدريجي يستغرب الناس من البطء الشديد في خطوات الوحدة الاقتصادية والتي توقفت الكثير من القرارات بشأنها. ويتساءل الكثيرون عن السبب في عدم الانتقال إلى توحيد أنظمة التعليم وخدماتها وأنظمة الصحة وخدماتها وأنظمة العمل وخدماتها وأنظمة الإسكان وخدماتها في دول مجلس التعاون، وذلك من أجل تحقق المواطنة الخليجية العربية المشتركة بالنسبة لتلك الحقول والبدء بالاعتماد على النفس، بدلاً مما تمليه إرادات الخارج.
وثالثا، فإن السؤال الأكبر يتعلق بموضوع السياسة، وهو موضوع كبير ومحوري. فالاختلافات في السياسات الخارجية، التي تؤدي إلى مماحكات وعداوات بين دول المجلس، لا تخفى على أحد. من أمثلة ذلك التعامل مع العدو الصهيوني، والتعامل مع موضوع الساعة؛ أي التعامل مع الحركات الجهادية التكفيرية العنفية، التي أدخلت بلاد العرب جميعها في جحيم الدمار المادي والمعنوي، والتعامل مع القوى الإقليمية الإسلامية، والتعامل مع الصراعات العولمية فيما بين الدول الكبرى، وغيرها الكثير الكثير.
وهنا يطرح السؤال: هل يمكن لأي اتحاد، من أي نوع كان، أن يقوم إذا تمسكت أجزاؤه بمبدأ السيادة الوطنية الكاملة، كما تفعل بعض دول المجلس؟
ورابعاً، فإن الكثيرين لا يعتقدون بضرورة التمسك بمبدأ الوحدة بين دول المجلس الست. وهم يرون في أية وحدة جزئية انتصارا لوحدة الدول الست النهائية، بل لوحدة الأمة النهائية. وإذا كانت بعض الدول مترددة أو لها منطق خاص بها، فإن ذلك يجب ألا يعني تأخير موضوع حياتي ووجودي بالغ الأهمية للحاضر وللمستقبل، وخصوصاً في هذه الأجواء العاصفة التي تدمُر أرض العرب.
وخامساً، وأخيراً، فإن أي نوع من الاتحاد لا يأخذ بعين الاعتبار إشراك مواطني دول المجلس ومؤسسات مجتمعاتهم المدنية في اتخاذ القرار، وفي وضع التصورات والأهداف المستقبلية، وفي المشاركة في خطوات التنفيذ، ضمن تصورات ديمقراطية سياسية واقتصادية عادلة،... فإنه، أي الاتحاد، سيكون مشروعاً فوقياً معرضاً للفشل.
فالاتحاد الناجح يجب أن يكون من أجل الناس وبالناس في المقام الأول.
يستطيع قادة مجلس التعاون أن يعقدوا المؤتمرات وينشغلوا باتخاذ القرارات المؤقتة بشأن قضايا مؤقتة، لكنهم سيكتشفون في النهاية بأن حلً مشاكل الحاضر والانتقال إلى مستقبل حضاري أفضل، يكمن في هذا المشروع، في هذا المطلب العروبي الوحدوي لملايين المواطنين.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 5207 - الخميس 08 ديسمبر 2016م الموافق 08 ربيع الاول 1438هـ
الحمدلله على نعمة الأمن والاستقرار التي تعيشها دول الخليج ونتمنى الاستقرار والرخاء للعراق وسوريا واليمن ومصر ولبنان كالذي نعيشه في الخليج. سبحان الله كل مكان تطأه ايران او ميليشياتها يتحول الى خرابة.
رائع استاذ علي.. الرياح العاصفة والمغيرة قادمة والنجاة في الاتحاد. ذكاء السياسة الخارجية السعودية بشكل خاص وحلفائها في الخليج هو مامكنهم من الصمود بينما الباقين يعيشون في فوضى ممن يحيطون بنا.. الذكاء هو عدم معاداة القوى العظمى وفي نفس الوقت وضع حد لهم لا يتم تجاوزها كما تفعل السعودية وحلفائها في الخليج.
احسنت استادى الله سبحانه اعطانا اعظم نعمة نحن المسلمون وهو الرسول واهل بيته عليهم افضل الصلاة والسلام بس هم اتبعو الانكليز والامريكان فى الادارة فى شؤوون بلدانهم وهادى هى الازمة الي صارت لدول الخليج لو اتبعوا الله ورسوله فى امور المسلمين شان دول الخليج ابخير وليس فيها طائفيه ومشاكل ولا زال عندهم شانس لتعديل الاوضاع ماينفع الحكومات اتعيش بدون شعبها ولا تاخد رايه هاده يسبب اطرابات للبلدان ارجوا انتتبعوا الله فى شؤون بلدانكم
اعظم النعم هي القرآن و لا يوجد شخص مقدس بعد محمد عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم و ما دون ذلك لا علاقة له بالإسلام
هذا تعليق ؟ أنت واحد تريد إلغاء أي فكر أو رأي يخالف رأيك؟ إذاً أين أية التطهير التي في القرآن؟ أليس هم أهل بيت النبي؟
كلام جميل ويجب على الدول المترددة كما سميتها أن تحسم رأيها لأنه كما ذكرت الأجواء المدمرة للأراضي العربية قادمة
التعاون نوعان: تعاون على البرّ والتقوى وتعاون آخر هو على الإثم والعدوان فيا ترى هذا الاتحاد والتعاون على ماذا سيكون؟
التعاون على البرّ والتقوى وخير الشعوب وخير البشرية وبث روح المحبّة والسلام هو الذي يبارك الله فيه.
أمّا التعاون الآخر والذي هو على الإثم والعدوان فلا يلبث حتى تدور دوائره على صاحبه حتى وان حقق بعض
الأمور في البداية إلا أنه لا يلبث وينقلب على المتعاونين وللتاريخ شواهد
@
كيف لإتحاد عشوائي أن ينجح وفي ظل هذه الظروف الصعبة؟ وكيف لإتحاد أن يصمد وهو لا يقبل إلا بالرأي الأوحد ؟ الشعوب العربية غسلت يدها من كل الإتحادات العربية والإجتماعات والمؤتمرات لأنها لم تصب ولو مرة واحدة في مصلحة العرب أو الشعوب.
الاتحاد بين دول مجلس التعاون ضروري بشرط ان يكون القرارات ليست من جانب احادي في كل الموضوعات فعمان وقطر تخشى على العموم من التفرد السعودي في مستقل الدول الست فيجب ان يكون هناك وضوح الرؤية المستقبلية في كل النقاط قبل الدخول في خطوة تهدف إلى تحقيق المساواة بين الخلجين وتكون اتحاد صلب لاتهزه الرياح المستقبلية لان اسرائيل وإيران لا يتمنون هذا اللحمة الوطنية بين الخليجين ويتمنون التفرق حتى يسهل عليهم اثارة الفتن ما ظهر منها وما بطن في جزيرة العرب
صدقت والله جعلت المسلم واليهودي في كفة واحدة؟