العدد 30 - السبت 05 أكتوبر 2002م الموافق 28 رجب 1423هـ

فك حصار المقاطعة... وانتصار عرفات!

الشرق الأوسط في الصحافة الفرنسية:

إيمان شقير comments [at] alwasatnews.com

.

كان قرار مجلس الأمن الدولي الطلب من إسرائيل رفع الحصار عن مقر قيادة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وصوتت لصالحه 14 دولة، وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت ضده أو معه «بهدف عدم إثارة الرأي العام العربي في وقت تستعد فيه لشن حرب ضد العراق»، بمثابة ضربة للتعنت الإسرائيلي برئاسة آريل شارون على التعامل مع الفلسطينيين بالقوة العسكرية والنفسية، بقدر ما كان انتصارا جديدا لعرفات الذي استعاد بسبب الحصار التفاف الفلسطينيين كما الرأي العام العربي والدولي حوله.

ذلك هو رأي الصحافة الفرنسية الذي تصدّر صفحاتها الأولى، خلال الحصار وبعد فكه عن مقر عرفات. وأشارت مختلف وسائل الاعلام إليه باسم «المقاطعة» ليصبح الرمز لصمود الفلسطينيين، وأشارت العناوين كلها إلى «انتصارات عرفات»، و«فشل شارون».

ليبراسيون: إسرائيل، أين هو انتصارك؟

كان فرض الحصار على مقر عرفات - في رأي صحيفة «ليبراسيون» - غلطة كبيرة ارتكبها شارون إلا أن شجبها لم يتم إلا بعد رفعه ومن داخل معسكر شارون نفسه ومن منافسه على رئاسة الليكود نتانياهو ومن وزير خارجيته شمعون بيريز الذي اعترف انه لا يعلم إلى أين يقود شارون بلاده. كما من قيادات جيشه التي تركت للسياسيين مسئولية الأزمة بعد أن صرحت مصادر عالية فيه لصحيفة «يديعوت احرنوت»: «لقد خسرنا هذه المعركة وعرفات هو المنتصر، فقد كان الجميع قد نساه إلا أننا أعدنا تصدره للصفحات الأولى في مختلف الصحف».

وفي «ليبراسيون» أيضا مقال للكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان بعنوان «إسرائيل، أين انتصارك؟» يقول فيه «بعد عامين على الانتفاضة لم يوفر الإسرائيليون ولا الفلسطينيون أي عمل من اجل إفشال اتفاقات أوسلو الهشة أصلا... وبدا واضحا أن النزاع لم يستنزف بعد موارده من الحقد المتبادل ولم يوصل أي من الشعبين إلى مرحلة الإنهاك الضرورية للتفكير في أية تسوية بل إن العكس هو الصحيح. فبالنسبة إلى الإسرائيلي، يضيف غروسمان، لا توجد اليوم أي فرصة للتسوية «لانعدام وجود الشريك» و«لأن كل الفلسطينيين إرهابيون»... أما بالنسبة إلى الفلسطينيين فقد يئسوا من أي اتفاق في هذه المرحلة لأن التطورات على الوضع الدولي ليست لصالحهم.

وفي رأي غروسسمان تجد إسرائيل اليوم نفسها في وضع هو الاسوأ خلال السنوات الـ 35 الماضية من ناحية الأمن والاقتصاد والمعنويات، إلا أن شارون على رغم ذلك الرجل الأكثر شعبية... لأنه نجح و«بمساعدة» الإرهاب الفلسطيني في حث الاسرائيليين على رؤية النزاع من منظور التهديد الذي يشكله على أمنهم الشخصي... وضرورة مواجهة هذا التهديد بوسيلة واحدة هي اختصاصه أي القوة ولا شيء غير القوة والمزيد من العنف... ويجد لوسيلته كثير من الحلفاء من المتطرفين الفلسطينيين... ويتحول النزاع إلى سلسلة انتقام متبادلة.

من انتصر ومن اخفق في العمليات الأخيرة؟ عن هذا السؤال يجيب غروسمان بالقول: «لا شك في أن اسرائيل هي بالظاهر ولهذه اللحظة فقط، هي المنتصرة... فعرفات فقد من شرعيته في العالم وفي داخل قيادته ولم يعد له سوى بضعة أمتار من مقره وبضعة قياديين لا يملكون أية خبرة لا في النضال ولا في أمور التنظيم وتدابير الأمن. وأصبح واضحا وبعد سنتين من الانتفاضة أن كثافة العمليات الانتحارية والأعداد المتزايدة للضحايا نسجت بين الاسرائيليين شعورا من الاخوة والولاء الوطني والاستعداد لتحمل خسائر فادحة لمصلحة تحقيق هدف شارون. لكن اسرائيل تدفع الثمن غاليا لهذا الوضع: فبعد عامين من الانتفاضة برز بقوة نموذج الاسرائيلي المقاتل القومي والعنصري، الذي يرفض باسم الاجماع الوطني كل انتقاد أو اعتراض للأقلية... ولم يعد هناك من وجود لمعارضة مهمة... ومن يعترض على عنف شارون يتهم بالخيانة. أما الإعلام فقد اصبح حارس اليمين والحكومة والجيش، يعمل علانية لصالح الخط المتطرف والمعادي للفلسطينيين. وأصبحت الدعوات إلى طرد العرب الاسرائيليين وطبعا فلسطينيي أراضي 48 وانهاك القيم الديمقراطية وتجاهل الأخلاقيات وغير ذلك من الدعوات «المعتدلة»، اصبحت أمورا مقبولة بل ومشروعة في المناظرات الشعبية من دون أي اعتراض عليها. وازداد نفوذ الأحزاب الدينية المتطرفة وسادت موجة من «الوطنية» العاطفية المبتذلة تستمد من مشاعر أسلاف «المصير اليهودي» بأكثر معانيه المأسوية... واصبح الإسرائيليون - مواطنو اكبر قوة عسكرية في المنطقة - في موقع «الضحية» المضطهدة، الخائفة من خطر إبادة كاملة، وهو وضع، يعرف الجميع، انه يبرر ردة فعل عنيفة.

يضيف غروسمان في مقاله «حتى الآن، انتصرت إسرائيل. لكن ما هو معنى مثل هذا 'الانتصار' الذي لا يحمل أي أمل بمستقبل افضل ولا حتى أي شعور بإمكان تحقيق الراحة والأمن؟. الفلسطينيون أخفقوا، إلا انهم مستمرون في القتال ومن الصعب جدا الافتراض بأنهم سيخضعون لأوامر شارون. وربما يكون الوضع كما في الانتفاضة الأولى حين قاتل الفلسطينيون سنتين ثم انهمكوا في صراعات داخلية مرة وحال تفكك اجتماعية خطرة، لكن من الافضل لإسرائيل ألا تحبذ مثل هذا الامر، بل إن من مصلحتها بالأكثر وجود مجتمع فلسطيني متين بقيادة تتمتع بثقة داخلية واسعة من اجل اجراء محادثات سلام جدية تنطوي إلزاميا على تسويات تاريخية.

مضت سنتان، يختم غروسمان، وليس من امل في الافق - وهناك بالنسبة إليّ عاملان مهمان يزيدان الوضع تهورا: الأول ان هناك - وفقا لوكالات الأمم المتحدة - نحو ربع الاطفال الفلسطينيين يعانون من سوء التغذية بسبب الاوضاع. والثاني أن التلامذة الاسرائيليين اصبحوا يتعلمون كيفية تمييز الانتحاريين المحتملين... وان الربط بين هذين العاملين يؤكد لنا أننا، ولسنوات طويلة قادمة، سنكون جميعا -اسرائيليون وفلسطينيون - رهائن بعضنا بعضا وحملة موت لا معنى له ولا فائدة.

لوكورييه انترناسيونال: عرفات في أفضل حالاته

أدى حصار المقاطعة إلى إعادة احياء عرفات - قالت «لوكاورييه انترناسيونال» - فهو استطاع حشد شعبه حوله من جديد في وقت كان البرلمان الفلسطيني نفسه يشكك في قيادته بحثا عن بديل بل إن حجم المعارضة الفلسطينية للإصلاحات المطروحة من قبل عرفات دفعت بأعضاء كثر من حكومته إلى الاستقالة.

افترش عرفات الأرض لينام وقطعت عنه الكهرباء والماء ووسائل التكييف، وساهم في تشجيع صمود 250 شخصا معه بل وطلب من صائب عريقات وقف أي مفاوضات مع الإسرائيليين بشأن رفع الحصار لأن السلطات الإسرائيلية منعت أي اتصال بين الدبلوماسيين الغربيين وعرفات. وكانت نتيجة الحصار أن انطلقت التظاهرات الداعمة للرئيس عرفات في مختلف المدن الفلسطينية واستمرت المقاومة بأشكال جديدة. فلم يكن للحرب الاسرائيلية الجديدة ضد الفلسطينيين على مختلف الصعد العسكرية والإعلامية والنفسية من نتيجة سوى إعادة احياء سلطة عرفات ليصبح من جديد «في أفضل حالاته»

العدد 30 - السبت 05 أكتوبر 2002م الموافق 28 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً