العدد 30 - السبت 05 أكتوبر 2002م الموافق 28 رجب 1423هـ

الوحدة طريقنا لرفع هذا الاحتقان السياسي

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

مبادرة صاحب العظمة الملك بالسماح للجمعيات السياسية بالاشتغال والانشغال في السياسة، بحسب التعبيرات التي درج المسئولون في الحكومة على استخدامها أخيرا، للتعبير عن وجهة نظر الحكومة فيما يتعلق بفتح الشبابيك للاطلالة على حرية العمل السياسي في البحرين. وليس هناك مجال للشك في أن المبادرة كان لها صدى طيب لدى مختلف التيارات السياسية التي تختلف فيما بينها في منهجية تطبيق الممارسة الديمقراطية. التيارات السياسية البحرينية تفاجأت بخطوات صاحب العظمة واعتبرتها في الاتجاه الصحيح بعد الاحتقان السياسي الناتج عن عملية تعديل دستور 73 إلى دستور جديد عرف بدستور 2002م، مختلف تماما عن سابقه في المضمون وصلاحيات ممثلي الشعب التي اعتبرتها التيارات المقاطعة للانتخابات مقيدة لممارسة العمل الديمقراطي.

مبادرة صاحب العظمة الملك منحت التيارات السياسية البحرينية جزئية محدودة للتحرك السياسي، ولكنها في كل الأحوال مقيدة بسلاسل من ذهب. لأنها تستطيع التعبير عن أرائها كأي حزب رسمي في العالم، ولا يعترف بها كأحزاب رسمية. في الوقت نفسه سمح أخيرا للجمعيات المهنية بالتحول إلى نقابات عمالية وأتيحت لها فرصة العمل النقابي كأي ديمقراطية عريقة.

إلا أن الاختلاف الواضح في الاتجاهات السياسية والانتماءات الفكرية والعقائدية بين هذه التيارات، دقّ أسفين بحجر، فلم يتم تشكيل جبهة وطنية سياسية موحدة، تضع برنامج عمل سياسيا موحدا لاستشراف المستقبل لانجاح تجربة ديمقراطية وليدة، تستطيع مناقشة جدول أعمال الدولة السياسي والديمقراطي وفضائه الواسع. من هنا تكمن أهمية جمع الشمل والتغلب على الصعوبات الحالية التي تعرقل النظرة السياسية الشمولية لمستقبل السياسة البحرينية. فشلُ محاولة عقد ندوة حوارية في نادي العروبة فيما بين هذه التيارات خيّب آمال المواطنين المتطلعين إلى معرفة الحقيقة من المناظرات السياسية. لذلك فنحن نطالب بعقد مؤتمر شعبي تصالحي يضم جميع أفراد الجمعيات العمومية لكل تيار سياسي لحل عقدة الاحتقان السياسي الحالي، الذي يجب ألا يستمر إلى ما لا نهاية وذلك لصالح جميع الأطراف. المؤتمر الشعبي التصالحي للتيارات السياسية البحرينية هو السبيل الوحيد للخروج ببرنامج عمل موحد يحمل رؤية واضحة للعمل الوطني للمرحلة الديمقراطية المقبلة.

التيارات السياسية في الديمقراطيات

الحياة السياسية في الديمقراطيات تعتمد على أداء التيارات السياسية واستيعابها العمل الديمقراطي، وهي مجموعات منظمة تسيطر أو تسعى للسيطرة أو المشاركة في الحكم في الأنظمة الديمقراطية. في الديمقراطيات الناشئة، كالديمقراطية التي ستشهدها مملكة البحرين، ستكون المنافسة للدخول إلى البرلمان بين ثلاثة تيارات رئيسية: التيار الديني الأوفر حظا وهو أقوى هذه التيارات السياسية، ويليه التيار الليبرالي المنافس والتيار اليساري الأقل حظا. هذه التيارات السياسية المتنافسة التي انقسمت بين مؤيد للمشاركة في الانتخابات ومقاطع لها، لن تحتفظ أي منها بغالبية برلمانية وفقا لدستور 2002م، مما يضعف الغاية من وجود البرلمان نفسه أصلا، وأهمية اشتغال أو انشغال التيارات السياسية بالعمل السياسي، وبهذا لن تحقق تلك التيارات سواء المقاطعة أو المشاركة الغاية من انشائها. لأنها بالطبع لن تستطيع التأثير على التركيبة الحكومية القادمة، ولن تأتي بمعجزة لحل العقدة السياسية الحالية. إلا أن هذه التيارات السياسية المختلفة الاتجاهات والانتماءات الفكرية والعقائدية قد تنشط سياسيا على المستوى القومي أو الإقليمي أو المحلي لطرح وجهة نظرها على الجماهير للحصول على دعم لبرنامجها السياسي.

في نظام الحكم الديمقراطي تعُّد التيارات السياسية هياكل سياسية بالغة الأهمية، فكثير من الديمقراطيات تكون ديمقراطيات تمثيلية منتخبة، إذ ينتخب الناس ممثليهم ليقوموا بسنّ القوانين، وتنفيذها نيابة عنهم. وفي ظل نظام الحكم التمثيلي الديمقراطي، تنشأ الحاجة إلى وسيلة تقدم المرشحين لتولي المناصب العامة، ولطرح القضايا المهمة للنقاش العام، وتقوم التيارات السياسية بحسب نوعية الديمقراطيات بهذا الدور. وفي الانتخابات يختار الناس من يريدونه من المرشحين لتولي المناصب العامة. لكن التيارات السياسية ما هي إلا عبارة عن تنظيمات تطوعية، تسعى ينضم إليها أكبر عدد ممكن من الأعضاء، كما أن بعض هذه الهيئات لها لوائح وأنظمة تخصها، ولا تجمع اشتراكات عضوية.

التيارات السياسية داخل الهيئة التشريعية

ينسق الأعضاء المنتخبون المنتمون إلي مختلف التيارات السياسية داخل المجلس التشريعي أو البرلمان أعمالهم، من أجل أداء مهامهم بفعالية. ويدير جلسات المجلس رئيس ينتخبه الأعضاء، وفي الواقع تختار كتلة الغالبية السياسية رئيس المجلس. ولكل تيار سياسي أعضاء نشطون يقدمون إلى رؤساء الكتل السياسية ملاحظاتهم عن رأي الأعضاء في مشروعات القوانين المعروضة للاقتراع، ويعملون على تأكيد التزام الكتلة أو التيار السياسي فيما بين الأعضاء. وفي داخل معظم الهيئات التشريعية تنشأ لجان تمثل فيها كل الكتل السياسية، بحسب ثقلها في المجلس للبحث في مشروعات القوانين. ويرأس هذه اللجان عادة عضو من كتلة الغالبية. ولكن اذا تحققت مقاطعة بعض التيارات السياسية للانتخابات، فإن هذا النظام لن يعمل به في البحرين، لفقدان البرلمان عنصر التعددية السياسية أو عنصر التنافس بين التيارات السياسية المختلفة ايديولوجيا.

التيارات السياسية المعارضة

في كل بلد ديمقراطي يقع عبء انتقاد سياسات الحكومة على المعارضة، كما أن طرح سياسات بديلة يقع على عاتق الكتل السياسية خارج السلطة. وفي بلدان التعددية السياسية مثل: فرنسا وإيطاليا وألمانيا، قد تختلف آراء الكتل أو أحزاب المعارضة على نوع نظام الحكم نفسه اختلافا كبيرا. أما في النظام الديمقراطي ذي الحزبين فإن حزب الأقلية يشكل عادة معارضة لوحده. وقد تتجمع عدة أحزاب في شكل ائتلاف ليعارض الحكومة أو ليحل محلها. والبرلمان البحريني المقبل سيفقد أي ائتلاف للمعارضة لجهل معظم التيارات المشاركة في الانتخابات مبدأ المعارضة البرلمانية المنظمة.

برامج التيارات السياسية

في الدول الديمقراطية تستخدم التيارات السياسية وسائل الاعلام كالصحف والإذاعة والتلفزيون والإنترنت وغيرها، لتتحدث إلى الناس عن برامجها وأهدافها، فهي تنشد كسب الفوز بمقاعد البرلمان في بعض الأنظمة الديمقراطية أو الفوز بالسلطة في أخرى، أو البقاء فيها. وتحاول الأحزاب المعارضة الكشف عن مواطن الضعف في سياسات وبرامج الحكومة، وتزعم أنها تقدم البديل الأفضل لها. وبذلك تزيد الأحزاب السياسية من وعي الناس بشئونهم، وتسلط الأضواء على المشكلات التي تهمهم. غياب هذا العنصر عن وسائل الاعلام البحرينية سيفقد الانتخابات حيويتها لفقدان أدوات التعبير.

جماعات الضغط السياسي

تضم تجمعات من المواطنين الذين يؤمنون بأهداف سياسية معينة، ونظرية سياسية مشتركة، وينظمون أنفسهم بغرض إيجاد ظروف أكثر ملاءمة لتحقيق برنامجهم السياسي الذي وضعوه، ومبادئهم السياسية التي اعتنقوها، ويمكن من بين أهداف هذه الجماعات الوصول إلى السلطة أو الفوز بغالبية مقاعد البرلمان في بعض الأنظمة التي لا تسمح بظهور أحزاب، وسيلة لوضع أهدافها موضع التطبيق. في حال البحرين تمثل منظمات المجتمع المدني عنصر ضغط سياسيا، لكن مستوى عملها لم يرتق للوصول إلى نتائج ملموسة. والحزب السياسي أو الكتلة السياسية يختلفان عموما عن جماعات الضغط التي تتكون من الاتحادات المهنية، أو النقابات العمالية أو الهيئات الحرفية أو جمعيات النفع العام المكونة للمجتمع المدني الديمقراطي، إذ أن جماعات الضغط لا تسعى إلى تولي السلطة في البلاد، ولكنها تسعى إلى الضغط على الحكومات لتحقيق مصلحة فئاتها وأعضائها باستخدام الضغوط المناسبة لتجعل الحكومات تحقق لها برامجها الفئوية.

تصنيف التيارات السياسية

هناك إشكالية تتعلق بتصنيف التيارات السياسية، من حيث طبيعة تكوين التجمع وتنظيمه وأهدافه. وفي ضوء ذلك، يتم التمييز بين تجمعات الصفوة والجماهيرية والأشخاص. كذلك يتم التمييز بين تجمعات الرأي التي يمارس أعضاؤها حرية القبول أو رفض مواقف الكتل السياسية المختلفة، وتجمعات المبادىء التي يلتزم أعضاؤها بتبني سياسات تجمّعهم السياسي واختياراته. وتعتبر محاولة عالم السياسة الفرنسي موريس دوفرجيه من المحاولات الأولى المهمة التي بذلت لتصنيف التيارات والأحزاب السياسية. ولجأت بعض التجمعات السياسية، إلى وصف نفسها بأنها حركة أو جبهة أو منظمة أو جمعية أو اتحادأ ومؤتمر أو غير ذلك، لتوحي بتحررها من القيود العقائدية والانضباطية الصارمة المفروض توافرها في الحزب السياسي. فالحركة مثلا تيار عام يدفع طبقة من الطبقات أو فئة اجتماعية معينة إلى تنظيم صفوفها بهدف القيام بعمل موحد لتحسين حالها الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو تحسينها جميعا. وهي الأكثر شمولا من الحزب وأقل تماسكا وانضباطا منه.

مقترحات لتوحيد التيارات السياسية البحرينية

اختلاف برامج التيارات السياسية البحرينية نظرا إلى الاختلاف الايديولوجي والفكري، لا تخدم تطلعات الجماهير البحرينية، التي تسعى جاهدة لتحقيق هدف تحسين الوضع المعيشي للمواطن، وانها تفضل المصالحة بينها لتتبنى برنامج عمل سياسي واضح يستطيع تحقيق مطالب كل بحريني في:

1- تحقيق أكبر قدر من الشفافية في الممارسة الديمقراطية.

2- المستوى الجيد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

3- العدالة والمساواة لكل أفراد الشعب المتباينة طوائفه.

4- القضاء على جميع مسببات الفساد الإداري والمحسوبية.

5- القضاء على البطالة وتشجيع الاستثمار الاقتصادي لإيجاد فرص عمل افضل للعاطلين عن العمل، وإعادة توظيف المفصولين عن العمل.

6- القضاء على البيروقراطية ومركزية اتخاذ القرارات الإدارية.

ليس هناك مجال للشك في، أن كل تيار سياسي بحريني يختلف فكريا وعقائديا عن الآخر وربما هذا هو سبب شتات التيارات السياسية في البحرين. ولكن الشارع البحريني الذي يعيش الآن مرحلة انتقالية مهمة، يتطلع إلى إنشاء جبهة وطنية موحدة من التيارات السياسية لتلبية المطالب الشعبية الملحة، وفقا لبرنامج سياسي وطني موحد. لكن كيف يمكن وضع برنامج موحد للتيارات السياسية البحرينية التي تشكل الجبهة الوطنية البحرينية؟ في اعتقادي أن أفضل السبل للتوصل إلى تلك الغايات والمقاصد هي:

1- الدعوة إلى عقد مؤتمر شعبي بمشاركة جميع التيارات السياسية للتحاور، تحت شعار الجبهة الوطنية الموحدة.

2- كل تيار سياسي يختار نخبة من نشطائه يمثلون الجمعية العمومية لكل تيار لوضع خطوط توجيهية للعمل الوطني الموحد.

3- تضع اللجنة التحضيرية جدول أعمال المؤتمر الشعبي وبرنامج عمله.

4- تقر الجمعية العامة للمؤتمر الشعبي البرنامج السياسي الموحد للتيارات.

5- يجب أن تتاح الفرصة لأكبر عدد من الجمهور لحضور المناقشات.

يبقى الآن على التيارات السياسية البحرينية أن تستجيب للغة الحوار، وأنا مقدر شخصيا رغبة الرموز الوطنية في حقوق المواطن البحريني

العدد 30 - السبت 05 أكتوبر 2002م الموافق 28 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً