في أكتوبر/ تشرين الأول سمع المواطن العربي للمرة الأولى باسم «الديفرسوار» وتحول الاسم بعد حين إلى مفردة سياسية. الديفرسوار لم تعد اسم قرية مجهولة تقع على قناة السويس. إنها «ثغرة» ثغرة في الجدار... ثغرة في الانتصار. واستخدمت الكلمة آنذاك (في العام 1973) للدلالة على نقطة الضعف. وتحولت إلى معادل لكلمة «قدم آخيل» في الأسطورة اليونانية.
الديفرسوار كانت ثغرة الانتصار العربي في حرب أكتوبر 1973 ومنها تسلل ارييل شارون بكتيبة دبابات لينقل الدفاع الإسرائيلي من خط بارليف في غرب قناة السويس إلى هجوم عسكري طوّق خلاله الجيش الثالث المتمركز في شرق القناة.
ومن تلك الثغرة العسكرية «تسلل» وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر ومعه الرئيس ريتشارد نيكسون والإدارة الأميركية وبدأت المفاوضات السياسية تحت ضغط ثغرة الديفرسوار العسكرية.
آنذاك كانت الأمة لم تنسَ طعم هزيمة 5 يونيو/ حزيران 1967. وكانت لاتزال في حال حداد على الراحل جمال عبدالناصر في 1970.
أصيبت الأمة بفزع. وكان الخوف يزداد كلما وردت مفردة «الديفرسوار». تحولت الكلمة إلى شوكة في حلق الجماهير التائهة والتائقة إلى انتصار، ولو بسيط، يعيد الثقة بالنفس وبعض الهيبة لأمة قدّر لها يوما أن تمتد تحت راية الإسلام من الصين شرقا إلى الأندلس غربا.
لم يكن يهم الأمة تحطيم «إسرائيل» بل كسر الهزيمة ونسيان آثار العدوان. عدوان يونيو (5 حزيران).
«ما أخذ بالقوة يسترد بالقوة» كلمات قالها عبدالناصر يوم الهزيمة. وكلمات ردتها علينا إسرائيل وتحدت الإرادة العربية. نحن أخذنا أرضكم بالقوة وإذا أردتم إعادتها فعليكم اللجوء إلى القوة وليس إلى مجلس الأمن وقراراته.
... واندلعت حرب 6 أكتوبر 1973. وتوقفت عقارب الساعة على زمن مجهول، ماذا نستطيع أن نفعل مع «جيش إسرائيل الذي لا يقهر»؟ ماذا نفعل أمام إهانة جديدة يمكن أن نقع فيها ثانية وفي أقل من أسبوع؟
لم يكن أمام الجماهير سوى قبول الأمر الواقع. كانت تتابع البلاغات العسكرية ساعة بساعة. تحاول أن تلتقط من بين السطور بارقة أمل. اختلفت صيغة البلاغات وإشاراتها عن تلك التي صدرت في يونيو 1967. كانت متواضعة، موجزة، دقيقة، بسيطة، وبعيدة عن البلاغة. بلاغات أكتوبر كانت قوية في بساطتها وتواضعها.
اختلفت البلاغات العسكرية واكتشف الجيل العربي المهزوم إشارات مريحة: العرب ينتصرون.
آنذاك كان شارون يستعد لاختراق الجبهة العسكرية في قناة السويس. وكانت «إسرائيل» تسلّمت لتوها صور الأقمار الاصطناعية الأميركية التي حددت لها نقاط ضعف الجبهة المصرية ونقاط القوة.
واقترحت واشنطن على تل أبيب الديفرسوار. فتلك الثغرة الصغيرة يمكن أن تكبر في حال استفيد منها. وهكذا كان.
كانت الأمور على الجبهة المصرية بدأت تتغير والجبهة السورية تعاني الضغط الشديد و«إسرائيل»، بدعم واشنطن المباشر، زادت من حصارها للجيش الثالث فارتبكت مقدمة الجيوش المصرية في سيناء ولم تعد قادرة على التقدم بينما بعض القوات الإسرائيلية انتقلت من سيناء إلى مصر وانتهت الحرب إلى معادلة اللاغالب واللا مغلوب، او اللاحرب واللاسلم.
وأطلق الجيل المهزوم تسميات عدة على الحرب: أكتوبر، تشرين الأول، رمضان، حرب تحريك، حرب تحرير... إلخ... ومرّت الأيام.
اليوم وبعد مرور 30 سنة على حرب السادس من أكتوبر مازالت الأمة تعد الأيام وتعيش على أمجاد تلك اللحظات. فتلك اللحظات هي من الساعات التي نحلم بها، في وقت دخلنا عصر السلم من دون السلام
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 30 - السبت 05 أكتوبر 2002م الموافق 28 رجب 1423هـ