المسيرات البحرينية المناصرة للقضية الفلسطينية مفخرة لكل بحريني ولكل عربي، وكفى بالبحرين فخرا انها اول دولة عربية يتظاهر مواطنوها بصورة حاشدة أمام السفارة الاميركية في ابريل /نيسان الماضي والتي سقط فيها محمد جمعة، وهو مازال بانتظار المخلصين من المحامين لرفع قضية مقتله امام المحاكم.
وبعد تلك المسيرات الحاشدة التي وصلت ذروتها في مايو/ أيار الماضي عندما خرجت في يوم واحد خمسون مسيرة في كل أرجاء البحرين تنوعت النشاطات المناصرة لأهلنا في فلسطين من اقامة الخيام والصيام ومقاطعة البضائع الاميركية والتبرع بالدم والمال واقامة المعارض الفنية والاحتفالات الانشادية وغيرها من النشاطات الأخرى.
غير ان الملاحظ في كثير من هذه الأنشطة غياب العلم البحريني في الوقت الذي ترتفع فيه أعلام أخرى وصور رمزية متنوعة. وعلى رغم أن العلم البحريني يرفع عندما تتبنى المسيرة أو النشاط جمعيات سياسية كبرى، فإن العلم يقل ظهوره أو يختفي في المسيرات التي تخرج بين فترة وأخرى. ولربما هذا الأمر ليس مقصودا منه ما تدعيه بعض الأقلام، فان عدم رفعه بصورة واضحة وفي كل المناسبات يوفر فرصة لمن يحاول الاصطياد في الماء العكر.
ان العلم - في اي دولة - أمر مهم ، مثله مثل العملة الوطنية والنشيد الوطني، لأنه يشير إلى التفاف المواطنين حول رمز وطني يعبر عن انتماء الفرد إلى تلك البلاد. وفي البلدان الأخرى، يمكن للمواطن أن يرفع اعلاما اخرى خاصة بالمدينة أو بالحزب أو بالنقابة ولكن العلم الوطني ايضا يرفرف جنبا إلى جنب ذلك العلم. فولاية تكساس ، مثلا، لديها علم خاص، وهو يرفرف جنبا إلى جنب العلم الاميركي، واحزاب اوروبية كثيرة لديها أعلام واشارات ترفع جنبا إلى جنب العلم الوطني. وقضية رفع العلم قد يعتبرها البعض غير مهمة، الا أن ذلك ثبت عدم صحته. فالجاليات الاسلامية في اوروبا واميركا رأت أخيرا أهمية رفع اعلام البلدان التي تعيش فيها على رغم بعض ملاحظاتها الاساسية عليها. فبعض الاعلام الاوروبية تحتوي على «صليب» ومع ذلك ، فإن المسلمين وجدوا ان حقوقهم مصونة أكثر عندما يرفعون العلم، لأن ذلك يكف عنهم الحملات العنصرية من جانب ولأنه ايضا يدمجهم في المجتمعات بصورة افضل. وبدلا من أن ينظر اليهم كمهاجرين وأبناء مهاجرين، فإن رفع العلم يحولهم إلى مواطنين كاملي الحقوق. وعلى رغم ان أوجه التشابه بين الجاليات المسلمة في الغرب ووضعنا البحريني ليست كثيرة، فإن النقطة الاساس هي ضرورة عدم اهمال رفع العلم في المناسبات المهمة مثل خروج مسيرات الدعم لشعب فلسطين، أو جمع المال عند الدوارات الرئيسية في شوارع البحرين. ذلك لأن رفع العلم يحمل في طياته الكثير من الرسائل المهمة.
نعم ان انتماء الفرد إلى الوطن لا يمكن تلخيصه في رفع علم أو انشاد نشيد، لأن البحريني انما هو بحريني لأن دمه ووجدانه وجذوره وحاضره ومستقبله كلها تهتف باسم البحرين، ولا يمكن لاي شخص أمسك بقلم ليشتم أو بسوط ليضرب أهل البحرين أن ينفي هذه الحقيقة الواضحة كوضوح الشمس في وسط النهار. غير أن المسألة تتعدى هذا الأمر. فنحن نعيش حاليا فترة تشهد انفتاحا سياسيا يسمح بحرية التجمعات وحرية التعبير عن الرأي بصورة لم نعهدها في بحريننا الغالية. وفي كل بلاد، يتم تأطير هذه الحريات بضوابط معينة. ورفع علم الدولة يشير إلى التزام المواطن بتلك الضوابط. ورفع العلم البحريني في المسيرات واثناء جمع التبرعات يعطي صورة جميلة لأهل البحرين الذين يعتزّون بالرمزية الفلسطينية والرمزية البحرينية. كما ان رفع العلم يرفع الحرج الذي تواجهه وسائل الاعلام الرسمية وغير الرسمية التي تود نقل الخبر إلى العالم الخارجي. ولا يخفى على اي شخص أهمية وجود العلم البحريني عندما تبث الصور عالميا، لأن ذلك يحفظ هيبة الدولة من دون ان يؤثر ذلك على الغاية الأساس للمسيرات التضامنية.
الجمعيات الأهلية - وهذه كلمة حق - واعية لهذه الحقيقة، وهي سعت دائما للحفاظ على الرمزية البحرينية اثناء الأنشطة المختلفة، ولذلك فإننا ندعو إلى تعميم هذه الرمزية على جميع الانشطة التضامنية الاخرى التي تنظمها مجموعات شبابية بصورة عفوية وتطوعية. وسترى هذه المجموعات أن الإعلام الرسمي وغير الرسمي يغطيان نشاطاتها من دون حرج لأي طرف . كما سيجد من يرفع علم البحرين أن رمزية الانتماء إلى البحرين تزيد الأعمال التضامنية جمالا في الشكل والمضمون
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 30 - السبت 05 أكتوبر 2002م الموافق 28 رجب 1423هـ